أزمة الطاقة تحول أنظار ألمانيا إلى هذه الدولة العربية
أجرى الرئيس الألماني فرانك شتاينماير اتصالا هاتفيا مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، ثمن من خلاله الرئيسان مستوى العلاقات التي تربط البلدين، كما بحثا العديد من المسائل والملفات الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وجاء التعاون في مجال الطاقة في صدارة محتوى الاتصال بين الرئيسين الأربعاء، إذ يظهر أن أزمة الطاقة التي تمر بها أوروبا وخصوصا ألمانيا نتيجة تداعيات الحرب الأوكرانية وتوقف الغاز الروسي دفعت برلين لتحويل أنظارها إلى الغاز الجزائري.
وأولت الجزائر أهمية لافتة لهذا الاتصال، واعتبرته إنجازا ديبلوماسيا رغم أن وظيفة وصلاحية الرئيس الألماني فخرية، ولا يمكن أن تكون ذات صبغة رسمية أو تنفيذية، لأن المستشار هو الفاعل الحقيقي في القرار السياسي والاقتصادي في ألمانيا.
ويؤكد الاتصال رغبة الجانب الألماني في البحث عن مصادر تموين بالطاقة لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية على غرار اتفاقية زيادة الغاز الجزائري إلى إيطاليا وجهود رفع الإمدادات إلى فرنسا بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى الجزائر في أغسطس الماضي.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية نشرته على صفحتها الرسمية في فيسبوك، بأن “رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون تلقى مكالمة هاتفية من رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك شتاينماير، هنأه فيها بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر، معربا عن ارتياحه لمستوى العلاقات الجيدة التي تربط البلدين”.
وأضاف “تناول الرئيسان سبل تعزيز هذه العلاقات وتوسيعها إلى كل المجالات وتكثيف الاستثمار في كل الميادين، لاسيما الطاقة، الطاقات المتجددة، الصناعة الميكانيكية، البناء، التبادل الثقافي، التعاون الصحي، ومنه إنجاز المستشفى الجزائري القطري – الألماني، كما اتفق قائدا البلدين على ضرورة عقد اللجنة المشتركة للتعاون، في أقرب وقت ممكن”.
ولفت إلى أن “الرئيسين استعرضا قضايا إقليمية ودولية، ذات الاهتمام المشترك، على غرار الوضع في منطقة الساحل، وبالأخص في مالي، وضرورة إيجاد حلول سلمية في ليبيا، تكون عبر الانتخابات، كما عبر الرئيس الألماني عن تأييد ألمانيا ومساندتها لدور المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية، شاكرا دور الجزائر في تثبيت السلم والاستقرار، في المنطقة وفي عموم أفريقيا”.
وبغض النظر عن وزن الملفات المتداولة بين الرئيسين في الشأن الألماني الذي تحكمه المستشارية، فإن المصالح المشتركة تدفع بالبلدين الى تفعيل علاقاتهما الثنائية، فالجزائر تريد من جهتها التخفيف من الموقف الألماني الداعم للمقاربة المغربية في نزاع الصحراء، وألمانيا التي تعتبر أكبر مستهلك أوروبي للغاز الروسي، تريد تأمين حاجياتها في ظل أزمة الطاقة التي أفرزها الصراع الروسي – الغربي في أوكرانيا.
ويبقى القرار بيد المستشار الألماني أولاف شولتس الذي يملك صلاحية تفعيل علاقات وتعاون بلاده مع الخارج، فيما تعتبر الجزائر أن الرئيس الألماني الفخري بإمكانه الحسم في مختلف الملفات، بحسب بيان الرئاسة الذي استعرض قطاعات بعينها، بما فيها ملف الصحراء المغربية، وهو ما يريد تسويقه كإنجاز ديبلوماسي.
وكان تبون قد مكث قرابة الثلاثة أشهر بألمانيا العام 2020، بعد رحلة علاجية في أحد المستشفيات الحكومية، وهو ما ساهم في استمرار التواصل والمجاملات بين الرئيسين، وتم الاتفاق بين البلدين على تشييد مستشفى في الجزائر بمعايير عالمية بمساهمة ألمانية – قطرية.
ويعود آخر تواصل ديبلوماسي بين البلدين الى شهر يونيو الماضي، لما أدت مساعدة وزير خارجية ألمانيا كاتيا كيول زيارة إلى الجزائر التقت فيها بمسؤولين حكوميين ومنتخبين، وبحثت معهم مختلف القضايا والملفات المشتركة.
وذكر المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) بأن “نائب رئيس الهيئة التشريعية استعرض مع نائبة وزير الشؤون الخارجية الألماني سبل تطوير علاقات البلدين في مختلف المجالات، وبحثا سبل توطيد أواصر الصداقة والشراكة بين البلدين في مختلف مجالات التعاون، وتم التأكيد على ضرورة تعزيز العلاقات البرلمانية بين البلدين وتبادل الزيارات والخبرات، خاصة بعد تنصيب مجموعة الصداقة الجزائرية – الألمانية”.
وأضاف بأن “الجزائر تسعى لخلق مناخ اقتصادي محفز للاستثمار يجسده حاليا مناقشة مشروعي قانوني المناطق الحرة والاستثمار، وأن هذين النصين سيفتحان آفاقا جديدة لترقية الاستثمار تحقيقا لمسعى رئيس الجمهورية بجعل سنة 2022 سنة اقتصادية بامتياز”.
وأعرب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني فيطس بلكحل عن أمله في “زيادة حجم التبادلات التجارية بين البلدين وترقية الاستثمار الألماني وتفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة الجزائرية – الألمانية”.
كما نوهت كيول بـ”عمق واستقرار العلاقات ومستوى التعاون بين البلدين، وعن دور القرب الجغرافي بين البلدين في فرض حتمية تقوية هذه العلاقات وتوطيدها، وعن سعادتها بإمضاء اتفاقية التبادل العلمي والثقافي بين البلدين، وعن ارتياحها للاهتمام بتعليم اللغة الألمانية في الجزائر، وأن بلادها ستعمل على توسيع علاقتها مع الجزائر في مجال الطاقة وبالأخص في الطاقات المتجددة”.
ويبقى مشروع “ديزرتيك” للطاقة الشمسية المعطل بين الجزائر وألمانيا، لأسباب متعددة ولا يستبعد منها دور فرنسي في إجهاضه بحسب روايات سياسية جزائرية، أحد أبرز معالم التعاون الواعد بين البلدين، ويتردد في الدوائر الرسمية الجزائرية إمكانية بعثه من جديد ولو بصيغة أخرى، خاصة وأن البلد يبحث عن فرص تثمين الطاقات المتجددة والنظيفة.[ads3]