مستقبلاً في دولة أوروبية .. السماح بتفتيش هواتف طالبي اللجوء المحمولة

مستقبلًا سيُسمح للسلطات السويسرية بتفتيش الهواتف الجوالة لطالبي اللجوء من أجل التثبُّت من هُويّاتهم. هذا الإجراء سبق وأن طُبِّق في بلدانٍ أخرى، لكنّه أثار جدلًا كبيرًا. ألمانيا، وهي الدولة الجارة السبّاقة في ذلك، قد تضطر قريبًا لإيقافه.

الكثير من طالبي اللجوء في سويسرا لديهم هواتفٌ جوّالة، لكنّهم لا يحملون بطاقات هُوية أو أي أوراق ثبوتية أخرى، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون إثبات هُوياتهم. أمانة الدولة للهجرة سيُمكنها في المستقبل أن تفحص أجهزتهم الإلكترونية إذا كان ذلك يمثل الإمكانية الوحيدة لتحديد هوياتهم أو للكشف عن الطريق الذي سلكوه في رحلاتهم. عمليًّا يعني ذلك بأن البيانات المتوفّرة على أجهزة الهاتف والكمبيوتر والأجهزة اللوحيّة أو الساعات الذكيّة يُمكن أن تخضع للتحرّي والتقييم من قبل السلطات، وأن المعلومات التي ستستخلص منها بواسطة برامج ألكترونية خاصة ستحفظ على خادمٍ ألكتروني آمن لمدة عام.

في الخامس عشر من سبتمبر 2021، اعتمد البرلمان الفدرالي مبادرة برلمانيةرابط خارجي تمنح أمانة الدولة للهجرة هذه الصلاحية الجديدة. “غريغور روتز”، النائب عن حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) والموقِّع الأول على المبادرة، يُعلّل طلبَه في نص المبادرة كالآتي: “إنه لَمِن غير المنطقي أن تتلمسَ السلطات طريقها في الظلام من أجل التثبّت من الهُوية، بينما لا يُسمَح بوضع الأجهزةِ المرافِقة، والتي تحمِل الكثير من البيانات المهمة، موضع الاعتبار في الإجراءات”.

خلال المناقشة البرلمانية أكدت وزيرة العدل والشرطة كارين كيلّر-سوتّر بأنه “يُمكن استخدام هذا الإجراء لتحديد هوية الأشخاص فقط، وليس لأغراضٍ أخرى، كما إنه يجب مُراعاة المبدأ القانوني لحماية البيانات والهدف المتعلق به”. وقالت: “لقد اُتخذت إجراءاتٌ مختلفة لمنع إساءة الاستخدام ولضمان حماية الخصوصية”.

منظمات حماية اللاجئين والدفاع عن حقوقهم لم يُسعدْها ذلك. وتقول أليانة أينغيلر، الناطقة الإعلامية باسم المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئينرابط خارجي، بأن “هذا الإجراء غير متناسب ويشكل انتهاكًا خطيرًا لِحَقِّ الخصوصية”، وتُشير إلى نقطةِ انتقادٍ أخرى تتلخص في أن “فحص البيانات لا يخضع لتفويضٍ من محكمة كما هو الحال في إطار التحقيق الجنائي، عندما يُشتَبه بارتكابِ أشخاصٍ لجرائمَ جنائيةٍ خطيرة”.

القانون الجديد أثار أيضًا ردَّ فعل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدةرابط خارجي، التي تعترف بمصلحة الدول في تحديد هويات الأشخاص الذين يقيمون على أراضيها، لكنّها تؤكد “بأن المدخل غير المقيّد إلى المعلومات الشخصية يُعدّ انتهاكًا صارخًا بشأن حماية الخصوصية، وإن هذه الخصوصية مصانةٌ بالقانون الدولي وبالدستور السويسري على حدٍّ سواء”، وتقول آنيا كلوغ، مديرة مكتب المفوضية في سويسرا وإمارة ليختنشتاين: “مثل هذا التدخل غير جائز إلّا في ظروفٍ محددة جدًّا، وهي غير مستوفاةٍ في مشروع القانون”.

تحرّي وتقييم البيانات الموجودة على الهواتف الجوالة لا يشكل برأي المفوضية أداةً مناسبةً للتثبت من هوّيات طالبي اللجوء وجنسياتهم والطرق التي سلكوها في رحلتهم. في هذا الصدد، تقول كلوغ: “خلال رحلة الهروب يُمكن أن تُستخدَم الهواتف الجوّالة من قبل عدّةِ أشخاصٍ، بمن فيهم المُهرّبون، لذلك فإنه من الصعب نسبة البيانات لشخصٍ معين. بالإضافة إلى ذلك، فإن البيانات الألكترونية يُمكن التلاعب بها بسهولة أو إتلافها”.

في خضم أزمة الهجرة في عام 2015، بدأ العديد من الدول الأوروبية بتحرّي الهواتف الجوالة لطالبي اللجوء. لكن هذه الطريقة لاقت من الناحية العملية انتقادًا في كل مكان. في بلجيكا وفي النمسا لم تُستَخدم هذه الطريقة قطُّ، وذلك لأسبابٍ عديدة من بينها مبدأ حماية البيانات. في ألمانيا، غدت مراقبة هواتف المهاجرين منظَّمةً بالقانون منذ عام 2017. لكن التطبيق المُتَّبع ظل موضع شكٍّ وتساؤل من قبل المحاكم. وفي يونيو 2021، اعتبرت محكمة إدارية بأن تفتيش الهاتف الجوال لطالبة لجوء إفغانيّة، أمرٌ مخالفٌ للقانون. عندما تقدّمت المرأة الإفغانية بطلب اللجوء في ألمانيا في عام 2019، لم يكن لديها جواز سفر، ولكي يتم التحقق مما إذا كانت أفغانية الأصل فعلًا، أم لا، صادر موظفو الهجرة هاتفها ومشّطوا البيانات بمساعدة إحدى البرامج الألكترونية. وبعد شهرٍ من ذلك رُفض طلبها.

وبدعمٍ من منظمات حقوق الإنسان اشتكت “فرحناز س.” أمام المحكمة الإدارية، التي قررت أن دائرة الهجرة واللاجئين قد انتهكت القانون كونها قامت دون ضرورة بحفظ البيانات التي تم الوصول إليها جرّاء عملية التمشيط. ومن الممكن الآن أن تصل القضية حتى إلى المحكمة الدستورية الاتحادية التي قد يكون لها صلاحيّة إلغاء القانون الذي شُرِّع في العام 2017. في الأثناء، قام لاجئان آخران، واحد من سوريا والآخر من الكاميرون، برفع دعوى مشابهة.

يرى ماتياس لينرت، محامي “فرحناز س.”، المتخصص بقانون الهجرة، بأن هذه القضايا المختلفة قد تُجبر السلطات الألمانية على إعادة التفكير في منهجها؛ ويأمل أن “يُمنَع تفتيش الهواتف الجوالة الذي يمثل انتهاكًا كبيرًا للحقوق الأساسية”، على حد قوله.

هذا الإجراء مُربِكٌ أيضًا للمعنيّين. “فرحناز س.” التي غُيِّر اسمها بناءً على رغبة محاميها، تقول في تقريرٍ لـ “دويتشة فيللةرابط خارجي”: “لا أعرف إن كنتُ أعطيتهم الرقم المفتاحي أم إنني جعلت لهم الجهاز متاحًا بدونه. لقد كان لديهم مدخلٌ لكل شيء”.

بدوره، يقول المحامي لينرت بأن “معظم الناس لديهم خوف من أن يتركوا محتوى هواتفهم للسلطات. خشيتهم تكون أحيانًا من إمكانية أن تخلق الصور والمحادثات ضررًا لأفراد العائلة المتبقّين في بلادهم”.

بغض النظر عن الجوانب الأخلاقية والقانونية لتفتيش الهواتف الجوالة، فإن مدى تأثير هذه الطريقة يظل موضع شك. وتقول آنيا كلوغ: “أظهرت التفتيشات في ألمانيا بأن الجهد المبذول في تقييم البيانات لا يتناسب مع الفائدة” المُتحصل عليها.

في سياق متصل، توصلت دراسةرابط خارجي نشرتها الجمعية الألمانية لحقوق الحريّات في ديسمبر 2019 إلى الاستنتاج ذاته. وفقًا لتلك الدراسة، فإن نسبة واحد أو اثنين بالمئة فقط من بين جميع الحالات التي قامت على تحرّي وتقييم البيانات توصلت فيها السلطات إلى معلومات تفيد بأن الشخص المعني أدلى ببيانات مزيفة عن هويته. في ربع الحالات، فشل تمشيط الهواتف، أو الأجهزة الأخرى، بسبب مشاكل تقنية. وفي بقية الحالات، أكدت البيانات صحة أقوال المُهاجرين.

تناولت الدراسة أيضًا تكاليف الأجهزة والبرامج التي تحتاجها السلطات لتحليل البيانات. وتوصلت إلى أن ألمانيا أنفقت بين العام 2017 وأبريل 2018 حوالي 7.6 مليون يورو (ما يقارب 8.3 مليون فرنك)، وذلك ضِعف المبلغ الذي كان مقدّرا في الأصل.

هل يُستخدَم طالبو اللجوء كحيوانات تجارب؟

بالنسبة لماتياس لينرت، فإن الاستنتاج واضح ويتلخص في أن “تفتيش الهواتف الذكية للمهاجرين والمهاجرات لا يجلب فائدة”، وهو يعتقد بأن “الحكومات تستخدم هذه الطريقة كوسيلة لتخويف الناس الذين يبحثون عن ملجأٍ في أراضيها”.

ويخشى المحامي أيضًا أن تُستخدَم هذه التقنيات لأغراضٍ ثانية تتعلق بمجموعات سكّانية أخرى، ويشكو من “أن طالبي وطالبات اللجوء سيُستخدمون كحيوانات تجارب لاختبار تقنيات جديدة للتفتيش والمراقبة”.

يشارك المحامي في مخاوفه مؤلفتا دراسة جمعية حقوق الحريات المذكورة، الصحفية آنّا بيسَلّي والحقوقية ليا بيكمان؛ فقد كتبتا في الخاتمة: “إن سلوك دائرة الهجرة واللاجئين يُطابق توجّهًا على المستويين الوطني والدولي لتجريب تقنيات جديدة للتفتيش والمراقبة، وذلك باستخدام اللاجئين”، وجاء في خلاصتهما: “بالإضافة إلى ذلك، فإن توسيع مجال هذه التقنيات لتشمل أغراضًا ثانية وأجزاء أخرى من السكان يبقى تهديدًا” قائما. (swissinfo)

 

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها