دويشته فيله : إجراءات جديدة .. هل تنجح ألمانيا في مكافحة جرائم الكراهية في الإنترنت ؟
من عادة “ريغينا ناغيل” أن تكون حذرةً لدى استخدامها شبكة الإنترنت، فمشاركاتها وتعليقاتها محدودة، وتكتفي في الغالب بمتابعة الأصدقاء في “فيسبوك”، بيد أنها وبالرغم من حذرها اصطدمت في أيلول بتعليق ينضح بالكراهية لأحد منشوراتها على “فيسبوك”، كان قد شاركه أحد الأصدقاء.
وناغل هي مقررة بإحدى الجمعيات الكنسية ومشاركة فيما يعرف بـ”مسار المجمع الكنائسي” (Synodalen Weg)، وهو عبارة عن سلسلة من المؤتمرات للكنيسة الكاثوليكية، وتشكل هذا المسار لمناقشة مجموعة من القضايا، منها مزاعم الانتهاكات الجنسية داخل الكنائس.
التعليق الذي ينضح بالكراهية، نشره متابع كاثوليكي يميني باسمه الحقيقي، يعرب فيه عن احتقاره للنساء العاملات في الخدمة الكنسية، ويحط من قدر ريغينا ناغل شخصياً،ى وفي منشور لاحق، يؤكد هذا المتابع مرةً أخرى على احتقاره للنساء بشكل عام، وبالرغم من أسلوب الكتابة “المهين”، إلا أنه لم يؤثر على نفسية ناغل، كما تقول.
وتوضح ناغل أن “المنشور لم يذهب إلى حد التهديد، كما يتعرض له بعض السياسيين”، وبالرغم من أن صديقتين لناغل قامتا بعمل “إبلاغ” عن هذا المنشور لدى إدارة “فيسبوك”، لم يحدث شيء، وبقي النص مرئياً للجميع.
وشبكات التواصل الاجتماعي تزدحم بحالات كهذه في زمن الوباء، وأيضًا فيما قبل ذلك، فما زالت التعليقات جارحة وتتأثر النساء على وجه الخصوص بهذا الأمر، لا سيما من يتصدرن المشهد الإعلامي، وهذا هو السبب في أن الشبكات الاجتماعية الرئيسية، مثل “فيسبوك” أو “يوتيوب”، في ألمانيا ستضطر الآن إلى التعامل بحساسية أكبر مع هذا الموضوع وستكون ملزمة بحذف تعليقات الكراهية، فاعتباراً من أول شباط 2022، سيصبح الوضع القانوني أكثر صرامة، فالشبكات المجتمعية والتي يزيد عدد مستخدميها عن مليوني مستخدم لن تضطر فقط إلى حذف المحتوى الإجرامي المنشور لديها، بل يجب عليها أيضاً الإبلاغ عن المحتوى وعنوان “IP” الخاص بالناشر إلى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية (BKA)، ومن المقرر أن يتعامل مع هذه التقارير “المكتب المركزي للإبلاغ عن المحتوى الإجرامي على شبكة الإنترنت “ZMI”، الذي تم انشاؤه ضمن مكتب الشرطة الجنائية.
واعتباراً من أول شباط، من المفروض أن يكون هناك 200 شرطي متخصص ينشطون لمكافحة جرائم الكراهية في ألمانيا.
والكلمات المهينة التي تعرضت لها ريغينا ناغل لن تكون مستهدفةً بالدرجة الأولى، بل سيتابع المكتب المتخصص التهديدات الخطيرة ودعوات الفتنة، بحسب جوزيفينه بالون، كبيرة المحامين في منظمة “HateAid”، التي تهتم بضحايا جرائم الكراهية على الإنترنت، وتوضح: “بالنسبة لجرائم الإهانة، على سبيل المثال، لن يؤدي ذلك إلى أية تحسينات.. في الوقت الحالي، تم تصميم القانون بطريقة تعتمد على إرادة الضحية في حالة وجود إهانات، بحيث يقرر إن كانت ترغب في الملاحقة القضائية أم لا”، أما في الحالات الأخرى، مثل التحريض وإثارة الفتنة والتهديد بالقتل، فستكون الشبكات الاجتماعية وليس المستخدمين من لهم الحق في تقديم شكوى للشرطة الجنائية، حيث سيتم التركيز في المقام الأول على المحتوى الإجرامي: على سبيل المثال، التحريض على الكراهية والتصريحات المعادية للسامية والتصريحات العنصرية والتهديدات بالقتل ومشاركة الرموز غير الدستورية.
ومن حيث المبدأ، تعتقد بالون أن “الفكرة الأساسية وراء ذلك هي تسريع تقديم بلاغات من أجل التوصل إلى مزيد من الملاحقة القضائية”، وهو ما يعتبر موضوع مرحب به من قبل المنظمة.
ويهدف المكتب المركزي الجديد للهيئة إلى تجميع العمل الذي تقوم به بالفعل مكاتب المدعي العام بشكل فردي في الولايات الألمانية المختلفة، وقبل كل شيء، يجب أن يكون المركز قادراً على الاستعلام عن “IP” الخاص بالمستخدم، وهو أمر هام لأنه يتم تخزين هذه البيانات لبضعة أيام فقط في ألمانيا.
والمشكلة أنه يلزم على شبكات التواصل الاجتماعي أن تقرر بنفسها أولاً ما إذا كان هناك محتوى إجرامي من عدمه، ومن ثم إبلاغ مكتب الشرطة الجنائية، الذي يفحص الطلب ويقرر ما إذا كان هناك سبب للتحقيق الجنائي أم لا، عندها فقط تبدأ الشرطة عملها، وحتى الآن، كان من غير المألوف إلى حد ما أن تقرر سلطة الشرطة بمفردها ما إذا كانت ستحقق أم لا، بل كان يتم النظر وفق المدعي العام، كما هو مخطط الآن في مكتب الإبلاغ.
ولهذا السبب ولأسباب أخرى، رفع “فيسبوك” و”غوغل” دعوى قضائيةً من أجل عدم الاجبار على إبلاغ الشرطة الجنائية.
وتجد بالون أن مكتب الشرطة الجنائية الجديد يمكن أن يصبح “أخطبوط بيانات”، بمعنى أن “عدداً مجنوناً” من التقارير سيتم تلقيه فعلياً دون محكمة أو مراقبة مكتب المدعي العام، الذي ينظر في الأمر، ويقرر فيما إذا كان هذا حتى الآن يمثل جريمة جنائية أم لا؟.
وفيما يتعلق بالمنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ليست واضحة، يمكن أن يكون هذا معضلة، بحسب ما تحذر بالون، وتوضح مخاوفها فيما يتعلق بالرموز المناهضة للدستور: “من المهم أيضًا التمييز: هل هو صليب معقوف، تم نشره هنا نابع من موقف متطرف يميني وهو في الواقع جريمة، أم أنه ربما صليب معقوف يتعلق بمهمة تعليمية أو فنية؟.. في أسوأ الحالات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى منع الفنانين والناشطين من النشر، في حين من الممكن لآخرين متطرفين النشر بحرية في حالة كان عنوانهم الالكتروني غير مسجل”.
ووفقاً لسؤال وجهته شبكة “DW” الإعلامية، تحاول الشرطة الجنائية الاتحادية (BKA) تبديد هذه المخاوف، وبناء على ذلك، فإن من مهام ضباط الشرطة في مكتب الإبلاغ عن المحتوى الإجرامي في الإنترنت (ZMI) “التحقق من المسؤولية الجنائية للتقارير الواردة، وبشكل عام، تضمن العملية التي تم تطويرها وجود تبادل مكثف مع القضاء في جميع مراحل فحص ومعالجة التقارير، على سبيل المثال تعمل الشرطة الجنائية الاتحادية جنبًا إلى جنب مع نقطة الاتصال المركزية للجرائم الإلكترونية (ZAC) بولاية شمال الراين فيستفاليا، الموجودة في مكتب المدعي العام في كولونيا”، فالتقارير “التي ليس لها صلة جنائية سيتم إيقافها من قبل القضاء بعد الفحص المناسب، وسيتم على الفور حذف البيانات التي تم إرسالها مسبقًا إلى الشرطة الجنائية الاتحادية”، لكن هذه العملية قد تستغرق ما يصل إلى عام بسبب كثرة التقارير، وفقًا لـ”HateAid”، عام كامل قد تقوم خلاله الشرطة الجنائية الاتحادية بمراقبة بيانات لأشخاص غير مذنبين.
وتبقى المشكلة أن مشغلي المنصات الاجتماعية الكبرى مثل “فيسبوك” و”غوغل” لن تساهم في إرسال البيانات حالياً إلى المكتب الجنائي بسبب الدعوى القضائية المرفوعة، ولهذا لا تتوقع القانونية بالون أية تحسينات حقيقية كبيرة ستطرأ ابتداء من شباط في ألمانيا.
ويشارك في هذا التقييم ليونهارد ترويمر، مؤسس منظمة “Hassmelden” (الإبلاغ عن الكراهية) التي تهتم أيضًا بضحايا جرائم الكراهية على الإنترنت، خاصةً وأن مسؤولية الإبلاغ عن المحتوى تقع على عاتق المشغلين أنفسهم، ويوضح ترويمر مخاوفه بمثال، ويقول إن الأمر هناـ “كما لو أن الآلاف من كاميرات المراقبة التابعة للشرطة الاتحادية في المطارات ومحطات القطارات وغيرها في ألمانيا تديرها شركة أمريكية”، فالعاملون بهذه الشركة كانوا سيشاهدون التسجيلات، “وسوف يقدمون قسمًا صغيرًا منها فقط للشرطة الجنائية الاتحادية”.
و يعتقد مؤسس منظمة “Hassmelden” أنه قد تمر سنوات قبل أن تبت المحاكم الألمانية في الدعاوى القضائية التي رفعتها “غوغل” و”فيسبوك”، وهو ما قد يعيق أي تغير جدي.
دويتشه فيله[ads3]