دويتشه فيله : هل فشلت ألمانيا في محاربة المخدرات خلال الجائحة ؟

في إشارة يرى فيها البعض فشلاً في جهود محاربتها، ارتفعت معدلات الوفاة جراء تعاطي المخدرات في ألمانيا خلال جائحة كورونا، وتزامن هذا مع نقص الخدمات الأساسية لمدمني المخدرات سواء الطبية أو الاجتماعية بسبب أزمة نقص التمويل.

دخلت الموجة الرابعة من جائحة كورونا إلى ألمانيا، مع بلوغ معدل الإصابة مستويات قياسية بشكل يومي، فيما ارتفع معدل الوفيات جراء الجائحة بنسبة بلغت 13% في عام 2020.

وقد أثقلت جائحة كورونا كاهل العاملين في القطاع الصحي وكذلك مرافق الصحة والخدمات العامة، مما أثر سلباً على حياة متعاطي المخدرات، وأيضاً جهود مراكز التعافي والأشخاص الذين يرغبون في مساعدتهم، إذ أصبح الأمر في غاية الصعوبة، مقارنةً بأي وقت مضى.

وعلى إثر ذلك، يتجه أكبر مركز في البلاد للتعافي من إدمان المخدرات ولتبديل الإبر التي يستخدمها مدمنو المخدرات لتفادي انتشار الأمراض بسبب استخدام أكثر من شخص للإبرة نفسها، إلى الإغلاق.

وفي ذلك، أشار أورس كوتنر، مدير منظمة “فرايراوم هامبورغ”، التي تدير مركزاً كبيراً للتعافي ولتبادل الأبر منذ عام 1993 بتمويل من وزارة الصحة الألمانية، إلى أن المنظمة تعتمد بشكل كبير على التبرعات لتقديم وجبات غذائية خلال ساعات العمل ومساعدة الحالات الفردية التي لا تحصل على أموال حكومية.

وأضاف: “كانت بداية الوباء مروعة”، لذلك اضطرت المنظمة إلى تقليل الخدمات التي تقدمها بشكل كبير، وتقليل عدد الأفراد الذين يعملون لصالحها بسبب قيود جائحة كورونا، لا سيما قواعد التباعد الاجتماعي وغيرها، بيد أن الأسوأ أن المنظمة تعرضت لأزمة في نقص التمويل خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية إذ كانت المساعدة المالية التي تقدمها الحكومة شبه معدومة.

ورغم ذلك، كانت هناك تبرعات مع بداية تفشي جائحة كورونا، وهو ما أشار إليه كوتنر، بقوله: “كان هناك قدر كبير من السخاء، إذ حصلنا على الكثير من التبرعات”.

وأضاف: “الحكومة تحركت ببطء شديد إذ لم تضع خططاً طويلة الأجل، لذا لم نتمكن من الاستمرار خاصة أن نقص التخطيط قد أثر سلباً بشكل كبير على قدرة المنظمة على الاستجابة لاحتياجات الناس الطبية العاجلة”.

وأشار إلى أن الحكومة استغرقت الكثير من الوقت، لكي ترسل “الإمدادات الأساسية مثل الكمامات الطبية، وعندما حصلنا عليها لم تكن جيدة، بل لم تكن صالحة للاستعمال”.

وتزامن هذا مع ظهور مشاكل مالية، خاصةً فيما يتعلق بتوفير وظائف للأشخاص الذين يعانون من متاعب تتعلق بتعاطي المخدرات، إذ أدت القيود الاقتصادية والاجتماعية خلال الجائحة إلى صعوبة الحصول على وظائف عمل بدوام جزئي يعتمد عليها الكثيرون، فقد أصبحت هذه الوظائف وفي بعض الأحيان غير قانونية أو مستحيلة مثل بيع الصحف.

وما زاد من صعوبة الأمر، وفقاً لكوتنر، هو أن العديد من “مراكز إعادة التأهيل تعرضت للإغلاق أو قللت بشكل كبير من عدد الأماكن المجانية”.

وفي سياق متصل، أشارت دراسة حكومية قام بها باحثون من جامعة فرانكفورت إلى أن هذا الوضع ساد إلى حد ما أنحاء كثيرة من البلاد، إذ كشفت أن العاملين في أحد مراكز التعافي قد وجدوا صعوبةً بالغةً في إنجاز عملهم، خاصةً ما يتعلق بتقديم المشورة والنصائح لمتعاطي المخدرات.

وقال العاملون إن عملهم خلال الجائحة كان ينم عن بعض المخاطر، إذ يتطلب عملهم في الأساس التواصل والاقتراب من المرضى مع ضرورة الالتزام بارتداء الكمامات والحفاظ على مسافة 1.5 متر من المريض.

وكذلك واجه العاملون في مراكز التعافي من المخدرات ظروف مالية صعبة، نجمت عن نقص التمويل، ما دفع الكثير منهم إلى تقليل ساعات العمل حتى باتت منحصرة في تقديم الخدمات في حالات الضرورة.

وقال الباحثون القائمون على الدراسة إن مدمني المخدرات من المشردين في الشوارع أًجبروا على الإخلاء من قبل الشرطة ودفع غرامات خلال جائحة كورونا، فيما واجهوا أيضاً نقصاً في الحصول على مساعدات اجتماعية وطبية تعد حاسمة من أجل تعافيهم من الإدمان.

وكشفت الدارسة عن زيادة حالات تناول المشروبات الكحولية مع تعاطي المخدرات التي توصف بالمخدرات القوية، مثل الهيروين والهيدروكودون والمورفين، إذ لم تنقطع سلسلة توريد مثل هذه المخدرات بالتناقض مع الانخفاض الذي طرأ على سلاسل توريد السلع الغذائية خلال جائحة كورونا.

وقد سلط كل من كوتنر وهايكه كراوس، الناطقة باسم مركز “Notdienst” للتعافي في برلين، الضوء على مشاكل أخرى أضعفت الجهود الرامية إلى محاربة تعاطي المخدرات خلال الوباء.

وفي ذلك، قالت كراوس إن أزمة العقارات قد أثرت أيضاً على الأمر إذ من المقرر أن يُغلق مقر تابع للمركز في منطقة “كروتسبيرغ” في برلين نهاية العام الجاري، بسبب رفض مؤسسة “Malteser” الخيرية الكاثوليكية تمديد عقد الإيجار.

وأضافت: “هناك مشكلة تتعلق بسوق العقارات، إذ يُسمح لشركات الاستثمار الأجنبية بشراء كل شيء، لذا فليس لدينا خيارات كثيرة سوى الحصول على أماكن في أطراف المدينة، وهو ما يمثل عبئاً على المرضى والأشخاص الذين يرغبون في أن نساعدهم”.

ويقدم مركز “Notdienst” للتعافي في برلين خدماته لمتعاطي المخدرات والأشخاص الذين هم في طريقهم لإدمان المخدرات منذ عام 1984، كما يقدم المساعدة لأسر مدمني المخدرات عبر خدمة طوارئ متوفر على الموقع الإلكتروني باللغتين الألمانية والإنجليزية أيضا.

ويدعو كل من كوتنر وكراوس إلى إلغاء تجريم تعاطي بعض المخدرات وأيضاً إلى تغيير وجهة نظر الرأي العام حيال إدمانها، باعتباره “نقيصة” يقوم بها الشخص متعمدا.

وفي هذا السياق، قال كوتنر: “نحن بحاجة إلى تغيير منهجي، فعلى سبيل المثال، مدمن الهيروين لا ينبغي أن يقبع في السجن لمجرد كونه مدمنا”.

وتتفق كراوس مع ذهب إليه كوتنر، إذ أعربت عن إحباطها من أن الكثيرين في المجتمع، خاصةً السياسيين، لا يفرقون بين إلغاء التجريم والتقنين، وأضافت كراوس أنه خلال الجائحة “تم إغلاق النوادي الليلية، مما أدى إلى انخفاض تعاطي المخدرات التي ترتبط بالحفلات، مثل عقار إكستاسي المنشط أو حبوب النشوة”، بيد أن كراوس قالت إنه في المقابل، تزايد شرب الكحوليات، بالإضافة إلى زيادة استخدام أنواع أخرى من العقاقير، مثل البنزوديازيبينات المهدئ للأعصاب الشائع الاستعمال، مضيفةً أن الأمر يحمل تناقضاً أو بعض الحماقة، إذ “يتم إدانة الذين يتعاطون العقاقير أو المخدرات في برلين، في وقت يتزايد عدد متعاطي المخدرات”، مشيرةً إلى أن الأمر “لا ينطبق على الكحوليات”.

وتضم ألمانيا العديد من المؤسسات مثل مركز “Notdienst” للتعافي في برلين، التي تستقبل مئات المرضى من مدمني المخدرات الذين يترددون على هذه المؤسسات آلاف المرات سنوياً، فهذه المؤسسات تنقذ أرواح الكثيرين من مدمني المخدرات عن طريق تبادل الإبر لتفادي انتشار الأمراض وأيضاً توفير فحوصات طبية وتوفير أماكن آمنة لتعاطي المخدرات والنوم، بيد أن أزمة نقص التمويل تهدد بنسف جهود مثل هذه المؤسسات في حماية المحتاجين.

وفي هذا الصدد، قالت كراوس إن منظمتها قد تلقت مساعدة محدودة للغاية من المسؤولين، وأضافت: “تلقينا بعض المكالمات الهاتفية، لكن بعد قيامنا بمظاهرة لإنقاذ مركز التعافي الذي نديره، ورغم ذلك، لم نحصل على أي دعم ملموس حتى الآن”.

ودعت كراوس الحكومة إلى تقديم الدعم لمثل هذه المؤسسات، وهو الأمر الذي شدد كوتنر على ضرورة الاستجابة له، خاصةً في ظل نقص التمويل، بقوله: “يتعين علينا دائماً البحث عن طريق لتأمين تمويلنا وهذا ليس بالأمر الجيد”.

إليزابيث شوماخر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها