دويتشه فيله : العمل ورعاية الأطفال .. معادلة صعبة بالنسبة للأمهات في ألمانيا

ينظر كثيرون خارج ألمانيا إلى نظام رعاية الأطفال في أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي باعتباره في متناول الجميع ولا يمثل مشكلة أمام عمل الأمهات والأباء، بيد أن الواقع يشير إلى أن الأمهات يجدن صعوبة في تحقيق التوازن بين العمل ورعاية الأطفال.

وترى ناشطات أن نظام العمل الحالي يبدو وكأنه مصمم لإبعاد الأمهات عن سوق العمل.

فعلى الرغم من أن الحكومة ملزمة قانونيا بتوفير خدمات رعاية للأطفال فوق الثلاثة أعوام، إلا أن يوليا، وهي أم شابة تقطن في قرية بجنوب شرق ألمانيا، تقول إن قريتها “يوجد بها 40 طفلا ليس لديهم مكان في دور رياض الأطفال”.

وأضافت “الحكومات المحلية لا تعلن عن وظائف ولا تجعل العمل في دور رياض الأطفال مجزيا وهناك ازدحام وفي حالة مرض أحد الموظفين أو حتى استقالته فإن هذه العائلات تعاني كثيرا”.

وأضافت يوليا، وهي مدرسة في عامها الـ 38، “إذا لم تتمكن الأم من العثور على مربية أو مكان للرعاية أطفالها خلال النهار وأوقات العمل، يمكنها في هذه الحالة مقاضاة الحكومة المحلية، لكن لا يرغب معظم الأشخاص في الانخراط في مثل هذه الضغوط”.

بدورها، تؤكد سوزانه كوغر، خبيرة رعاية الأطفال في معهد الشباب الألماني، على أن عددا قليلا من العائلات “تقاضي الحكومات، لكن الكثير من العائلات تختار بدلا عن ذلك دفع ثمن كبير لدور رياض الأطفال الخاصة أو استقدام مربية أو حتى إرسال الأطفال إلى الأجداد لرعايتهم”.

وفي حالة عدم توافر مثل هذه الخيارات، وفقا لكوغر، فإنه يتعين على الأب أو الأم تقليل ساعات العمل أو استمرار في أجازة رعاية الطفل، مضيفة أن الأم في كثير الأحيان تتحمل العبء الأكبر.

الجدير بالذكر أن المعهد الألماني لأبحاث سوق العمل والتوظيف أعلن أن عدد الوظائف الشاغرة في سوق العمل الألماني بلغ مليون وظيفة عام 2022، فيما طُرحت فكرة تتمثل في ترقية بعض ممن يعملون بدوام جزئي والبالغ عددهم 11 مليونا، تشكل النساء منهم نسبة 80 بالمائة، للعمل بدوام كامل، بيد أن العقبة الرئيسية تتمثل في رعاية الأطفال.

وقد أفاد معهد الشباب الألماني في دراسة عام 2020 بأن 49٪ من الآباء والأمهات ممن لديهم أطفال أقل من ثلاثة أعوام يؤكدون أنهم في حاجة إلى الحصول على سبل أو خدمات لرعاية أطفالهم مثل دور رياض الأطفال فيما قالت 24٪ فقط من العائلات أنها قادرة على تأمين ساعات محددة لحصول أطفالهم على خدمات الرعاية.

وذكرت الدراسة أن الأسر التي لديها أطفال فوق سن الثلاثة أعوام فإن 97 بالمائة منها ترغب في الحصول على خدمات لرعاية أطفالهم فيما تؤكد الأسر التي استطاعت توفير كافة سبل رعاية أطفالهم أن الأب أو الأم قد اضطر إلى العمل بدوام جزئي.

وفي ذلك، قالت يوليا إن الأم هي من يضطر إلى تقليص ساعات العمل، مضيفة أن الأمر “يعد غاية في الصعوبة خاصة في حالة عدم وجود بدائل مثل إمكانية رعاية الأجداد للاطفال”.

وأوضحت ألكسندرا يانرت من معهد الشباب الألماني (DJI) أن المشكلة أكثر خطورة بالنسبة للأسر المهاجرة، التي لا تمتلك شبكة الدعم الاجتماعي هذه. وقالت: “إن نظام تسجيل الأطفال للرعاية معقد، وعادة ما يكون متاحًا فقط باللغة الألمانية البيروقراطية المعقدة، وغالبًا ما يكون هناك نقص في الدعم للعائلات التي ليس لديها بعد دراية كافية بعمل عمل مكاتب الحكومة الألمانية”، مضيفة أن شبكة القوانين والفرص المختلفة عبر 16 حكومة ولاية مختلفة وعدد لا يحصى من الحكومات البلدية جعلت الحواجز أمام المهاجرين أعلى.

وتابعت يانرت أن القواعد المنظمة لخدمات رعاية الأطفال على مستوى البلاد تمثل عقبة أمام الأسر المهاجرة، فيما تتفاوت أسعار خدمات رعاية الأطفال، فقد تكون مرتفعة في بعض المدن وقد تكون مجانية في مدن أخرى. وقالت إن هناك “حلقة مفرغة” بالنسبة للأمهات الأجانب والأمهات ذوات الأصل الألماني أيضا تتمثل في أن بعض دور رياض الأطفال تعطي الأولوية للأسر، حيث يعمل الأب والأم. وأكملت حديثها: “حسنًا، إذا لم تتمكن من العثور على مكان لرعاية الأطفال، فلا يمكنك الحصول على وظيفة أو العودة لوظيفتك القديمة”.

وكشفت دراسة أجرتها مؤسسة “برتلسمان” الألمانية عام 2020 أنه قبل وباء كورونا كان “إنجاب الأطفال يكلف الأمهات ما يصل إلى ثلثي دخلهن طوال حياتهن”.

و أرجعت الدراسة ذلك إلى انخفاض الأجور التي تحصل عليها الأمهات خلال أجازة الأمومة وإجبارهن على العمل بدوام جزئي أو ترك العمل بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بقانون ضريبي في ألمانيا يُعرف بـ “تقسيم الزوجية”، الذي بموجبه يمكن للأسر أن تدرج نفسها في فئات ضريبية مختلفة حيث يدفع أحد الزوجين – غالبا ما تكون الأم – أكثر بكثير من الآخر بهدف دفع ضرائب بمعدل أقل بشكل عام.

بيد أن هذا الأمر في نهاية المطاف يُرغم أحد الزوجين على الحصول على صافي دخل أقل شهريا فيما يرى كثيرون أن هذه المنظومة تشجع على البقاء في المنزل لرعاية الأطفال بدلا من إنفاق أموال كثيرة على خدمات رعاية الأطفال.

بدوره، يقول مارسيل فراتشر، الخبير الاقتصادي في صحيفة دي تسايت، إن هناك “دراسات علمية تُظهر أنه لا توجد في أي بلد آخر في الاتحاد الأوروبي، باستثناء بلجيكا، منظومة ضريبية لها مثل هذا التأثير السلبي على عمل المرأة”.

تكشف الدراسات أن فرص حصول الأمهات على العمل أقل من الآباء فيما تقل فرص حصولهن على فرص للعمل لساعات طويلة، ما يؤثر على قيمة مدفوعات المعاشات التقاعدية، ما يعني حصلوهن على معاشات ذات قيمة متدنية في سن التقاعد.

وقال المعهد الاقتصادي الألماني إن 69٪ من الأمهات اللائي لديهن أطفال دون سن 3 سنوات لم يلتحقن بسوق العمل في عام 2021، رغم أن نسبة 27٪ فقط كن يرغبن في البقاء في المنزل فيما اضطرت 21 ٪ من النساء للعمل أقل من عشرين ساعة في الأسبوع.

وأرجع المعهد ذلك إلى عدم وجود خيارات كافية لرعاية الأطفال، فيما أكدت الدراسة على أن دور الأمهات في ألمانيا “قد تغير بشكل كبير على مدار العشرين عاما الماضية”.

وفي ذلك، دعت سوزانه كوغر إلى ضرورة تعزيز سبل رعاية الأطفال من أجل مساعدة الأمهات على العمل بدوام كامل، مضيفة “ينبغي أن يحصل العاملات والعاملون في دور رياض الأطفال على أجور أفضل. وينبغي تشجيع فئات أخرى للعمل في هذا المجال خاصة من حاملي المؤهلات العليا”.

وقالت إن ألمانيا “في حاجة إلى 600 ألف موظف وموظفة جدد للعمل في هذه الدور في السنوات المقبلة”، مؤكدة على ضرورة وجود إرادة سياسية لتعزيز المساواة بين الآباء والأمهات في سوق العمل. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها