مسجد الفاتح بمدينة بفورتسهايم الأول بمئذنة في ألمانيا

بدأ وصول المسلمين إلى ألمانيا بأعداد كبيرة في ستينيات القرن الماضي حين استعانت ألمانيا بالعمالة التركية في بناء البلاد ما بعد الحرب العالمية الثانية، هذا التدفق للمسلمين كان من تركيا وشمال أفريقيا الذي شكل حالة جديدة في المجتمع الألماني، فالمسلمون لهم أسلوب حياتهم المرتبط بدينهم، ومنه وجود أماكن العبادة وكذلك الأكل الحلال والمدافن الإسلامية.

ويكفل الدستور الألماني حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية، وهذا ما أفاد منه المسلمون، ولا سيما في بناء المساجد، إذ يشترط في ذلك تأسيس جمعية ثقافية من عدة أشخاص (من 5 إلى 7 أشخاص) بمهام إدارية محددة، ومن ثم يكون من ضمن نشاطاتها “المسجد”.

ويقدر عدد المساجد في ألمانيا -بحسب أرقام نشرت عام 2021- بنحو 3230 مسجدا، منها نحو 3000 مصلى. ومنها 230 مسجدًا كبيرا بطرز معمارية مختلفة. ولعل من أهم المساجد في ألمانيا وأول مسجد له مئذنة هو مسجد الفاتح في مدينة بفورتسهايم. فما قصة هذا المسجد؟ وكيف نشأ؟ وكم مساحته؟ وما أنشطته الدينية والاجتماعية؟

بفورتسهايم.. مدينة الذهب
مدينة بفورتسهايم إحدى مدن مقاطعة بادن فيتمبرغ في الجنوب الألماني، وتقع شمال غرب المقاطعة شمال الغابة السوداء، وهي المدينة الثامنة في المقاطعة، ويبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة، وتلقب بمدينة الذهب، وتعرضت لدمار شامل في الحرب العالمية الثانية، وقد تصدت نساء المدينة لبنائها بعد توقف الحرب، كما يذكر ذلك الألمان.

وتوافد إليها الأتراك، كما توافدوا على بقية المدن الألمانية، ويلاحظ في المدينة وضواحيها الوجود التركي الكبير من خلال المطاعم والمحلات، ويقدر عددهم بنحو 10 آلاف نسمة بنسبة تبلغ نحو 9% من سكان المدينة.

وقد تميز الأتراك في ألمانيا ببناء أو إنشاء المساجد، فالمسجد عندهم ليس دارًا للعبادة فحسب، بل ملتقى للناس ومجالًا للأنشطة الاجتماعية وتعليم القرآن الكريم لأطفالهم. وقد أنشؤوا في هذه المدينة قبل بناء مسجد الفاتح، مجموعة مصليات حتى كان مسجد الفاتح في منطقة أويتنغن، الذي أصبح أول مسجد في ألمانيا بمئذنة.

مسجد الفاتح.. كيف تغلب أصحاب الفكرة على الصعاب؟
يقول السيد جنكيز مدير الأنشطة الاجتماعية في مسجد الفاتح للجزيرة نت “كان بناء مثل هذا الصرح أمرًا أقرب للخيال، وقد تحقق بفضل الله وهمة الذين سعوا في ذلك، فقد بدأ التأسيس يوم 17 مارس/آذار 1990، وافتتح يوم 26 سبتمبر/أيلول 1992”.

وبعد حصولهم على الرخصة، كان لا بدّ من العمل على تمويل البناء، إذ تكلّف 6.5 ملايين مارك ألماني وقتها بمساحة أرض 3142 مترا مربعًا. بني المسجد على 600 متر مربع، من طابقين، ويتسع لـ900 مصل -750 رجلا و150 سيدة- وترتفع مئذنة المسجد 26 مترًا، وهي أول مئذنة في أوربا، وله قبة واحدة، وهناك منزل خاص بإمام المسجد.

وامتاز المسجد من الداخل بكسوة متميزة وتذهيب للآيات القرآنية المكتوبة على جدران المسجد، كما وضعت في منتصفه ثرّيا ضخمة، وقد تم إهداء ثريّا للمسجد من إحدى كنائس المدينة، بحسب جنكيز.

أمّا عن الصعوبات التي واجهت بناء هذا الصرح، فقال “لقد كانت أولاً في بناء المئذنة والحمد لله تمت الموافقة على ذلك، وثانيًا التمويل المالي. فقد كان التمويل في غالبيته ذاتيا من خلال التبرعات. جمعنا في يوم واحد 150 ألف مارك، وكان للنساء دور في التبرعات حيث تبرعن بذهبهن وحليهن، وهناك من سحب أمواله من البنوك وقدّمها للمسجد، وقد تعهدت إدارة المسجد بإعادة كل مبلغ سحب من البنوك لصاحبه عند الطلب دون فوائد، وهكذا تعاون الجميع حتى تم افتتاح المسجد بحضور وزير الداخلية التركي حفل الافتتاح ووفد من وقف الديانة وكان أول مدير للمسجد الراحل حسين أوزدين”.

أنشطة اجتماعية وثقافية

“المسجد ليس لتأدية الطقوس التعبدية، بل هناك أنشطة اجتماعية وثقافية له”، هكذا يصف جنكيز دور مسجد الفاتح، وتابع: فضلاً عن الدور الذي يقوم به المسجد في إقامة الصلوات وصلاة الجمعة فثمة أنشطة أخرى. في المسجد غرفة للضيوف “للنوم” لمن جاء إلى المدينة وليس لديه مكان يبيت فيه، ومكتبة المسجد بما تحويه من كتب دينية وثقافية، وقاعة تعليم القرآن الكريم، وأخرى للأنشطة الرياضية ومقهى للزوار وأصدقاء المسجد، ومكان لتغسيل وتكفين الموتى.

وعن تعليم القرآن الكريم، قال “يتم تعليم القرآن الكريم والفكر الإسلامي والسيرة النبوية والفقه والثقافة الإسلامية. ويقسم التعليم إلى 3 أقسام، قسم للأطفال حتى سن 9 سنوات، حيث يتعلمون الحرف العربي لأجل قراءة القرآن ويتم تعليمهم معنى قصار السور باللغة التركية، وقسم للشباب وقسم للنساء، ويقوم على الأقسام معلمون ومعلمات متطوعون من دون أي مقابل. ويصل عدد المتعلمين من سن 7 حتى 18 نحو 100 شخص”.

وبيّن المتحدث ذاته أن هناك أنشطة رياضية متنوعة وأنشطة ثقافية، فضلاً عن لقاء الناس وتعارفهم والحفاظ على التقاليد التركية، وثمة أنشطة خاصة برمضان منها “المقابلة” التي يتبارى فيها شخصان في حفظ القرآن، يقرأ الأول عددًا من الآيات ثم يتابع الآخر حتى يختما جزءًا من القرآن الكريم، وهناك أيضًا موائد الإفطار التي تقام يوميًا، وقد توقفت لسنتين بسبب كورونا وعادت هذه السنة حيث يصل عدد ضيوف مائدة الإفطار حوالي 150 شخصًا يوميا، وكان قبل كورونا يصل ضعف هذا العدد، وهذه الموائد تموّل من المسجد وبعض المتبرعين، كما قال جنكيز للجزيرة نت.

مسجد الفاتح.. مثال في الصبر لتحقيق الهدف السامي
وفي ردّه على سؤال للجزيرة نت، قال غسان الحميسي “أقيم في بفورتسهايم منذ 35 عاما، وكنت شاهد عيان على بناء المسجد، وصليتُ فيه حين كان أعمدة فقط. إن ما رأيناه من إصرار وعزيمة من قبل الإخوة الأتراك لهو درس لكل العرب والمسلمين المقيمين في أوروبا بأن الأعمال الكبيرة تحتاج لهمة عالية ورجال يحملون تلك الأعمال”.

ويضيف “قبل بناء مسجد الفاتح كنّا نصلي بآية صوفيا، وهو مسجد تركي هنا، ولم نكن نتوقع أن نرى مسجدًا مستقلا بمئذنة وقبة، ولكن تحقق ذلك، ورغم أن 5 مساجد ظهرت في بفورتسهايم فإنها لم تستطع أن تكون كمسجد الفاتح، بل بقيت مصليات صغيرة يمكن شراؤها أو استئجارها لتزايد عدد المسلمين”. (ALJAZEERA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها