صحيفة : إيران تبحث عن قتلاها في سوريا بتقنية الحمض النووي
منذ العام 2011 وقفت السلطات الإيرانية إلى جانب نظام بشار الأسد ومدته بالسلاح، كما قدمت أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية المشورة والمساعدة العسكرية من أجل الحفاظ على الأسد في السلطة، وتشمل تلك المساعدات التدريب والدعم التقني والقوات المقاتلة، إذ قامت بتأسيس قوات تعبئة رديفة لجيش النظام السوري عرفت باسم “الدفاع الوطني”، وعملت لاحقاً على تشكيل ميليشيات محلية واستقدام أخرى من خارج الحدود إلى جانب قواتها من الحرس الثوري.
وعملت إيران بدأب على إسناد حليفها جالبة آلافاً من المتطوعين الشيعة من لبنان والعراق وأفغانستان للقتال في سوريا، وعندما تدخلت القوات الجوية الروسية خريف العام 2015 كانت طهران قد كثفت وجودها بإرسال قوات إيرانية خاصة إلى سوريا.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2013 كان عدد المقاتلين الإيرانيين في سوريا يقدر بما يقارب 10 آلاف مقاتل، ومنذ العام 2012 اتخذ “حزب الله” اللبناني أدواراً قتالية مباشرة بدعم من طهران، فقدم إلى جانب القوات الإيرانية العام 2013 دعماً أساسياً للأسد في المعارك الدائرة مع المعارضة، مما سمح للنظام بتحقيق تقدم.
وواجهت إيران تداعيات عدة بسبب تدخلها في الحرب السورية، لا على الصعيد الخارجي وحسب بل داخلياً أيضاً، إذ تصاعد الغضب الشعبي ضد سياسات إيران في ظل معاناة المواطن الإيراني بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي ضربت البلاد، وأرجعها المحتجون خلال تظاهرات 2018 إلى سوء إدارة زعماء النظام وأولوياتهم التي في غير محلها.
ومما أثار موجات السخط توارد أدلة تشير إلى أن كبار الزعماء بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي وحلفاؤه في الحرس الثوري الإيراني قد أعطوا الأولوية للأجندة التوسعية للنظام في الخارج على حساب الرفاه الاقتصادي للمواطنين، وكانت هناك هتافات ضد الإنفاق في سوريا من قبل المحتجين، وفضلاً عن الأبعاد السياسية لدعم إيران حكم بشار الأسد تساءل الإيرانيون عن الكلفة المالية لهذه الحرب.
في مطلع العام 2016 وصف مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي القتال الدائر في سوريا بأنه “حرب الإسلام على الكفر”، مشيراً إلى أن ما نعته بـ “باب الشهادة” قد فتح من جديد، وجاءت تصريحات خامنئي حينها على لسان الأمين العام لـمجلس صيانة الدستور أحمد جنتي في كلمة له خلال حفل تأبين 46 عسكرياً إيرانياً قتلوا خلال الاشتباكات بين قوات النظام السوري والمعارضة، بحسب ما نقلت وكالة “فارس” الإيرانية.
ونقل جنتي عن خامنئي قوله “إذا لم يذهب الشباب للقتال في سوريا فإن العدو سيهاجم إيران وسيستهدف مدينة كرمانشاه وغيرها من المناطق الحدودية”.
وأضاف خامنئي أن “باب الاستشهاد الذي أغلق بانتهاء الحرب الإيرانية – العراقية فتح مجدداً في سوريا، وأن الشباب طلبوا بإصرار السماح لهم بالذهاب إلى جبهات القتال، حيث يقاتل الإسلام فيها الكفر كما كان أيام الحرب الإيرانية – العراقية”.
وخلال السنوات الأخيرة تكرر سؤال من قبل الجماعات المعارضة للحكومة الإيرانية عن أعداد القتلى الذين يسقطون في سوريا، بخاصة أن سلطات طهران لا تنشر إحصاءات ومعلومات دقيقة عن عدد قتلاها.
ومن بين المرات النادرة كشف “الحرس الثوري الإيراني” عن هوية جثث خمسة من عناصره قتلوا خلال العمليات العسكرية التي شاركت فيها ميليشياته إلى جانب قوات النظام في ريف حلب.
وقال “الحرس الثوري” في بيان أصدره في الـ 31 من يوليو (تموز) الماضي إنه “حدد هوية جثث خمسة قتلى قضوا خلال معارك في محور خان طومان بريف حلب”، وبحسب العلاقات العامة للحرس الثوري فإن هؤلاء “دافعوا عن مرقد خان طومان من محافظات مازندران وفارس والبرز، وتم التعرف على هويتهم من خلال مطابقة عينات الحمض النووي”.
وأشار البيان إلى أن جثثهم أعيدت إلى إيران لترسل بعدها إلى مدينة مشهد ثم إلى مساقط رؤوسهم لتشييعهم، مع التزام بالتوصيات الصحية الخاصة بالوقاية من فيروس كورونا.
ومنذ أن بدأت إيران أولى عملياتها للبحث عن قتلاها المفقودين في سوريا عام 2016 تقريباً، تستخدم تقنيات اختبار مطابقة الـ “دي إن آي”، وتتوالى الأخبار كل فترة عن التعرف إلى مجموعة جديدة من عناصر “فيلق القدس” الذين قتلوا في سوريا، بخاصة في منطقة خان طومان التي خسر فيها “الفيلق” عشرات العناصر، ولم يعد منهم سوى عدد قليل إلى إيران.
وتعد معركة بلدة خان طومان في ريف حلب من أبرز المعارك التي خاضتها قوات المعارضة ضد القوات الإيرانية و”حزب الله” وقوات النظام السوري في السادس من مايو (أيار) عام 2016، واكتسبت تلك المعركة شهرة في وسائل الإعلام الإيرانية ورددها كثير من المسؤولين الإيرانيين خلال تصريحاتهم ومناقشاتهم الداخلية، مستخدمين مصطلحات عدة لوصفها كـ “مهلكة خان طومان” أو “الكارثة” أو “كربلاء إيران في سوريا”.
ويشار إلى أنه وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” حينها فقد سقط خلال نهار واحد أثناء تلك المعركة 20 قتيلاً بينهم 13 مستشاراً إيرانياً، لتكون تلك الخسائر البشرية الأكبر التي تتكبدها طهران في يوم واحد منذ دخولها ساحة الحرب في سوريا.
هذه المعركة دفعت وبحسب وسائل إعلام رسمية إيرانية قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى الذهاب لجبهات ريف حلب الجنوبي مباشرة، وتحركت الدبلوماسية الإيرانية بقوة لشرح ما جرى من وجهة نظرها، إذ نفى حسين أمير عبداللهيان، وكان مساعد وزير الخارجية الإيراني وقتها، وجود قوات إيرانية مقاتلة أو وحدات خاصة في سوريا.
وقال في تصريحات لوكالة أنباء روسية إنه “لا يوجد جنود إيرانيون في الأراضي السورية، ولدينا فقط بطلب من الحكومة السورية مستشارون عسكريون من الحرس الثوري، متخصصون في مكافحة الإرهاب، ومن يحارب في سوريا هو الجيش السوري”.
وشنت المعارضة السورية بعدها حرباً نفسية على الإيرانيين بنشره مقاطع فيديو وصوراً على مواقع التواصل الاجتماعي لما بدا أنها جثث إيرانيين ومسلحين شيعة، وإلى جانبها حافظات نقودهم الشخصية وأوراق هوياتهم وعملات إيرانية.
هذه اللقطات دفعت الحرس الثوري الإيراني إلى إصدار بيان في اليوم التالي يحث فيه المواطنين على عدم التأثر بهذه “الحرب النفسية” التي يشنها المقاتلون الإسلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي اليوم التالي أيضاً لمعركة خان طومان عقد علي أكبر ولايتي اجتماعاً في دمشق مع الأسد الذي استمع إلى تطمينات إيرانية باستمرار الدعم له، ونقلت وكالة أنباء “فارس” عنه قوله إن إيران “تستخدم كل طاقتها لمحاربة الإرهابيين الذين يرتكبون الجرائم ضد الشعوب المضطهدة في المنطقة”.
ولم تكن منطقة خان طومان ساحة لمعركة واحدة خسر فيها “فيلق القدس” عشرات العناصر دفعة واحدة في العام نفسه، إذ يقول المدير الثقافي لميليشيات فاطميون زهير مجاهد عام 2018 إن عن عدد قتلى وجرحى ميليشياته وحدها في سوريا “ألفا قتيل و8 آلاف جريح”، وهذا الرقم يظهر الفاتورة العالية التي تحملتها إيران في سوريا تحت حجة “الدفاع عن الحرم”. (independentarabia)[ads3]