ألمانيا تناهض عقوبة الإعدام و تكافح من أجل حظرها في العالم
“أشعر بسعادة بالغة ومشاعري تجعلني عاجزة عن التعبير”، تقول دبرا ميلك، التي قبعت في السجن، بولاية أريزونا الأمريكية، طيلة 22 عاما، وكانت تنتظر خلال تلك المدة تنفيذ عقوبة الإعدام بحقها، لكنها تقف الآن هنا في برلين والحضور يصفق لها بحرارة.
تبلغ دبرا ميلك من العمر 58 عاما وتحدثت في المؤتمر العالمي الثامن لمناهضة عقوبة الإعدام في العاصمة الألمانية، الذي يشارك فيه العديد من الوزراء والوزيرات من مختلف أنحاء العالم. وتقول ميلك: “حين كنت في السجن لم أكن أعرف أن هناك أناسا يكافحون من أجل إلغاء عقوبة الإعدام”. والآن هي نفسها جزء من هذه الحركة المناهضة لعقوبة الإعدام.
ومنظمة “معا ضد عقوبة الإعدام” “Ensemble contre la peine de mort” هي صاحبة المبادرة لعقد هذا المؤتمر الذي يدوم عدة أيام. وقد ساهم بنفس القدر وزير العدل الألماني ماركو بوشمان وزميلته وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في تنظيم وعقد هذا المؤتمر الذي يشارك فيه ممثلو 125 دولة.
يدافع بوشمان وبيربوك بقوة ويبذلان كل جهودهما من أجل حظر وتجريم عقوبة الإعدام حول العالم. فهذه العقوبة “تناقض الفهم الحديث للإنسانية وكرامة الإنسان، ولا ينبغي أخذ حياة مقابل حياة”، بحسب بيربوك. ولا تزال هناك 80 دولة حول العالم تسمح قوانينها بعقوبة الإعدام، و50 دولة منها تنفذ هذه العقوبة. وقالت بيربوك خلال المؤتمر: “نرى بقلق بالغ كيف أن أنظمة استبدادية تستخدم عقوبة الإعدام لقمع المعارضة السياسية بشكل متزايد”، مضيفة أنه يتم استخدام هذه العقوبة ضد الأشخاص، الذين يريدون فقط التعبير عن آرائهم أو مشاعرهم.
ولم تمض سوى 15 دقيقة على بدء المؤتمر أعماله، حتى جاء ذكر إيران. كما أشارت الوزيرة الألمانية إلى بيلاروسيا والصين. وقبل انطلاق المؤتمر بيومين فقط أي يوم الأحد (13 تشرين الثاني/ نوفمبر) أعدمت إيران أحد المشاركين في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ موت الشابة جينا مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر الماضي. وذكرت بيربوك أن إيران على سبيل المثال، وفقا لبيانات منظمة العفو الدولية، تعدم مئات الأشخاص كل عام، مضيفة أن تلك الإعدامات تطال أيضا أعضاء مجتمع الميم. وأشارت بيربوك إلى أن الصين لا تنشر أرقاما، لكن منظمات حقوق الإنسان تقدر أن هناك الآلاف من عمليات الإعدام التي تُنفذ في الصين كل عام.
بدوره أشار وزير العدل الألماني، ماركو بوشمان، خلال المؤتمر إلى أن الحكومة الألمانية تسعى إلى إلغاء عقوبة الإعدام حول العالم وتعمل من أجل ذلك. وأوضح أن هذه العقوبة يتم فرضها بالدرجة الأولى من قبل الأنظمة الديكتاتورية ذات الطابع الاستبدادي أو الديني، أما بالنسبة للأنظمة الديمقراطية فإنها شيء “غريب”، وأضاف بأن تنفيذ هذه العقوبة “ينطوي دائما على خطر الإخلال بالعدالة، وهو ما لا يمكن إصلاحه فيما بعد”.
مثالٌ على ذلك الخطر دبرا ميلك، التي تشارك في المؤتمر. إنها ابنة جندي أمريكي سابق، ولدت في برلين وقبعت في السجن لسنوات بالولايات المتحدة تنتظر تنفيذ حكم الإعدام بحقها. فبعد مقتل ابنها في ديسمبر/ كانون الأول 1989، تم الحكم عليها في أكتوبر/ تشرين الأول 1990 بالإعدام.
وفيما بعد أثيرت شكوك حول اعترافاتها، حيث حقق معها محقق سيء السمعة معروف بأساليبه. ورغم ذلك فإنها كادت أن تعدم عام 1998 بحقنة سامة. لكن محاموها استطاعوا وقف تنفيذ الحكم، حين كان طبيب ينظر إلى عروقها ليحقنها بالحقنة السامة. بعد ذلك تم فتح ملف القضية من جديد وتمت إعادة محاكمتها، وهي منذ عام 2013 طليقة تتمتع بحريتها وقد نجت من الإعدام.
وقالت ميلك خلال مؤتمر برلين “شكرا لالتزامكم… شكرا. رجاء لا تتوقفوا”. وبعد التصفيق بحرارة لها من قبل الحضور، أعلن مدير الجلسة أن 20 شخصا ممن حكم عليهم بالإعدام، وبعضهم بقوا لسنوات طويلة في السجن، لكن فيما بعد أعلنت براءتهم، “يشاركون في المؤتمر ويجلسون في هذه القاعة”، ثم ناشد هؤلاء الوقوف. وحين وقفوا صفق لهم الحضور بحرارة وبدأ البعض بالصفير والصياح فرحا واحتفالا بهؤلاء العشرين الذين نجوا من عقوبة الإعدام. ولكن لا يزال هناكأكثر من 30 ألف شخص حول العالم يقبعون في السجن منتظرين إعدامهم، حسب ما أعلن مدير الجلسة.
وفي تقريرها السنوي الأخير حول عقوبة الإعدام، أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها من تزايد عمليات الإعدام والحكم بعقوبة الإعدام، وخاصة في إيران والسعودية. وقد وثقت المنظمة 579 عملية إعدام على الأقل خلال عام 2021 في 18 دولة، مشيرة إلى أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. كذلك أعرب وزير العدل الألماني عن قلقه لهذه الزيادة.
لكن رغم ذلك تأتي إشارات مشجعة من دول في القارة الأفريقية تشير إلى تحركات باتجاه إلغاء عقوبة الإعدام. وقد أعلن ممثلو ليبيريا وزامبيا وسيراليون في المؤتمر عن إجراءات قانونية لإلغاء هذه العقوبة القصوى، وهو ما أثنت عليه وزيرة الخارجية الألمانية.
وقال وزير خارجية ليبيريا، إن قرار بلده حازم وثابت، وإن الإجراءات تتقدم. في حين أعلن وزير العدل الزامبي أن بلاده تريد أن تكون الثانية في “حركة إلغاء عقوبة الإعدام العالمية”، وقال إنه متفائل بأن ذلك سيتم بنجاح حتى نهاية العام الجاري. ومن جانبه قال وزير عدل سيراليون إن بلده ألغى عقوبة الإعدام عام 2021، وأضاف بأن عقوبة السجن المؤبد محدودة بـ 25 عاما.
كما يشارك في المؤتمر ممثلو دول تجد حكوماتها صعوبة في اتخاذ قرار وتبرير موقفها، مثل طاجيكستان ومالاوي. بعد ذلك تحدث الإيرلندي إيمون غيلمور، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون حقوق الإنسان منذ عام 2019، وأكد أن الهدف هو إلغاء عقوبة الإعدام مهما كانت الظروف وبدون استثناء، وقال “يمكن أن نساعد في تجاوز العقبات أو الصعوبات”.
واختتم المسؤول الأوروبي كلمته بما أشارت إليه دبرا ميلك، وقال: “نعم لن نتوقف ولن نتخلى عن هذا لالتزام، إنه أمر لا رجعة فيه وجزء أساسي من سياسة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان. (DW)[ads3]