ألمانيا : شائعات حول موضوع ” الوفيات بعد تلقي لقاح كورونا ” تثير جدلاً واسعاً .. و علماء يوضحون الحقيقة

في حوار مع موقع “ويب.دي.إي. ماغازين” الألماني، أوضح البروفيسور كارستن واتزل، الخبير في علم الأحياء والأستاذ في جامعة هايدلبيرغ، أن الحمض النووي للخلايا لا يتغير بأخذ اللقاحات التي تستعمل تكنولوجيا “إم.إير.ن.أ” (mRNA)، فالأخيرة ليست إلا أداة يتم استخدامها لإنتاج البروتينات، وفي حالة كورونا، فالأمر يتعلق بالبروتين الشائك للفيروس الذي يتفاعل معه نظام المناعة عند الإنسان، لكنه يبقى خارج نواة الخلية التي تظل تعمل بنفس الطريقة تمامًا كالعادة.

واعتبر البروفيسور أنه من أجل تغيير نواة الخلية، يجب على “mRNA” أولاً أن تترجم وراثياً وتعود إلى نواة الخلية والاندماج في الجينوم هناك، لكن هذا لا يحدث أبدا.

ومنصات التواصل الاجتماعي دأبت على نقل أخبار غير دقيقة بشأن وفيات أشخاص بعد تلقيهم اللقاح، والأخبار، حتى وإن صحت أحياناً، تكون في الغالب غير كاملة ومفصولة عن سياقها وخلفياتها.

وتصاعد قلق الرأي العام الأوروبي والألماني بالتحديد في الأسابيع القليلة الماضية بسبب الارتفاع القياسي للإصابات اليومية، فيما بات يسمى بالموجة الرابعة.

وبهذا الصدد، أكد المدير الإقليمي لمنطقة أوروبا في منظمة الصحة العالمية، هانس كلوغه، أنه “أصبحنا مجدداً مركزاً للجائحة”، مشيراً إلى أن “الوتيرة الحالية لانتقال العدوى في الدول الثلاث والخمسين في منطقة أوروبا مقلق جداً، وإذا بقينا على المسار نفسه، قد تسجل نصف مليون وفاة إضافية جراء كوفيد-19 في المنطقة بحلول شباط”.

والمنظمة عزت ارتفاع الإصابات إلى تغطية لقاحية غير كافية وتخفيف إجراءات مكافحة الجائحة.

وأضاف كلوغه: “تظهر توقعات موثوقة أنه إذا توصلنا إلى نسبة 95% في استخدام الكمامات في أوروبا وآسيا الوسطى، يمكننا إنقاذ 188 ألف شخص من بين نصف مليون قد تصل الى الوفاة بحلول شباط 2022”.

ومن جهته، أكد هيلغه براون، رئيس مكتب المستشارة المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل، في تصريح لشبكة “تسيت.دي.إف” التلفزيونية العامة الألمانية: “الوضع خطير”، مضيفاً: “نحن نلاحظ عبئاً هائلاً (في المستشفيات) في تورينغن وساكسونيا”، وهما ولايتان متضررتان جداً، فيما أكدت ميركل نفسها أنها “قلقة جداً” بشأن تطور الوباء، معربةً عن “حزنها الشديد” للعدد الكبير من الأشخاص الذين يبلغون أكثر من 60 عاماً ولم يتلقوا اللقاح، وأسفت لرؤية “بعض الاستهتار”.

ويصح المثل الشعبي الدارج “حاميها حراميها” على طبيبة ألمانية اسمها هايدي غولدنلر، التي أثارت الرعب في عيادتها، بزعمها أن مخاطر الموت كبيرة بعد التلقيح ضد كورونا.

وفي إعلان وضعته في مدخل عيادتها، بررت الطبيبة عدم تقديمها لخدمات التلقيح بعواقب مزعومة، وكتبت أن هناك ما بين أربعين وخمسين شخصاً ماتوا جراء تلقيهم التلقيح في محيطها، وفق ما كشفه موقع “ميتل هيسن” الإخباري.

ومن جهتها، حاولت شبكة “إر.تي.إل” الإعلامية الألمانية (17 تشرين الثاني) ربط الاتصال بالطبيبة المعنية للكشف عن المصادر التي اعتمدت عليها في ادعائها، غير أنها فشلت في ذلك.

والصياغة الدقيقة لإعلان للطبيبة، جاءت كما يلي: “أعزائي المرضى، بسبب الاستفسارات المتكررة، ونظراً للعدد الكبير وغير غير المتناسب للآثار الجانبية الخطيرة، بل وفي بعض الأحيان الموت، إذ سجلت أكثر من 40 حالة وفاة أو على الأرجح 50 حالة، في علاقة مع تلقي لقاح كوفيد 19 في المحيط القريب، وعلى هذا الأساس، لن أقدم خدمات تلقيح في عيادتي”.

ولكن ما مدى صحة موقف الطبيبة؟

معهد “بول إيرليخ” الألماني مكلف بالتحقق المستمر والمتواصل في سلامة اللقاحات وجودتها، وفي الفترة بين 27 كانون الأول 2020 و30 أيلول 2021، سجل المعهد ما مجموعه 172.188 حالة من أشخاص تلقوا لقاحات في ألمانيا، وعانوا من آثار جانبية مشتبه بها.

والمعهد سجل وفاة 1.254 شخصًا، غير أنه لم يؤكد وجود “علاقة سببية” بين الموت والتطعيم، إلا لتطعيم في 48 حالة فقط، وخلال تلك الفترة والتي تم فيها تقديم 107.888.714 لقاح في مجموع ألمانيا، ما يعني أن الرقم الذي قدمته الطبيبة صحيح، لكنه يخص كل ألمانيا وليس مرضى الطبيبة أو من دوائر أصدقائها ومعارفها.

وبهذا الصدد، انتقد كارل روت، المتحدث الصحفي باسم جمعية أطباء التأمين الصحي في ولاية هيسن، قرار الطبيبة والإعلان الذي نشرته في عيادتها، بالقول: “نحن نعتبر تصريحات الطبيبة زائفة”.

وتسببت وفاة طفل يبلغ من العمر 12 عامًا في بلدة كوكسهافن (شمال ألمانيا)، بعد وقت قصير من تلقيحه ضد كورونا، حالةً من الذعر، وأثارت الجدل حول نجاعة تلقيح الأطفال ضد الفيروس.

وبعد ذلك، قام خبراء بتشريح الجثة وكشفوا أن الطفل كان يعاني من أمراض سابقة خطيرة، ولم يتمكن الأطباء الشرعيون من العثور على صلة مباشرة بين الوفاة والتطعيم، لكنهم اعتقدوا أن ذلك مرجح.

وأثارت القضية جدلاً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي، وأكد التقرير النهائي أن التطعيم ليس السبب الوحيد لوفاة الطفل، إذ كان يعاني من “مرض قلبي خطير بشكل خاص ومستقل عن اللقاح”.

ومعهد “بول إيرليخ” أوضح من جهته، في تصريح لموقع “ميركور” الألماني (17 تشرين الثاني)، مدى خطورة اللقاح من عدمه بالنسبة للأطفال بشكل عام.

يذكر أن حالات الوافيات المبلغ عنها بشأن الأطفال والمراهقين بعد تلقي التطعيم ضد كورونا نادرة جدا.

ومعهد “بول إيرليخ” رصد خمس حالات مشتبه بها لدى أطفال أو مراهقين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا، لها علاقة بتلقيح “بايونتيك / فايزر” إلى غاية نهاية أيلول 2021.

وأكد المعهد أن ثلاثة من المراهقين المعنيين كانوا يعانون من أمراض خطيرة في السابق.

ووفقًا البيانات المتوفرة حالياً، لا توجد هناك اختلافات كبيرة بشأن الآثار الجانبية للقاح لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا وتلك الخاصة بالراشدين، وفقًا لمعهد “بول إيرليخ”.

وهناك حاليًا أخبار تتداولها منصات التواصل الاجتماعي (أنظر التغريدة أسفله)، قام بمشاركتها عالم الفيروسات الألماني الشهير كريستيان دروستن من مستشفى “برلين شاريتي” على “تويتر”، علق عليها كالتالي: “هذا مثير للإعجاب للغاية”، واستطرد دروستن: “أولئك الذين يتلقون هذه الرسالة ربما لا يعرفون أي شيء عن الآثار الجانبية وعواقب الدواء في أسفل يسار ويمين الصورة”.

ويتعلق الأمر بالكمية الكبيرة من الأدوية التي يحتاجها كل مريض من مرضى كوفيد 19 في أقسام العناية المركزة، ووضعية يمكن تفاديها بالتلقيح.

والصورة نشرها في الأصل الدكتور ديفيد فروسيستر، الذي يعمل في وحدة العناية المركزة في مستشفى غلوسيسترشاير الملكي في المملكة المتحدة، وتظهر كميات من الأدوية المخدرة، وكتب أن هذه هي الكمية الضرورية لعلاج مريض بكورونا ليوم واحد في وحدة العناية المركزة.

وأظهر استطلاع لمعهد “كوسمو”، نشره موقع الشبكة الإعلامية الألمانية “إر.إن.دي” (السابع من تشرين الثاني)، أن الشخاص الرافضين للتطعيم غالبًا ما لا يثقون في سلامة التلقيح ويخافون الآثار الجانبية.

ويذكر أن ما لا يقل عن 33% من الألمان لم يتم تلقيحهم بعد.

وبهذا الصدد، أوضح كليمنس فيندتنر، كبير الأطباء في عيادة الأمراض المعدية في مستشفى “شفابينغ” في ميونيخ: “لا يمكن علاج كورونا بالأدوية”، موضحاً أن الخيارات العلاجية ما تزال ضعيفة، وأكد في حوار مع نفس الشبكة: “سيكون الأمر مغالطة الاعتقاد بأنه لا توجد حاجة للتلقيح، لأن الأدوية الفعالة والجيدة ستظل متاحة في حالات الطوارئ”.

وكشف المكتب المحلي للشؤون الصحية والغذائية بولاية بافاريا الألمانية عن رقماً مقلقاً لعدد المطعمين بشكل كامل ضد فيروس كورونا المستجد في بافاريا بين الوفيات التي تزداد سريعاً في الولاية.

وبحسب بيانات المكتب، تبلغ نسبة هؤلاء الأشخاص 30% تقريباً بين جميع الوفيات في الولاية في الفترة بين الرابع و31 من تشرين الأول 2021).

وذكر المكتب، الذي يتخذ من مدينة إرلانغن مقراً له، (الأحد 14 تشرين الثاني) أن 108 شخصاً من إجمالي 372 متوفياً في هذه الفترة كانوا قد تلقوا جرعتي لقاح كورونا، أي تلقوا التطعيم بشكل كامل، كما أوضح المكتب أن نسبة الوفيات بين المطعمين تراجعت قليلاً في الأسبوع الأول من تشرين الثاني الجاري، وبلغت 26% تقريبًا، حيث بلغ عدد المتوفين المطعمين بشكل كامل 23 شخصاً بين 88 حالة وفاة في تلك الفترة، غير أن التدقيق في الفئة العمرية من المتوفين يعطي لهذه الأرقام معنى آخر.

يذكر أن المستشفيات بالولاية سجلت خلال الأسابيع الماضية أيضاً تزايداً في عدد مرضى الرعاية المركزة من المطعمين بشكل كامل.

وأكد مكتب الشؤون الصحية والغذائية بالولاية أنه يجب تحليل الأعداد بحذر، موضحاً أنه يندرج ضمن وفيات كورونا كل من يصاب بالفيروس، ولكن لا يعني ذلك أن كورونا هي سبب الوفاة.

يشار إلى أن أغلب وفيات كورونا هم أشخاص تزيد أعمارهم على 80 عاماً، أي أن كثيراً منهم يعانون من أمراض أخرى.

وأشار المكتب أيضاً إلى أن كبار السن بصفة خاصة كانوا من أوائل من حصلوا على التطعيم في ألمانيا، وبذلك يزداد لديهم خطر تراجع التحصين المناعي ضد الفيروس، وأكد المكتب أن هذا الأمر يوضح الأهمية الخاصة للجرعات التعزيزية من اللقاح.

وبعد تفشي الموجة الرابعة من كورونا بشكل مقلق، تجدد الجدل في ألمانيا بعد امتلاء وحدات العناية المركزة بمرضى، غالبيتهم من غير الملقحين، ولذلك، بات الخبراء والقادة السياسيون يتحدثون عن “جائحة غير الملقحين”.

وهناك إجماع العديد من الخبراء وأطباء العناية المركزة، وكذلك معهد “روبرت كوخ” (RKI) الألماني، على شيء واحد، هو أن التطعيم ضد كورونا يحمي بشكل فعال من الأمراض الشديدة أو الموت، وحتى في حالة الإصابة بالفيروس، فإن احتمال تطور أعراض شديدة قليلة جدا.

وبهذا الشأن، اعتبر غيرهارد كراوس، خبير الفيروسات، أنه “كان من الممكن منع العديد من الوفيات لو تم تطعيم المجموعات المستهدفة في وقت مبكر وبشكل كامل”.

وخبير الفيروسات في مدينة بون، هندريك ستريك، أوضح أنه “في هذا الخريف أو الشتاء، من الوهم الاعتقاد بأن الشخص الذي تم تطعيمه لا يمكن أن يصاب بالعدوى ولا يمكنه نقل الفيروس إلى جدته، التي ربما لم تتلق لقاحًا معززًا بعد”.

وحتى لو بدا الأمر هكذا في البداية، فإن مصطلح “جائحة غير الملقحين” لم يكن دقيقاً أبداً على حد تعبيره، فكل الناس جزء من هذا الوباء، كما قال عالم الفيروسات كريستيان دروستن لصحيفة “دي تسايت”، معرباً عن اعتقاده بأنه من الخطأ الحديث حاليًا عن “جائحة غير المُلقحين”، وأضاف: “لدينا جائحة يساهم فيه الجميع، بما في ذلك أولئك الذين تم تطعيمهم، وإن كان أقل بقليل”، و”لسوء الحظ، فإن سلالة دلتا لها خاصية الانتشار السريع على الرغم من التطعيم”.

وهناك فئة غير المطعمين الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا وأكثر، لديهم مخاطر أعلى بثلاث إلى أربع مرات من حيث احتمالية الإصابة بفيروس كوفيد، بأعراض مثل أولئك الذين تم تطعيمهم في هذا العمر، ومخاطر إصابة غير المطعمين في هذا العمر أعلى بسبع مرات.

وفي ضوء الزيادة الإجمالية في عدد الإصابات، يدعو الخبراء إلى التطعيمات المعززة وسد فجوات التطعيم، خاصةً لكبار السن، من أجل كسر الموجة الرابعة، ولكن يجب أيضًا على الأشخاص الملقحين بالكامل أن يكونوا مستعدين لمزيد من قواعد التباعد الاجتماعي مرةً أخرى. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها