دراسة : جنون العظمة ينتشر عند الذين يعانون نقصاً بشخصياتهم
يحاول مريض البارانويا أن يقنع نفسه ومن حوله بأنه يمتلك مواهب متميّزة، منها أنه يمتلك عقلاً ذكياً أو صوتاً عذباً، ويوهم الآخرين بأنه يحوز أموالاً طائلة وأنه شخص ذو نفوذ وله علاقات مهمة مع شخصيات قيادية قد لا يكون لها أي وجود على الأرض، فيما يتمتع المريض بجنون العظمة بقدرة على الإقناع ويبدو كلامه منطقياً.
فالبارانويا عبارة عن اعتقاد جازم بفكرة خاطئة يملك المصاب بها جهازاً معقّداً وتفصيلياً يتمركز حول أوهام واقعية، هذه الأوهام تقنعه بأنه مضطهد من قبل الآخرين، وبأن السبب الرئيسي لاضطهاده من قبلهم هو لكونه شخصاً عظيماً ومهماً للغاية.
وتوصّلت دراسة بريطانية إلى أن من يتعرّضون لمواقف اجتماعية مخجلة ناجمة عن نقص في شخصيتهم أو مظهرهم أكثر عرضة للإصابة بجنون العظمة وعقدة النقص، فيما أشار علماء إلى أن جعل الإنسان يشعر بأنه قصير القامة افتراضياً ينقل له شعوراً سيئاً عن نفسه وخوفاً من أن الآخرين يريدون إيذاءه، كما أوضح باحثون أن عدم تقدير الشخص لنفسه يمكن أن يؤدي إلى تفكير يتسم بجنون العظمة.
وتمتلك شخصية جنون العظمة قدرة عالية على إزعاج أو إغضاب الآخرين، بسبب التصرّفات غير المرنة والجامدة، التي تعاني صعوبة في التأقلم مع محيطها، كما أن مريض البارانويا يكون دائماً في موقف دفاعي رداً على انتقادات محتملة، ودائماً ما يكون مشغولاً بخفاياً البشر ونواياهم، كما أنه عنيد ويشعر بالاعتزاز غير المبرر والمبالغ فيه لنفسه ، وفق ما افادت الخليج أونلاين.
ومن العوامل المساعدة على الإصابة بهذا المرض، أن يصاب المرء بصدمة ما كنتيجة امتحان أو أن زوجته تركته أو محبوبته خانته، يتعرّض إليها الشخص فيصاب باهتزاز عميق ينجم عنه الإحباط فيهرب إلى البارانويا، وينتج المرض أيضاً عن الفشل، إذ إن بعض الناس لا يتحملون الخطأ وأن الصواب حليفهم الدائم، وحين يقعون في الخطأ يصرون عليه ويحاولون مع ذلك إيجاد مخرج، هذا بجانب تعلّم بعض العادات السلوكية الخاطئة، مثل عدم الاعتذار والتعوّد على الخطأ والإصرار عليه، أو الاستهزاء بالآخرين والانتقاد الدائم لهم، وبشكل عام فإن اضطراب الحياة الأسرية وسوء عملية التنشئة الاجتماعية، يشكّلان بيئة خصبة لنشأة مثل هذا المرض.
وقد يتقمّص الطفل أثناء طفولته أو من خلال مراحل بلوغه شخصية أبويه أو أحد أفراد عائلته ممن يشكون من حالة وهم العظمة، أو قد يتقمّص شخصية ذات مميزات يتأثّر بها وبسلوكياتها كشخصية سياسي كبير، أو قائد بارز أو ممثل أو مطرب مشهور، ما يخلق الصراع النفسي بين تحقيق الفرد لرغباته وبين خوفه من الفشل في إشباعها، كذلك فإن التفوق الكبير قد يكون سبباً في الإصابة بجنون العظمة.
وينقسم علاج هذا المرض النفسي إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي العلاج النفسي، لكون جنون العظمة في النهاية مرضاً نفسياً وليس عضوياً، ومن ثم فإن العلاج النفسي دائماً يبقى الأفضل، والمرحلة الثانية هي الأدوية، إذ تستخدم المهدئات في علاج البارانويا والصدمات الكهربائية، كما تستخدم بعض وصفات الأنسولين المعدل.
وتكمن صعوبة هذه الطريقة في أن مريض البارانويا لا يعترف بأنه مريض ويرفض تناول العلاج، أما المرحلة الثالثة فهي المساعدة الذاتية، وتعتبر نقطة البداية والنهاية في علاج أيّ مرض، فإذا لم يؤمن صاحب المرض بأنه مريض وعليه أن يتعالج ليتخلّص من هذا المرض فلن يشفى منه.
وتعتمد هذه الطريقة على تعلّم المريض أساليب التوافق مع المجتمع، مع عدم القيام بسلوكيات تتعارض مع قيم ومعايير المجتمع حتى لا يزيد التوتر مع الآخرين، وتحتاج هذه المرحلة تقديراً وتشجيعاً من المجتمع للمرء حتى الشفاء والوصول إلى بر الأمان.
ويقول د.خليل فاضل، استشاري الطب النفسي وزميل الأكاديمية الأمريكية للسيكوسوماتيك: إن “مريض البارانويا يعيش حالة من وهم الاعتقاد تجعله يرى نفسه في مستوى أعلى وأرقى ممن حوله”، موضحاً أن “هذا المرض يرتكز على جانبين، الأول مشاعر العظمة، فهو يستخف بالناس ويحقّر من شأنهم، والثاني مشاعر الاضطهاد، التي تسبّب للمريض الهذيان والشعور بالدونية فيعالجها بهذا الأسلوب”.
ويشير د.خليل إلى أنه من أعراض الإصابة بمرض جنون العظمة، ما يعرف بالريبة الشديدة وغير المنطقية، أو الاشتباه والشك فيما حوله، انطلاقاً من أنه أفضل من الآخرين، وبذلك تدور حوله مشاعر سلبية تتمحور في الشعور بالغضب والكراهية والخيانة، بالإضافة إلى وجود أوهام لدى المريض لمدة طويلة، وهو ما يجعل لهذا المرض مضاعفات خطيرة إذا لم يعالج في بدايته، في حين تقول د. رضوى إبراهيم، أستاذة علم النفس بالجامعة الأمريكية في القاهرة: إنه حتى الآن لم يتوصّل العلم لسبب ما ينتج عنه الإصابة بجنون العظمة.[ads3]