خريطة ألمانيا الاقتصادية ترسم من جديد .. الشرق ينتعش
قبل عشرة أعوام، كانت بلدة غوبن الصغيرة في شرق ألمانيا في أمس الحاجة للحصول على مستثمرين جدد لدرجة أنها كانت مستعدة لمنحهم أراضي بالمجان.
أما الآن، يقول العمدة فريد ماهرو، “لا يوجد لدي الآن مساحة متاحة”.
جاءت نقطة التحول العام الماضي عندما اختارت شركة كندية تعمل في التكنولوجيا النظيفة البلدة لصنع أول محول ليثيوم أوروبي الذي يعد مكونا رئيسا لبطاريات السيارات الكهربائية. تفوقت بلدة غوبن على أكثر من 60 موقعا محتملا آخر عبر القارة.
سيجعل استثمار شركة روك تيك ليثيوم بقيمة 500 مليون يورو غوبن رابطا مهما في سلسلة توريد البطاريات وسيبث حياة جديدة في البلدة. يقول ماهرو، “كانت غوبن كالجميلة النائمة. وشركة روك تيك جعلتها تفيق”.
إن وصول الكنديين هو رمز لتدفق هائل للاستثمار إلى الشرق الشيوعي سابقا، الذي أصبح موطنا لقطاع السيارات الكهربائية الذي يتوسع بسرعة. تتحول المنطقة التي كانت يوما ما مرادفا للتدهور الاقتصادي إلى واحدة من أهم أجزاء العقارات الصناعية في القارة.
في الأعوام القليلة الماضية، انهالت عليها المشاريع والاستثمارات الجديدة. كان أكثرها أهمية هو إعلان شركة إنتل لصناعة الرقائق في آذار (مارس) أنها ستبني ما لا يقل عن مصنعين لأشباه الموصلات بقيمة 17 مليار يورو في البلدة الشرقية ماغديبورغ – أضخم استثمار أجنبي مباشر في ألمانيا.
جاء ذلك في الشهر نفسه الذي بدأت فيه شركة تسلا الإنتاج في أول مصنع أوروبي للسيارات الكهربائية في المدينة الشرقية جرونهيد. إضافة إلى مصنعي السيارات الكهربائية اللذين حولتهما شركة فولكس فاجن في مدينتي تسفيكاو ودرسدن.
صرح المستشار أولاف شولتز في مؤتمر في وقت سابق من هذا الشهر بأن ألمانيا الشرقية هي الآن “واحدة من أكثر المناطق الاقتصادية جاذبية في أوروبا. وتنتشر أخبارها بسرعة على الصعيد الدولي”.
يمكن أن تكون الاستثمارات علامة على تحول عميق في الجغرافية الصناعية في ألمانيا. لعقود من الزمان، تركزت القوة الاقتصادية للبلد في الجنوب والجنوب الغربي، موطن شركات صناعة السيارات مثل شركتي مرسيدس وبي إم دبليو وشركات الهندسة العملاقة مثل شركة سيمنز. لكن هذا يمكن أن يتغير مع عودة الشرق للتصنيع.
يقول كارستن شنايدر، مفوض الحكومة الألمانية للشرق، “إن خريطة ألمانيا الاقتصادية ترسم من جديد”.
في الواقع، تأتي الاستثمارات الجديدة في وقت تتعرض فيه صناعة السيارات التقليدية في ألمانيا، القائمة على محرك الاحتراق، لضغوط غير مسبوقة حيث تتطلع الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى مستقبل خال من الوقود التقليدي، ويتسارع التحول إلى السيارات الكهربائية. تجسد الضغط في تصويت البرلمان الأوروبي الشهر الماضي لحظر بيع السيارات والشاحنات الجديدة التي تعمل على الديزل والبنزين في الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 2035.
عبر الجنوب والجنوب الغربي، أعلن الموردون التقليديون لصناعة السيارات -“بوش” و”كونتيننتال” و”ماهلي” و”زد إف فريدريسهافين” – خفض الوظائف وسط انخفاض الطلب والتوقعات غير المؤكدة.
والعكس صحيح في الشرق، حيث افتتحت فولكس فاجن أول خط إنتاج مخصص للسيارات الكهربائية في 2019، عندما حولت مصنع في تسفيكاو في ولاية ساكسونيا الذي صنع ذات مرة سيارة ترابانت التي تعود إلى الحقبة السوفياتية واستحوذت عليه فولكس فاجن بعد إعادة توحيد ألمانيا. تقول كارين كوتزنر، المديرة المالية في فولكس فاجن في ساكسونيا، “المنطقة والسكان على دراية بالاضطرابات، ما كان ميزة بالتأكيد”.
تهدف الشركة إلى تصنيع 300 ألف سيارة كهربائية سنويا في الموقع، وبضعة آلاف أخرى في مدينة درسدن المجاورة، ما يضيف نحو ألف وظيفة في هذه العملية. تتمتع منطقة تسفيكاو الآن بتوظيف كامل تقريبا، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى شركات مثل ليوني لصناعة الكابلات التي تستثمر نحو 130 مليون يورو في المنطقة لتزويد مصانع فولكس فاجن.
تضيف شركة بي إم دبليو مئات الوظائف إلى مصنعها في لايبزيج، الذي سيصنع وحدات بطاريات.
يقول يورج شتاينباخ، وزير الاقتصاد في ولاية براندنبورغ، الولاية المحيطة ببرلين وموطن تسلا الأوروبي الجديد، إنها شهدت استثمارات بقيمة سبعة مليارات يورو منذ 2018 – “هذا الحجم بعيد كل البعد عن الأعوام السابقة”. تتعامل السلطات الإقليمية في ألمانيا الشرقية حاليا مع 28 حالة من إبداء الاهتمام تمثل 11.5 مليار يورو من استثمارات جديدة محتملة.
يضيف، “لفترة طويلة، كانت ولايات شرق ألمانيا في قاع دوري الأداء الاقتصادي. أعتقد أن الدوري سيكون أكثر ميلا نحو الشرق في الأعوام الخمسة المقبلة”.
اذهب في رحلة إلى ريف براندنبورغ وسيتضح على الفور ما يجعلها جذابة للمستثمرين – المساحة. هناك أراض متاحة أكثر من أجزاء أخرى من ألمانيا، ولا سيما المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والصناعية العالية في الجنوب الغربي. يقع مصنع جرونهيد التابع لتسلا على مساحة 300 هكتار، وسيشغل مصنع إنتل في ماغديبورغ 450 هكتارا – أي ما يعادل 620 ملعب كرة قدم.
قال شولتز في مؤتمر الشهر الماضي، “مساحة كهذه نادرة في قلب أوروبا ومطلوبة بشدة. وهي موجودة في شرق ألمانيا”.
يتمتع الشرق بميزة تنافسية رئيسة أخرى – وفرة من مصادر الطاقة المتجددة. تولد براندنبورغ كهرباء من الرياح والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية لكل فرد من السكان أكثر من أي ولاية ألمانية أخرى. تغطي مصادر الطاقة المتجددة 94 في المائة من طلب الولاية على الكهرباء، مقارنة بالمعدل الوطني الألماني البالغ 46 في المائة.
قال روبرت هابيك وزير الاقتصاد في المؤتمر نفسه الذي تحدث فيه شولتز، “يقول المستثمرون إن شركاتنا تنتج بطاريات للتنقل الصديق للبيئة. ونريد أن ننتج بطارياتنا بطريقة مستدامة، لذلك يعد توافر الطاقة المتجددة عاملا حاسما للشركات شديدة الاستهلاك للطاقة التي يتم إنشاؤها هنا”.
أيضا تستفيد ألمانيا الشرقية بشكل كبير من الانتقال إلى “سيادة” أوروبية أكبر – استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتعزيز اعتماده على نفسه في القطاعات الحيوية مثل البطاريات وأشباه الموصلات، وسحابة البيانات والأدوية.
بعد أن صدمتها الاضطرابات التي لحقت بالتجارة العالمية التي شوهدت خلال جائحة كوفيد- 19 والحرب في أوكرانيا، تركز الدول بشكل متزايد على تكثيف الإنتاج المحلي للمكونات الأساسية وتقصير سلاسل التوريد ما يجعلها أقل عرضة للصدمات الخارجية.
توجد هذه الاتجاهات بشكل خاص في المنطقة المحيطة ببرلين. يقول ماركوس بروجمان، الرئيس التنفيذي لشركة روك تيك ليثيوم، “ستحصل صناعة السيارات الكهربائية على كل ما تحتاج إليه هنا، من معالجة الليثيوم وإنتاج البطاريات والخلايا إلى تصنيع السيارات الكهربائية. وشركتنا تقع في قلب سلسة القيمة الجديدة هذه”.
كان للإعانات الحكومية دور رئيس في جذب المستثمرين. ستقدم برلين دعما ماليا بقيمة 6.8 مليار يورو لمشروع إنتل بحلول 2024، 2.7 مليار يورو منها هذا العام وحده. أيضا ستقدم 40 مليار يورو على مدى الأعوام القليلة المقبلة لتخفيف الآثار الاقتصادية كجزء من خطتها للتخلص التدريجي من الفحم، وسيتدفق جزء كبير من ذلك المبلغ إلى شرق ألمانيا، موطن مجموعة من مناجم الليجنيت ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم التي لا بد أن تغلق. يمكن أن تشهد الطرق والسكك الحديدية والمؤسسات البحثية مكاسب كبيرة غير متوقعة.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بوعد تقديم الإعانات الذي يجذب شركات التكنولوجيا الكبرى إلى الشرق، بل تاريخ المنطقة الطويل باعتبارها مركزا للصناعة. بني جزء من الانتعاش الأخير على أسس وضعت خلال حقبة جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية، ظهرت مجموعة أشباه الموصلات بالقرب من درسدن في ساكسونيا – الأكبر في أوروبا – في موقع روبوترون، الشركة المصنعة للأجهزة الإلكترونية التي كانت مدارة سابقا من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، بعد أن أدركت شركات مثل بوش وإنفنيون وإيه إم دي أنه يمكن اقتناص الموظفين ذوي المؤهلات العالية ومرافق الإنتاج بتكلفة منخفضة.
يستمر ما يسمى “بالنظام الإيكولوجي” لأشباه الموصلات في جذب الشركات المتطورة التي تعتمد على أن تصبح موردة السيارات الجديدة، مثل شركة سكيلتون تيك الإستونية الناشئة لصناعة المكثفات الفائقة، التي تستثمر 36 مليون يورو في موقع درسدن.
يقول المؤسس المشارك، تافي ماديبرك، الذي تعمل شركته من كثب مع الجامعات التقنية في درسدن وشبكة من المواقع التي تديرها مؤسسة فراونهوفر للأبحاث التطبيقية التي ترعاها الدولة، “لقد أعجبتنا البنية التحتية الصناعية وكذلك البيئة الأكاديمية”. يوجد في ساكسونيا أعلى تركيز لمثل هذه المؤسسات، التي تم تحويل كثير منها من أكاديميات العلوم في حقبة جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
يقول ماديبرك، “عندما توسع نطاق التصنيع العادي، فأنت بحاجة إلى كفاءة في مجموعة متنوعة للغاية من المجالات، وهو أمر غير منطقي بالنسبة إلى شركة تكنولوجية للبناء في الداخل”.
يمثل وصول شركات مثل تسلا وإنتل تحولا كبيرا في منطقة محيت قاعدتها الصناعية تقريبا التي كانت في الحقبة الشيوعية بعد إعادة التوحيد في 1990. أغلقت مئات المصانع في العقد التالي، وارتفعت معدلات البطالة وتوجه الشباب غربا بحثا عن العمل. يقول شتاينباخ، “اختفى نحو 70 في المائة من الصناعة في شرق ألمانيا”.
الافتقار إلى الآفاق الاقتصادية أدى إلى الإحباط والغضب اللذين غذيا صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف وحركة بيجيدا المعادية للمسلمين، التي تصدرت احتجاجاتها الجماهيرية خلال أزمة اللاجئين من 2015 إلى 2016 العناوين الرئيسة.
تمثل غوبن نجاحات المنطقة وتراجعاتها. اكتسبت البلدة شهرة في القرن الـ19 باعتبارها مركزا لإنتاج القبعات الألمانية – ولا يزال يذكر إحدى الشخصيات المحلية البارزة، كارل جوتلوب ويلك، باختراعه لقبعة الصوف المضادة للماء، المصنوعة من صوف الأغنام بدلا من فرو الأرانب التقليدي.
تحت حكم الشيوعية، أصبحت البلدة مركزا صناعيا كبيرا، وموطنا لمصنع للألياف الاصطناعية يعمل فيه المئات من الأشخاص. لكن بعد إعادة التوحيد، انهار جزء كبير من صناعة المواد الكيمائية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة وسحب غوبن معها.
يتذكر ماهرو قائلا، “مصنع القماش، ومصنع القبعات، ومصنع خيوط السجاد – كلها أغلقت أبوابها. لقد كان تسريحا شاملا”. انخفض عدد سكان البلدة إلى أكثر من النصف، من 36 ألف إلى 16700 وبحلول نهاية التسعينيات، بلغ معدل البطالة فيها 27 في المائة.
خلال الـ30 عاما الماضية، كانت غوبن قادرة على جذب مستثمر جديد واحد فقط – شركة مصنعة لمراتب السرير تدعى ميغا فليكس.
تلوح مزيد من المشكلات في الأفق – تعد محطة كهرباء قريبة تعمل بالفحم وتوظف مئات الأشخاص من بين تلك المقرر إغلاقها بحلول 2038 في إطار مخطط التخلص التدريجي من الفحم.
لم يكن الوضع أفضل في أجزاء أخرى من ألمانيا الشرقية. على الرغم من أن فجوة الازدهار مع الغرب قد ضاقت في الأعوام الأخيرة، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الشرق كان لا يزال عند 77.9 في المائة فقط من المستوى الغربي في 2020. وتقل الأجور عن الغرب 23 في المائة.
لكن غوبن كافحت بشدة لوقف التدهور في ثرواتها. طورت السلطات المنطقة الصناعية التي أصبحت الآن شبه خالية في البلدة وأصدرت خطة تطوير بقيمة 300 ألف يورو تم الانتهاء منها العام الماضي. قال فريد ماهرو إنه أخبر الوزير يورج شتاينباخ أنه “إذا جاء مستثمر يمكنه تقديم طلب تخطيط على الفور – نحن جاهزون”. بعد ستة أسابيع، أرسل شتاينباخ شركة روك تيك ليثيوم إلى غوبن وبدأت المحادثات.
المصنع الذي ستبنيه يحول السبودومين، وهو معدن يحتوي على الليثيوم من منجمها في كندا، إلى هيدروكسيد الليثيوم النقي – وهو عنصر أساس في بطاريات السيارات الكهربائية. تأمل روك تيك في إنتاج 24 ألف طن سنويا، ما يكفي 500 ألف سيارة.
حتى هذا لا يكفي لتلبية الطلب المتوقع في أوروبا، كما يقول بروجمان. “سيكون الأمر على هذا النحو”. تقود سياسات المناخ التي ستزيد الطلب على السيارات الكهربائية الطفرة بشكل كبير. يقول، “إن السوق الأوروبية للتنقل باستخدام السيارات الكهربائية تتقدم بأعوام على جميع الأسواق الأخرى”.
في الوقت نفسه، تتشكل أيضا أجزاء أخرى من سلسلة التوريد في الشرق. تبني شركة بي إيه إس إف مصنعا في شوارترزهايد لإنتاج المواد ذات الشحنة السالبة المستخدمة في بطاريات الليثيوم، وستنتج شركة ألتيك الأسترالية المواد ذات الشحنة الموجبة في محطة شوارتز بمب للطاقة في براندنبورغ، وستبني شركتا مايكروفاست الأمريكية وسي إيه تي إل الصينية أيضا مصانع لصنع البطاريات نفسها، واحد في لودويغسفيلد جنوب برلين وواحد في إرفورت.
العام الماضي، من بين أكثر من الـ323 ألف سيارة كهربائية التي تم إنتاجها في ألمانيا، تم تصنيع 57 في المائة منها في مصانع فولكس فاجن في تسفيكاو ودريسدن، وفقا لمحلل السيارات ماتياس شميت. عزز افتتاح مصنع تسلا في براندنبورغ في وقت سابق من هذا العام هيمنة شرق البلد على عالم السيارات التي تعمل بالبطاريات.
يتناقض الضجيج في شرق ألمانيا مع صورة أكثر قتامة في مناطق صناعة السيارات التقليدية، حيث تم إعلان خفض أكثر من 100 ألف وظيفة في الأعوام الثلاثة الماضية. أشارت مجموعة الضغط التي تمثل موردي السيارات الأوروبيين “كليبا”، إلى أن مئات الآلاف من الوظائف ستختفي بسبب قرار الاتحاد الأوروبي لـ2035.
قارن المؤرخون الاقتصاديون بين نهضة الشرق الحالية ومراحل الازدهار والتقدم التي سبقتها. يقول أوليفر هولتمولر، من معهد هالي للأبحاث الاقتصادية، إن المنطقة المحيطة ببلدة ليونا في شرق ألمانيا – التي أصبحت الآن موقعا لمصفاة نفط كبيرة – كانت واحدة من “أقوى المناطق الاقتصادية في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية”.
في الوقت نفسه، كانت بافاريا في ذلك الوقت ولاية زراعية إلى حد كبير اكتسبت سمعتها فيما بعد في مجال “أجهزة الحاسوب المحمولة والبناطيل الجلدية القصيرة”.
لكن هناك من يجادل بأن الحديث عن انتعاش في الشرق قد يكون مبالغا فيه، في النهاية ستبقى معظم الوظائف ذات الأجور الأعلى في ألمانيا في جنوب البلاد. يقول هولتمولر، “إن الاستثمارات التي نراها هي في الإنتاج، لكن البحث والتطوير هما أهم شيء في الابتكار”.
نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من الشركات الخاصة، التي تقاس كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، هي أعلى بضعفين إلى ثلاثة أضعاف في جنوب ألمانيا مما هي عليه في الشرق. يقول، ” يحدث الابتكار هناك، وأيضا فيه الرواتب الأعلى”.
في حين أن وتيرة بناء الطاقة المتجددة في الشرق مثيرة للإعجاب، فإن استخدام روسيا لإمدادات الغاز كسلاح يمكن أن يؤدي إلى ضغوط قصيرة الأجل في الطاقة ستؤثر بدورها في الشركات الجديدة والمستهلكين الراسخين على حد سواء. قالت إحدى الشركات المصنعة لأشباه الموصلات في دريسدن لـ”فاينانشال تايمز” إنه تم إبلاغها بالفعل عن احتمالية تقنين إمدادات الغاز إلى مصنعها في حال حدث نقص حاد هذا الشتاء.
على الرغم من أن الشرق في الوقت الراهن ليس أكثر عرضة للنقص في إمدادات الغاز من معظم أنحاء البلاد، فإن مجرد التهديد بالتقنين قد يثني بعض المستثمرين المحتملين.
تعد السياسة أيضا مشكلة. لا يزال حزب البديل من أجل ألمانيا قويا في شرق ألمانيا، ولا سيما في ولاية ساكسونيا، التي يخشى المسؤولون التنفيذيون من أنه سيحول دون بحث الأجانب عن وظائف في المصانع الجديدة في المنطقة. يقول هولتيمولر، “نحن نعتمد على الهجرة، وعلينا أن نكون منفتحين عليها. لكن، خاصة في المناطق الريفية في الشرق، فإن كراهية الأجانب تعد مشكلة”.
مع ذلك، من المتوقع أن يتقلص عدد سكان الشرق في الأعوام المقبلة، بسرعة أكبر من سكان ألمانيا الغربية، الأمر الذي يجعلها تعتمد بشكل متزايد على العمالة الوافدة. من بين 100 منطقة في ألمانيا ذات أسوأ انخفاض ديموغرافي متوقع، تقع 55 منطقة منها في الشرق، وفقا لأحدث تقرير حكومي حول التقدم في المناطق منذ إعادة التوحيد.
ذكر التقرير أنه في الأعوام الـ15 المقبلة، سيتقاعد 42 في المائة من سكان ألمانيا الشرقية ممن هم في سن العمل الآن، أي أكثر بكثير من المعدل الوطني. “سيكون لذلك تأثيرات كبيرة في سوق العمل، وفي قدرة الشركات على توظيف عدد كاف من العمال الأكفاء، وكذلك في نظام التقاعد والرعاية الصحية. بحلول 2032 سيكون هناك شخص واحد في سن التقاعد مقابل كل شخصين في سن العمل”، وفقا للتقرير.
يقول هولتيمولر، “لا يمكن أن تنشأ الوظائف الجديدة إلا عندما يكون هناك عدد كاف من الأشخاص لشغلها. لكن عدد السكان في شرق ألمانيا يتناقص”.
إنها مشكلة أيضا يدركها سكان غوبن تماما. قبل بضعة أيام، جاء المسؤولون التنفيذيون من شركة روك تيك ليثيوم إلى البلدة حتى يبلغوا سكانها عن مشروعهم. كان استقبال السكان لهم لطيفا، لكن الشكوك كانت تجول في بال الجميع.
يقول غابي هارتمان، رجل متقاعد، “لا أستطيع أن أتخيل كيف سيجدون العمال الذين يحتاجون إليهم هنا – هذه مدينة تشيخ. جيلنا هو الغالب وقد أبحرت سفينتنا الآن”.
أما لوثار هوفنر، الذي عمل لمدة 40 عاما في مصنع الألياف الاصطناعية في غوبن، فقد أعرب عن سعادته باستثمار شركة روك تيك ليثيوم في البلدة. قال مبتسما، “إذا حدث شيء هنا مرة أخرى، فسيكون أمرا رائعا”.
لكنه لا يزال حذرا – فحكمته ولدت من التجربة. ساعد هذا الرجل البالغ من العمر 87 عاما على وضع اللبنات الأولى لمصنع غوبن للألياف في 1960، وبعدها بأكثر من 30 عاما، شاهد المصنع وهو يهدم. يقول إنه منذ ذلك الحين، “رأينا كثيرا من المستثمرين يأتون ويذهبون. لكن مشاريعهم تختفي مثل فقاعات الصابون”.
لكن العمدة فريد ماهرو كان أكثر تفاؤلا منه. قال، “فرشنا السجادة الحمراء لكثير من الناس في الماضي وعانينا بسبب كثير من الهزائم”. لكن الأمور مختلفة الآن. أضاف، “هذا أروع وقت أمضيته في غوبن”.[ads3]