ما أبرز المتجددات و المتغيرات عند كبار أوروبا قبل عودة دوري الأبطال ؟

بعد استراحة دامت شهرين، يستعد عشاق كرة القدم في كل أرجاء المعمورة لرؤية الضوء في نهاية النفق، بعودة أم البطولات دوري أبطال أوروبا، الثلاثاء، ومن حُسن حظ مئات الملايين، ستكون البداية بالقمة الأكثر متابعة إعلامياً وجماهيرياً بين سلطان القارة ريال مدريد وفريق أحلام العصر الحالي باريس سان جيرمان، المقررة مساء الثلاثاء على ملعب “سانتياغو بيرنابيو” في ذهاب دور الـ16، تزامنا مع زيارة مانشستر سيتي لملعب “خوسيه الفالادي” لمواجهة سبورتينغ لشبونة في اليوم الافتتاحي لذهاب نفس المرحلة.

لو عُدنا بالذاكرة للصورة أو الانطباع العام للأندية مع انتهاء مرحلة المجموعات في الأسبوع الأول لديسمبر / كانون الأول، أو على الأقل حتى موعد مراسم قرعة دور الـ16، التي أثارت جدلا بطريقة غير مسبوقة، على خلفية قرار إعادة القرعة برمتها بسبب خطأ تقني في توزيع الكرات داخل الأوعية، في تلك الفترة، كانت أغلب التوقعات والترشيحات تميل للفريق الباريسي، أولا لم يكن صبر جمهور أثرياء العاصمة الفرنسية على المدرب ماوريسيو بوتشيتينو قد أوشك على النفاد، ثانيا لم يكن عملاق الليغ1 قد فقد الكثير من بريق الشخصية المخيفة، التي رسمها لنفسه في بداية الموسم، بعد الكم المرعب من الصفقات المدوية، بما في ذلك جمع أعداء الأمس القريب في فريق واحد، والحديث عن قائد ريال مدريد التاريخي سيرخيو راموس وغريمه على مدار عقد ونصف العقد من الزمن ليونيل ميسي، وأسماء أخرى بحجم أفضل ظهير أيمن في العالم أشرف حكيمي وباقي من أكملوا ما يُعرف بـ “فريق الأحلام” جنبا إلى جنب مع نجوم المشروع نيمار جونيور وكيليان مبابي.

ولا ننسى، أنه في تلك الفترة، لم يكن الإيطالي كارلو أنشيلوتي قد بسط هيمنته على غرفة خلع الملابس في النادي الملكي، ناهيك عن حملات التشكيك في مشروعه برمته، لأسباب تتعلق بضعف الجودة المتاحة في القائمة، مقارنة بالنجوم الرنانة التي كان يقودها في موسم كسر عقدة الكأس ذات الأذنين الرابعة عشرة في العام 2014، وما ضاعف هذا الشعور، استمرار الرئيس فلورنتينو بيريز في سياسته التقشفية المتبعة من قبل عاصفة كورونا، مكتفيا بضم ديفيد ألابا في صفقة انتقال حر واليافع الفرنسي إدواردو كامافينغا من رين مقابل 30 مليون يورو، وذلك بعد التخلي عن جيش من اللاعبين المخضرمين والشباب أبرزهم القائد راموس ونائبه رافاييل فاران ومارتن أوديغارد وألفارو أودريوزولا وغيرهم، أما الآن وبعد ظهور ملامح وشخصية كل فريق في النصف الثاني والحاسم من الموسم، بات من الصعب أو التسليم بأن الأفضلية ستكون للفريق الباريسي.

صحيح الظروف متشابهة في كلا المعسكرين، لا سيما بعد خروجهما من مسابقة الكأس المحلية، بسقوط الريال أمام بلباو بهدف نظيف في دور الـ16، وبالمثل خرج “بي إس جي” من كأس فرنسا من نفس الدور بالهزيمة أمام نيس من علامة الجزاء الترجيحية، لكن الملاحظ أن منحنى الثقة بين ميستر كارليتو والجمهور المدريدي في تصاعد مستمر، والعكس بالنسبة للمدرب الأرجنتيني ماوريسيو بوتشيتينو في “حديقة الأمراء”، وهذا يرجع لكثرة الاشاعات والتسريبات التي تشكك في مستقبل البوش مع عملاق عاصمة الحب، بزعم أنه يتصدر قائمة المطلوبين لخلافة الألماني رالف رانغنيك في مانشستر يونايتد بعد انتهاء مهمته المؤقتة في نهاية الموسم. وأبعد من ذلك، يدعي بعض المصادر في فرنسا وإنكلترا، أنه أخبر وسطاء عملاق البريميرليغ بموافقته المبدئية لحين الاقتراب من الموعد المحدد لإعلان هوية الخليفة الدائم للمدرب الألماني. هذا بخلاف ما يتردد على نطاق واسع، أنه يواجه خطر الإقالة في حال ودع دوري الأبطال على يد اللوس بلانكوس.

في المقابل، يتغنى الإعلام والجمهور الأبيض ببصمة المدرب الإيطالي، والتي تظهر في التطور الملموس في أداء الفريق على المستوى الفردي والجماعي، مقارنة بالنسخة الدفاعية البحتة التي كان عليها في أواخر حقبة زين الدين زيدان، ويأتي في مقدمة المتوهجين في عصر أنشيلوتي، اليافع البرازيلي فينيسيوس جونيور، الذي تحول فعليا من لاعب مثير لضحك المشجع المدريدي قبل أكثر الشامتين لواحد من ألمع وأفضل نجوم الليغا وأوروبا هذا الموسم، مكونا ذاك الثنائي الخيالي مع القائد والهداف كريم بنزيما، تاركا أرقامه تتحدث عنه، بوصول حصيلته لـ15 هدفا و10 تمريرات حاسمة في 31 مباراة منذ بداية الموسم، أفضل وأكثر من رصيده منذ تصعيده للفريق الأول في فترة المدرب المؤقت الأسبق سانتياغو سولاري، وبدرجة أقل، عاد إلى الحياة في مدينة “فالديبيباس” أسماء مثل ماركو أسينسيو ومارسيلو ولوكا يوفيتش وآخرون عانوا الأمرين مع زيدان في الموسم الأخير على وجه التحديد.

وهذا ما ساهم في تغير نظرة المشاهدين للريال، من فريق ينظر إليه على أنه يحتاج معجزة أو على أقل تقدير إنفاق هائل ليستعيد سمعته وكبريائه في القارة، لمشروع لا يُستهان به، أو بمعنى آخر فريق يعرف من أين تؤكل الكتف في ما يخص لعبة الانتصارات وجمع النقاط الثلاث، والدليل على ذلك، جلوسه المريح في صدارة الليغا على بعد ست نقاط عن أقرب الطامحين في منافسة على اللقب رقم 35 في تاريخه، بينما بوتشيتينو، يواجه أزمة كل من سبقه، وهي مواكبة تطلعات وأحلام الجماهير، بتقديم ذاك المحتوى الذي يليق ويناسب جودة الأسماء المتاحة، وكما أشرنا أعلاه، هو يعرف أكثر من غيره، أن مستقبله في “حديقة الأمراء” سيتوقف على نتيجة مباراتي النادي الميرينغي، في ظل عدم اقتناع الرأي العام بمستوى الفريق على المستوى الجماعي في المسابقات المحلية، بصرف النظر عن الصدارة السهلة للدوري الفرنسي والخروج الصادم من الكأس.

وصف موقع الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) مواجهة الريال ضد باريس، بمباراة الأصدقاء، كونها ستكون شاهدة على أكثر من مواجهة عاطفية، أبرزها، ولولا الإصابة التي ستعيقه عن المباراة الأولى، سيرخيو راموس، الذي دافع عن القميص الأبيض في أكثر من 670 مباراة، والآن سيكون ولاؤه للنادي الباريسي، سواء بقلبه من خارج الخطوط في مباراة الذهاب، أو بجسده وخبرته في إياب مارس / آذار المقبل، في ما سيكون أنخيل دي ماريا وكيلور نافاس جاهزين لمقابلة ناديهما السابق، وأيضا المدرب كارلو أنشيلوتي سيكون على موعد مع 180 دقيقة عاطفية أمام فريقه القديم، وفي عبارة أخرى سيواجه ذاك الوحش الكاسر، الذي كبر على يده في الفتة بين ديسمبر / كانون الثاني ومايو / آيار 2013، لكن على أرض الواقع، ستبقى مواجهة متكافئة بين فريق يملك من الباع والتاريخ ما يكفي لتصدير الذعر الكروي لخصومه حتى لو كان في أسوأ حالاته وبين كتيبة مدججة بالنجوم، يصعب التنبؤ بما يمكن أن تفعله في غضون 5 دقائق، فما بالك بمباراتين ذهاب وعودة وبعد إلغاء قاعدة احتساب الهدف خارج القواعد باثنين في حالة التعادل؟ من المؤكد ستكون مواجهة مفتوحة لكل الاحتمالات، مع البشرى السارة التي تلقاها الفريق الباريسي، بارتفاع فرص نيمار جونيور في اللحاق بالمباراة، على عكس ما كان يتردد في السابق، عن استحالة لحاقه بالمباراتين، بجانب التحسن المستمر للبرغوث ليونيل ميسي مع أجواء الليغ1 المختلفة عن الليغا التي أفنى عمره على ملاعبها.

وفي المعسكر الآخر، يسابق كريم بنزيما الزمن لاستعادة كامل لياقته الفنية والبدنية قبل مساء الثلاثاء، بعد تعرضه لإصابة مفاجئة في بداية الشهر الجاري، فقط سيواجه كارليتو مشكلة في مركز الظهير الأيسر، في ظل معاناة فيرلاند ميندي مع انتكاسة جديدة وتعليق مارسيلو بداعي تراكم البطاقات الصفراء، وبالنسبة لغيابات النادي الباريسي، فبخلاف راموس والشكوك التي تحوم حول نيمار، ستكون صفوفه شبه مكتملة بعد تعافي أنخيل دي ماريا وجورجينيو فينالدوم من إصابات فبراير / شباط المفاجئة، ومثلهما أندير هيريرا القريب من التخلص من انتكاسته على مستوى الركبة، وشريكه على دائرة الوسط باريديس الذي تغلب على إصابته العضلية.

بالنظر إلى تاريخ المواجهات المباشرة بين العملاقين، سنجد أنها تنحاز للنادي الملكي، بنجاحه في تحقيق الفوز في نصف عدد مبارياته ضد “بي إس جي”، بإجمالي 3 انتصارات مقابل تعادلين وهزيمة من أصل 6 مباريات سابقة، حيث كانت البداية في مجموعات نسخة 2015 -2016، بتعادل في باريس وانتصار بهدف ناتشو في البيرنابيو في ولاية كارليتو الأولى، وفي أوج سنوات زيدان في ولايته الأولى فاز الريال ذهابا وإيابا في دور الـ16 في نسخة 2017-2018، فيما جاء الانتصار الباريسي في دور مجموعات الموسم قبل الماضي بثلاثية نظيفة في “حديقة الأمراء”، وكان آخر لقاء جمعهما ذاك الذي انتهى بالتعادل الإيجابي بهدفين لمثلهما في نوفمبر / تشرين الثاني 2019، لكن كما علمتنا التجارب السابقة، ستبقى الأمور معلقة على إبداع اللاعبين داخل الملعب وذكاء المدربين خارج الخطوط. وبالنسبة لممثل الليغ1، سيعول مدربه بوتشيتينو كثيرا على سحر ميسي وتمرسه القديم على استكشاف الشباك البيضاء، بمعاونة من المتمرد كيليان مبابي، الذي سيخوض المباراة تحت ضغط لا يصدق، بسبب موقفه من تجديد عقده مع باريس سان جيرمان وما يقال عن اتفاقه مع مسؤولي الريال على كافة تفاصيل ذهابه إلى “سانتياغو بيرنابيو” بموجب قانون بوسمان الصيف المقبل.

ويا حبذا لو شارك رأس المثلث نيمار في جزء من مباراة الذهاب، من دون تجاهل أدوار ثلاثي الوسط خصوصا العائد بعد انتهاء مهمته الدولية إدريس غايي، الذي يحظى بثقة مدربه الأرجنتيني جنبا إلى جنب مع رجل المواجهات العظمى ماركو فيراتي والمؤثر أندير هيريرا. أما أنشيلوتي، ففي الغالب سيكون مجبرا على التضحية بواحد من ثلاثي الوسط كاسيميرو وتوني كروس ولوكا مودريتش، لتفادي تفاقم نقطة الضعف الواضحة في منطق العمق بين ثنائي الارتكاز والوسط، والتي اختفت نوعا ما بعد مشاركة فيديريكو فالفيردي أمام غرناطة، مقارنة بالوضع قبل مشاركته بديلاً في ليلة التعادل أمام إيلتشي والخروج أمام بلباو.

وعلى مستوى الدفاع، سينتظر الريال مكافأة جديدة من الاخطبوط تيبو كورتوا، بتصديات حاسمة من مبابي وميسي على وجه التحديد، على أن يبقى الدور الأكثر أهمية لثنائي قلب الدفاع إيدير ميليتاو وديفيد ألابا في مراقبة هجوم باريس سان جيرمان الخارق، أو على أقل تقدير الحد من خطورتهم، على أن تبقى الآمال معلقة على صاحب السعادة فينيسيوس جونيور، بانطلاقة عنترية في هجمة مرتدة أو تصرف فردي عبقري كما يفعل منذ بداية الموسم، وبنفس الأهمية سيكون دور القائد بنزيما حاسما، في حال ربح معركته مع الوقت للتعافي من الإصابة والوصول لأعلى معدلاته الفنية والبدنية قبل إطلاق صافرة سهرة الثلاثاء الكبرى.

في اليوم التالي لمواجهة الريال ضد باريس سان جيرمان، سيكون ليفربول على موعد مع لقاء كلاسيكي خارج التوقعات أمام بطل إيطاليا الإنتر على ملعبه “جوسيبي مياتزا”، ربما على الورق ومن ناحية المنطق، كان وما زال الريدز الطرف الأوفر حظا للظفر ببطاقة الترشح لدور الثمانية، لكن هذا لا يعني أن المهمة ستكون مفروشة بالورود، خاصة بعد نجاح المدرب سيموني إنزاغي في السير على خطى سلفه أنطونيو كونتي، محافظا على جزء كبير من الإستراتيجية التي فاز بها الأفاعي بالكالتشيو الموسم الماضي بعد معاناة دامت عقداً من الزمن، من دون أن يتأثر بالظرف الطارئ الذي أجبر الإدارة على بيع اثنين من أبرز رجال حملة إنهاء عقدة جنة كرة القدم، والإشارة إلى أشرف حكيمي وروميلو لوكاكو، لكن داخل المستطيل الأخضر، يسير الفريق بخطى ثابتة نحو الاحتفاظ باللقب المفضل للجماهير للموسم الثاني على التوالي، باستغلال شبه مثالي للمواهب والخبرات المتاحة، وعلى رأسهم الوافد الجديد إيدين دجيكو، الذي يؤدي دور لوكاكو كما ينبغي، بجانب لاوتارو مارتينز، بعد عودته للتألق بعد التخلص من عباءة الدبابة البلجيكية، من دون نسيان ميزة الوفرة الجيدة في جُل المراكز، مثل منافسه الإنكليزي، الذي لا يعاني من مشاكل على مستوى البدلاء، والدليل على ذلك، صموده في منافسة مانشستر سيتي على لقب البريميرليغ، من دون ثلاثة من ركائزه الأساسية، منهم هداف الفريق في حقبة يورغن كلوب، السوبر ستار المصري محمد صلاح، الذي قضى جُل يناير / كانون الثاني وأول أسبوع في الشهر الجاري داخل معسكر منتخب بلاده، مثل الصديق الغريم في نهائي كأس أمم أفريقيا ساديو ماني.

وبحسب صحيفة “القدس العربي”، الفارق أو ما يعطي أحمر الميرسيسايد قوة إضافية على مستوى الهجوم، هو التعاقد مع الجناح الكولومبي المهاجم لويس دياز، الذي جاء لتعزيز القوة الضاربة للهجوم الأحمر جنبا إلى جنب مع صلاح وماني وفيرمينو وجوتا. وبالمثل، تضاعفت فرص يوفنتوس منطقيا أمام فياريال، بعد التوقيع مع أغلى صفقة شتوية في تاريخ السيدة العجوز دوشان فلاهوفيتش ودينيس زكريا، أما باقي مواجهات دور الـ16، فبنسبة كبيرة لن تتأثر بالمتغيرات والاختلافات بين نهاية العام الماضي والوقت الحالي، مثل نزهة بايرن ميونيخ مع ريد بول سالزبورغ، والأخرى للمان سيتي مع لشبونة واختبار تشلسي السهل مع ليل الفرنسي، وبدرجة أقل أياكس أمام بنفيكا. فقط ملحمة مانشستر يونايتد وأتلتيكو مدريد ستبقى من المواجهات القليلة المتكافئة في هذه المرحلة، وستكون محور حديثنا الأسبوع المقبل. مشاهدة ممتعة للجميع.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها