ميركل .. من خلف ” الستار الحديدي ” لقمة هرم ألمانيا
هي بضعة أيام قليلة فصلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن تحطيم الرقم القياسي لسنوات حكم المستشار الألماني ومهندس توحيد الألمانيتين الغربية والشرقية، هلموت كول، الممتدة من العام 1982 ولغاية العام 1998، والذي لطالما اعتبرته ميركل معلماً ومثالاً لها.
ميركل، التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه كأول سيدة تقود ألمانيا الحديثة، والتي حكمت البلاد على مدى 4 دورات انتخابية متتالية منذ العام 2005 ولغاية العام 2021، ما يعكس بحسب المعلقين السياسيين حنكة فائقة تميزت بها المستشارة الألمانية، التي عاصرت عشرات رؤساء الحكومات والجمهوريات الأميركيين والأوروبيين والغربيين، الذين ذهبوا وبقيت هي الرقم الصعب أوروبياً ودوليا.
والمستشارة، التي ترعرعت في كنف النظام الشيوعي في الشطر الشرقي من ألمانيا، والمولودة في عام 1954، صعد نجمها السياسي رويداً رويداً مع سقوط جدار برلين وانهيار الستار الحديدي مع توحيد شطري ألمانيا، ولتتدرج من تولي المناصب الوزارية خلال عهد مستشارية هيلموت كول، إلى الظفر برئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، من يمين الوسط، ولتنجح بعد ذلك بسنوات قليلة مرشحة عنه في الوصول لمنصب مستشارية ألمانيا، ممسكةً بزمامها على مدى أكثر من عقد ونيف.
وتعليقاً على تجربة ميركل المديدة، بما لها وما عليها، يقول الصحفي والباحث المختص في الشؤون الألمانية، ماهر الحمداني، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”: ”بلا شك، المستشارة ميركل مثلت علامةً فارقةً في عوالم السياسة الأوروبية عامةً، وربما العالمية، خلال سنوات حكمها الطويلة والحافلة، وكان لها إنجازات مشهودة تحسب لها، أهمها وأكبرها إنقاذ ألمانيا من الانهيار الاقتصادي الكبير في العام 2008، حيث كانت خطتها الاقتصادية ذكيةً جداً، مكنت البلاد من تجاوز الأزمة الحادة تلك، بل وتمكن الاقتصاد الألماني بعد ذلك من التعافي والمحافظة على نسبة نمو ثابتة ومستمرة، رغم التحديات الصعبة مثل أزمة الديون اليونانية ومشاكل موجات اللجوء المتصاعدة، وصعود اليمين المتطرف في عموم القارة الأوروبية، كتحد كبير جداً لمنظومة القيم في أوروبا، وهي تمكنت من لجم ذلك الصعود اليميني في ألمانيا، في وقت تمكن خلاله ذلك اليمين المتطرف من الوصول حتى لسدة الحكم في عدد من بلدان أوروبا والسيطرة على برلماناتها”.
وفي المقابل، فإن النقاد والساسة الألمان بصورة عامة، لديهم الكثير من الانتقادات الجدية لسياسات ميركل، كما يشرح الحمداني، بالقول: “أهمها عدم التوازن في توزيع الثروة بين غرب ألمانيا وشرقها، وهو ما عد من أهم مسببات صعود اليمين المتطرف، خاصةً في شرق ألمانيا، حتى أن ثمة من يعتبرها في هذا السياق، مسؤولةً لحد بعيد عن صعود ذلك اليمين المتطرف، والذي ينتشر خاصة في المناطق الشرقية من البلاد، بسبب نسب البطالة المرتفعة وقلة فرص العمل، وضعف الاستثمارات وغير ذلك من عوامل، ما عمق تالياً من الفجوة بين الشرق والغرب الألمانيين”.
ويمضي الباحث المختص في الشؤون الألمانية، قائلاً: “فضلاً عن الفجوة المتسعة بين الأغنياء جداً والفقراء، حيث لم تعمل ميركل على تقليصها رغم سنوات حكمها الطويلة، كما أن ثمة ملاحظات نقدية جدية على تجربتها، مثلاً في ملف المساواة بين الرجل والمرأة، فرغم أن ألمانيا من بين أفضل دول العالم تحقيقاً وضماناً للمساواة بين الجنسين، لكن على المستوى الألماني العام خلال عهد ميركل، لم تكن توجد سوى مدير عام واحدة في مدينة ميونيخ لمؤسسة ألمانية ضخمة، ولهذا ثمة انتقادات كبيرة لها في موضوعة تمكين النساء وتوسيع نطاق مشاركتهن السياسية والإدارية، رغم كونها امرأة”.
ليس هذا وحسب، فبرامج التعليم في عهدها وعدم توافقها مع المعايير العالمية الحديثة المتبعة في الجامعات حول العالم، كانت محط انتقادات واسعة، كما يوضح الباحث الخبير في الشؤون الألمانية، مضيفاً: “حيث ما زالت معادلة الشهادات وتقييمها عقبة كأداء أمام غير الألمان، فضلاً عن عدم فتح السوق بمعنى أن ألمانيا لم تتحول بعد لدولة جاذبة للهجرة المحترفة، فهذه كلها مشكلات جوهرية تتحملها ميركل، لكن رغم كل ذلك فحتى أشد خصومها والمختلفون معها يجمعون على احترام المستشارة الألمانية السابقة والإشادة بقوة مراسها، التي أدارت البلد باقتدار وأنقذتها من أزمات معقدة وموجات عاتية، وسط عواصف أوروبية ودولية مدمرة”.
لكن ماذا عن دورها وبصماتها على الصعيد الأوروبي العام؟، يرد الحمداني: “على مستوى الاتحاد الأوروبي كانت ميركل نقطة ارتكاز قوية جداً، يعتمد عليها المؤمنون بالقيم الأوروبية في مواجهة قوى اليمين المتطرف، فمثلاً كانت هي الوحيدة القادرة على التفاوض مع الرئيس الهنغاري أوربان الذي يوصف هنا بالعنيد والديكتاتور الأوروبي، فضلاً عن أنه كانت هناك مشاكل وجودية عصفت بالاتحاد الأوروبي، وتمكنت ميركل من إنقاذه منها، فعلى سبيل المثال، تمكنت من منع تفكك الاتحاد خلال أزمة “بريكست”، التي أدت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما جعلها تحظى دوماً بثقل وتأثير كبيرين في مختلف المحافل والأوساط الأوروبية الاتحادية، وما زالت حتى بعد خروجها من منصبها”.
هذا وقد خلف أنغيلا ميركل، في منصبها، أولاف شولتس، نائبها ووزير المالية الألماني في حكومة ميركل الرابعة المنقضية، عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي المؤتلف فيها مع حزب ميركل، الديمقراطي المسيحي، والذي بات بذلك رابع مستشار لألمانيا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بعد كل من فيلي برانت وهيلموت شميت وغيرهارد شرودر، بعد فترة استحواذ طويلة على منصب مستشار ألمانيا من قبل منافسه التقليدي، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. (SKYNEWS)[ads3]