اللغة الأوكرانية في مواجهة الروسية .. إلى أي درجة تتشابهان ؟

“هل يمكنني تحدث الروسية في أوكرانيا؟”، أجاب هذا السؤال شاب أوكراني على موقع Tripadvisor قبل 5 أعوام، وقال إنه رغم أن الكثير من الأوكرانيين لا يتفقون مع السياسة الروسية، لكنهم ما زالوا يتحدثون اللغة الروسية في المنزل والعمل، حتى في غرب أوكرانيا حيث يقل التحدث بالروسية، لكنه أكد وقتها أنه بإمكان الناس التحدث بالروسية بحرية أيضاً.

من هذه الإجابة، يتبين أن اللغة الأوكرانية مختلفة عن اللغة الروسية، فبالرغم من استخدام اللغة الروسية في الشارع الأوكراني بكثرة في الحياة اليومية خاصة في المناطق الشرقية، فإن إجابة “أنتون إل” لم تعكس الوضع السائد في البلاد، الذي تبدل منذ انفصال إقليم دونباس – الموالي لروسيا – عن أوكرانيا، كما أن الاعتقاد السائد بأن اللغة الأوكرانية هي إحدى لهجات اللغة الروسية، هو غير صحيح.

بين اللغة الروسية واللغة الأوكرانية.. اللغة المستخدمة داخل أوكرانيا

كان عام 2014 عاماً حافلاً، حيث شهدت أوكرانيا دخول القوات الروسية في شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا، كما دعمت روسيا الانفصاليين في إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، وهو ما أحدث الكثير من التغيير، ليس جغرافياً وعسكرياً فقط، بل ثقافياً أيضاً.

وفي عام 2022، حينما ثار الانفصاليون الموالون لروسيا في إقليم دونباس على الحكومة الأوكرانية في كييف بقوة السلاح، وأعلنوا انفصال جمهوريتي أوبلاست دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، ثم اعترفت باستقلالهما روسيا، وفي ظل تلك الأحداث تداولت الصحف الأوكرانية والغربية معلومات حول قيام الانفصاليين بالقبض على أي شخص يتحدث الأوكرانية، ووضعه في معسكرات اعتقال.

بالتزامن مع التغيرات السياسية، يبدو أنه كان هناك تغيرات ثقافية تنتشر بين بعض المواطنين الأوكران لاستخدام اللغة الأوكرانية وتجنب استخدام اللغة الروسية خلال وجود أوكرانيا ضمن الاتحاد السوفييتي، كان من بين أولئك الأوكرانيين رومان نبوشنيك الذي قدم من وسط مدينة تشيركاسي التي لا يزال معظم سكانها يتحدثون الروسية.

يقول نبوشنيك الذي انتهت خدمته العسكرية في عام 2016 واستمرت 14 شهراً: “كنت أتحدث الروسية كل يوم، حتى أثناء الحرب”. بعد عام من انتهاء خدمته العسكرية، كان نبوشنيك في رحلة إلى الهند حيث سمعه موظفو الفندق وهو يتحدث الروسية، وهو ما جعلهم يعاملونه وكأنه روسي، الأمر الذي كان غير مقبول بالنسبة له، وقرر من حينها التحدث بالأوكرانية والإنجليزية حصراً، واكتشف لدى عودته إلى أوكرانيا إلى اختيار بعض الأوكرانيين الأمر نفسه، إلى درجة اعتبار بعضهم استخدام اللغة الروسية داخل أوكرانيا هو استخدام “لغة الأعداء الذين يدعمون منطقة دونباس الانفصالية”. أيضاً عمل السياسيين الأوكرانيين على قوانين جديدة من شأنها تعزيز اللغة الأوكرانية وإحالة الروسية إلى لغة ثانوية في أوكرانيا.

“الأكرنة القسرية”.. منع الكتب الروسية داخل أوكرانيا

في عام 2019 وقع الرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشنكو قانون منع إذاعة شبكات التلفزيون الموالية للكرملين وتداول الكتب الروسية داخل أوكرانيا، وفي نفس العام وصل اليهودي فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الحالي والمعادي الشديد لروسيا في الوقت الحالي، إلى كرسي الرئاسة والذي كان يتحدث الروسية حيث نشأ في عائلة ناطقة بالروسية في جنوب شرق أوكرانيا، والذي صرح آنذاك بأن “كل من يثير قضايا العرق واللغة يريد إحداث ضجيج مؤقت فقط”.

كان زيلينسكي غير مؤيد لحملة “الأكرنة القسرية”، إذ قاد فرقة كوميدية مزجت بين الروسية والأوكرانية في عروضها، وسخرت من عمليات التحول إلى الأوكرانية التعسفية، إلا أنه مع مرور الوقت ازداد الهجوم على اللغة الروسية من قبل المحكمة العليا والبرلمان، الذي أصدر قانون يحتم دبلجة كل العروض التلفزيونية أو الأفلام الأجنبية – والمقصود منها الروسية – أو على الأقل ترجمتها، حتى الكلاسيكيات السوفييتية التي مضى عليها عقود والتي يعرفها الكثير من الأوكرانيين عن ظهر قلب.

في المقابل حاولت الحكومة الأوكرانية تطبيق تلك القوانين برفق عبر تأييد عملية “الأكرنة اللطيفة” والتي لا تعتمد على معاداة كل ما هو روسي. بهذا الصدد قال وزير الثقافة الأوكراني ألكسندر تكاتشينكو إنه حاول تأجيل الإجراء بحجة أنه قد يكون مكلفاً للقنوات التلفزيونية والإخبارية خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسلسلات التلفزيونية الطويلة، وقال: “إنني أتحدث عن الأكرنة اللطيفة”، إلا أن البرلمان الأوكراني رفض ما قاله الوزير، وأُبلغ المسؤولون بالفعل بضرورة فرض غرامة على العديد من شبكات التلفزيون لعرضها محتوى باللغة الروسية.

كذلك تعين على عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين، بما في ذلك المهنيين الصحيين وضباط إنفاذ القانون والقضاة ومعلمي المدارس وأساتذة الجامعات تأكيد معرفتهم باللغة الأوكرانية من خلال إجراء العديد من الاختبارات الكتابية والشفوية.

هل اللغة الروسية في أوكرانيا “وصمة عار”؟

يقول نيكولاي ميتروخين، عالم الاجتماع في جامعة بريمن الألمانية والذي يجري عشرات المقابلات في جميع أنحاء أوكرانيا: “أصبحت اللغة الروسية غير مستخدمة في المحافل والمناسبات الرسمية تماماً، بل وتحولت اللغة الروسية إلى وصمة عار، كما أن وسائل الإعلام الناطقة باللغة الروسية تواجه صعوبات ويتم تهميشها”، ويستكمل ميتروخين حديثه حول اللغة الروسية – التي لا زالت منتشرة في أوكرانيا – أن “اللغة الروسية المنطوقة لا زالت لغة اتصال سائدة في كل مكان من أنحاء أوكرانيا، باستثناء المناطق الغربية فيها”.

الأمر الذي عكس روح الانقسام داخل المجتمع الأوكراني في الوقت الحالي، إذ يشعر بعض الأوكرانيين بالتهميش، على سبيل المثال؛ عبرت إحدى الفتيات الأوكرانيات وتدعى فالنتينا من مدينة أوديسا الجنوبية عن هذه الفكرة بقولها مستغربة: “نحن نكره بوتين بنفس القدر مثل أي أوكراني آخر في هذه البلاد، وحقيقة أن الروسية هي لغتنا الأم لا تجعلنا جواسيس لموسكو!”، وكان طلب فالنتينا عدم ذكر اسمها الثاني، كان بسبب خشيتها من النفور الذي قد تقابله من قبل باقي الأوكرانيين ​​لأنها تبدو وكأنها “مؤيدة لروسيا”.

أيضاً؛ نشر نشر شاب أوكراني يدعى ساتانا روس صورة على فيسبوك لشاشة القائمة الإلكترونية الخاصة بماكدونالدز وهي تعرض قائمة الطعام والمشروبات باللغة الأوكرانية والإنجليزية فقط بدون الروسية التي كانت موجودة من قبل، وسرعان ما انتشرت تلك الصورة بكثرة عبر الشبكات الاجتماعية في صيف 2020.

حتى علق عليها أناتولي شاري وهو سياسي أوكراني موالي للكرملين، وأحد نجوم الشبكات الاجتماعية في أوكرانيا، إذ قال أن خيارات لغة قائمة ماكدونالدز “تؤكد مرة أخرى المواقف السلبية تجاه نصف سكان أوكرانيا الذين يتحدثون اللغة الروسية”.

في حين قامت السفارة الأوكرانية في واشنطن بكتابة تغريدة شكرت فيها ماكدونالدز على “موقفها الثابت بشأن قضية اللغة الأوكرانية”، فيما ردت السفارة الروسية على ذلك باتهام عملاق الوجبات السريعة بـ “استبعاد لغات الأقليات” في أوكرانيا. ومع الأحداث الراهنة المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، يُعتقد أن حملة الهجوم على اللغة الروسية داخل أوكرانيا قد تزداد.

ما الفرق بين اللغة الروسية واللغة الأوكرانية؟

رغم أن جذر اللغتين واحد، إذ ينتمي كل منهما إلى فرع اللغات السلافية الشرقية التي تضم الروسية والأوكرانية والبيلاروسية، ورغم أن الكثير من الناس يعتقدون أن الروسية والأوكرانية لغتين متشابهتين للغاية؛ فإن الشعب الروسي عادة لا يفهم الأوكرانية تماماً، فرغم تأثير اللغتين على بعضهما البعض خلال فترات الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفييتي، إلا أن هناك فرقاً كبيراً يجعل الفهم المتبادل صعباً بين متحدثي اللغتين.

فبدءاً من حروف كل من اللغتين؛ هناك العديد من الاختلافات بينهما رغم استخدام كل من اللغتين الأبجدية السيريلية؛ فهناك حروف لها نفس الرسم لكنها تُنطق بشكل مختلف، وهناك حروف لها نفس النطق إلا أنها تختلف في الشكل، كما يوجد حروف ليس لها مقابل في كل من اللغتين.

أما عن اختلاف الكلمات بين اللغتين، فهناك اختلاف كبير بين الاثنتين، إذ يُقدر نسبة تشابه الكلمات بين اللغتين من 40% إلى 60%، فعلى سبيل المثال تختلف أسماء الشهور كلياً بين اللغة الأوكرانية والروسية، كما أن هناك بعض الكلمات التي تنطق وتكتب بنفس الشكل ولكن تحمل معنى مختلف؛ مثل كلمة (лук) التي تعني في الأوكرانية (قوس) بينما تعني في الروسية (بصلة).

أيضاً؛ مرادفات اللغة الأوكرانية تختلف عن اللغة البيلاروسية بحوالي 16% فقط، طبقاً لموقع Ukrainian lessons، وهو ما يعني الاقتراب الشديد بين البيلاروسية والأوكرانية وليس الروسية.

يقول “مايكل”، أحد متعلمي اللغة الروسية في موقع languagetsar المهتم بتعلم اللغات المختلفة ومقارنتها ببعضها البعض: “عندما ذهبت إلى مدينة لفيف في غرب أوكرانيا لتعلم اللغة الأوكرانية، كانت تجربتي على الرغم من سهولة فهم القواعد اللغوية، إلا أن المفردات لم تكن كذلك. فعندما قمت بمشاهدة مباريات كرة القدم باللغة الأوكرانية، اضطررت إلى محاولة الحصول على التعليق على المباريات باللغة الروسية، إذ لم أتمكن من متابعته باللغة الأوكرانية”.

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها