دويتشه فيله : مستشار ألمانيا في أول زياره إلى واشنطن .. فما هي دلالاتها ؟

يرى مراقبون أن حالة من الغموض تكتنف المستشار الألماني أولاف شولتس وهو يعتزم زيارة واشنطن لإجراء مباحثات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أول زيارة له إلى الولايات المتحدة منذ توليه منصبه.

وأثارت حالة الغموض انتقادات ساخرة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصل الأمر إلى التهكم على شولتس، إزاء رفضه الإدلاء بتصريح حاسم حيال الأزمة الأوكرانية، حيث كتب أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عبر “تويتر”: “يتعين إبلاغ شولتس بأنه يمكنه الحديث”.

ولم يتوقف الأمر على رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصل الأمر إلى مسؤولي حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبعض خصوم شولتس السياسيين، إذ أعربوا عن إحباطهم من رفض ألمانيا تسليح أوكرانيا.

ويبدو أن تصريحات المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر، والذي ينتمي إلى حزب شولتس، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لم تصب في صالح المستشار الألماني الحالي، ففي تصريحات أدلى بها مؤخراً، لم يتوانى شرودر عن الدفاع علناً عن صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث بدا وكأنه يبرر نشر روسيا تعزيزات عسكرية قرب الحدود الأوكرانية، وكأنها جاءت كرد فعل على مناورات الناتو، فيما دعا كييف إلى التوقف عن “قعقعة السيوف”.

وتزامن هذا مع حديث بعض وسائل الإعلام الألمانية عن خلافات وتصدعات في التحالف والعلاقات عبر الأطلسي، حيث أفادت مجلة “دير شبيغل” أواخر الشهر المنصرم بأن شولتس لم يجد وقتاً في جدول أعماله المزدحم من أجل إجراء لقاء مع بايدن فيما نفى البيت الأبيض هذه المزاعم، أما شولتس فقد خرج عن صمته في مقابلة مع القناة الألمانية الثانية “تسيت دي إف”، لينفي بشكل قاطع وجود أي سلبية حيال السياسية الألمانية، وسط مزاعم من بعض أعضاء الناتو بأن برلين باتت شريكاً غير موثوق فيه.

وشدد شولتس في المقابلة على أنه يتعاون بشكل كبير مع كافة أعضاء الناتو وأيضاً يعتزم زيارة موسكو لإجراء مباحثات مع بوتين، مضيفاً أن “حلفاء (ألمانيا) يعرفون هذه الأمور.. إننا من يقدم مساهمات عسكرية كبيرة للغاية كجزء من التحالف الدفاعي لحلف الناتو، لذا فإن الجميع يدرك أنه عندما يتطرق الحديث إلى القارة الأوروبية، فإن ألمانيا تعد الدولة التي تتحمل نفقات عالية جداً في هذا الصدد”، وقال إن ألمانيا قدمت مساعدات اقتصاديةً إلى أوكرانيا أكثر من أي دولة أخرى خلال السنوات القليلة الماضية، لكن رغم ذلك، يرى بعض المحللين السياسيين أنه يتعين على شولتس طمأنة بايدن حيال الطرف الذي يصطف إلى جانبه.

وفي ذلك، قالت سودها ديفيد فيلب، نائبة مدير مكتب برلين التابع لصندوق “مارشال” الألماني، إن النقطة المهمة هي أن “شولتس لا يمكنه التوجه إلى واشنطن خالي الوفاض”.

وأضافت: “يتعين عليه (شولتس) العمل على تغيير الوضع الراهن، فبدلاً من التزام الصمت وهذا هو الأسلوب الذي يُعرف عنه، يجب عليه المجيء إلى واشنطن وهو يحمل رسالةً واضحةً عن سبب انضمام ألمانيا إلى التحالف الغربي في الأزمة التي تواجهها أوكرانيا”.

وشددت على ضرورة قيام شولتس ووزيرة خارجيته أنالينا بيربوك، التي تنتمي إلى حزب الخضر، بالإفصاح عن مدى التزام ألمانيا بتعزيز الشراكة عبر الأطلسي وأيضاً تعزيز ما تطلق عليه اسم “النظام الدولي القائم على القواعد”.

وفي مقابلة مع شبكة “DW” الإعلامية، أضافت: “يبدو أن الصمت الألماني في الوقت الحالي يتعارض مع ما تروج له الحكومة الجديدة من سياسة خارجية قائمة على القيم.. كانت أنغيلا ميركل حلقة الوصل خلال الأزمات، فيما يلتزم شولتس حالياً الصمت، لكن من الصعب في الوقت الحالي تبرير صمته وصمت حكومته حيال هذه القضية”.

وفي المقابل، يؤكد سياسيو الحزب الاشتراكي الديمقراطي على عدم وجود سبب للقلق حيال العلاقات التي تجمع ألمانيا والولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، قال نيلس شميد، عضو البرلمان الألماني والمتحدث باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي للشؤون الخارجية، إن “أولاف شولتس ملتزم حيال التحالف عبر الأطلسي ويعرف الأصدقاء الأمريكيون ذلك”.

وفيما يتعلق بلقاء شولتس وبايدن، قال شميد: “سيكون لقاء بين صديقين وليس على شولتس القيام بأي شيء للتأكيد على حقيقة موقفه”، مضيفاً أن التعاون عبر الأطلسي حيال الأزمة الأوكرانية كان واضحاً وأفضل، مقارنةً بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان.

ويتفق في هذا الرأي مايكل فيرس، المحلل الألماني والزميل البارز في مركز “التقدم الأمريكي” ومقره واشنطن، وقال في مقابلة مع شبكة “DW”: “لا أعتقد أنه يتعين على شولتس العمل لاستعادة ثقة الأمريكيين، لأنه وجه معروف في الولايات المتحدة عندما كان وزيراً للمالية في حكومة أنغيلا ميركل”.

ورغم وجود خلافات جلية بين واشنطن وبرلين حيال قضية تسليح أوكرانيا، إلا أن فيرس يؤكد أن حكومة شولتس يمكنها أن تقدم للولايات المتحدة شيئاً لم تقدمه حكومة ميركل، يتمثل في القواسم المشتركة حيال قضايا ملحة، لا سيما الصين ومحاربة ظاهرة التغير المناخي.

وأضاف بأن “لدى الحكومة الألمانية الجديدة بأسرها وليس فقط شولتس منظور سياسي وليس اقتصاديًا حيال التعامل مع الصين عندما يتطرق الحديث إلى حقوق الإنسان والمعايير الدولية والحاجة إلى خلق توازن جديد بين المصالح الاقتصادية والمعايير السياسية”، وقال: “هذه الخطوة جيدة للبناء عليها خاصة مع تواجد حزب الخضر في الحكومة”.

وفيما يتعلق بظاهرة التغير المناخي، يرى كثيرون أن هذا الأمر يعد قاسماً مشتركاً بين بايدن وشولتس، خاصةً وأن الأصوات الشبابية المعنية بمحاربة ظاهرة التغير المناخي كان لها دور في ترجيح كفة كليهما في الانتخابات السابقة في ألمانيا وقبلها في الولايات المتحدة.

وقال نيلس شميد إن بايدن وشولتس أكدا على رغبتهما في محاربة ظاهرة التغير المناخي في إطار سياسة اقتصادية وخلق وظائف في مجال الاستدامة، وأشار إلى أن مكافحة ظاهرة التغير المناخي ستكون قضيةً مشتركةً بينهما، خاصةً عندما يتطرق الحديث إلى توحيد الأهداف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لخفض الانبعاثات، لا سيما فيما يتعلق بالاهتمام المشترك بالتقنيات الجديدة مثل الهيدروجين الأخضر أو الطاقة الشمسية أو تقنيات تخزين الطاقة، فضلاً عن ضرورة المضي قدماً في البحث والتطوير.

وبدورها، ترى فيلب أن هذه القضايا والمصالح المشتركة بين ألمانيا والولايات المتحدة دفعت بايدن إلى إعطاء شولتس فسحة من الوقت حيال التعاطي مع الأزمة الأوكرانية.

وأضاف أن السبب وراء تحلي بايدن بالصبر الشديد في التعامل مع ألمانيا وعدم التسرع في فرض عقوبات من الكونغرس على روسيا قد تضر ألمانيا، يرجع إلى أن “بايدن يرى ألمانيا لاعباً رئيسياً في الشراكة عبر الأطلسي، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بمكافحة التغير المناخي وإنما عند الحديث عن الصين أيضاً”، وهي ترى أن هناك حالة من التعاطف مع شولتس في العاصمة الأمريكية أكثر مما يظهر في العلن، وتعتقد أن “هناك تقديراً (في واشنطن) حيال أن شولتس في حاجة إلى التعامل مع أقلية صغيرة داخل حزبه تميل إلى روسيا، وبسبب هذا، فإنه يتمتع بمصداقية داخل حزبه بكونه محاورا مع روسيا.. لذا فإن بعض الصمت لا يضر”.

بنيامين نايت – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها