اغتيال البلعوس و انتصار الوطن على النظام !

اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، قائد ومؤسس حركة «شيوخ الكرامة» في جبل العرب، قد يكون حلقة أخرى في مسلسل جرائم نظام الأسد و «ضربة معلّم» موجعة لمعارضي هذا النظام وجرائمه في الجبل. فهي إصابة في موقعين مفصليين/ في رأس المعارضة الصريحة المنظمة عسكرياً ولوجستياً وإصابة في نسيج العلاقات الداخلية في السويداء والطائفة العربية التوحيدية خاصة بين الفئات الشعبية وبين تلك الوسطى المرتبطة بحبل سرّتها بالنظام وقوامها ضباط حاليون وسابقون في أجهزة الأمن والجيش وعائلات حائزة على امتيازات اقتصادية وتجارية واحتكارات محلية بتفويض النظام وأجهزته.

لكنها في الوقت ذاته قد تتحوّل إلى موضع متاعب لا تنتهي للطاغية. هذا، علماً أن النظام استطاع أن يشدّ إليه بقوة عبر عقود هذه الطائفة التي تعتبر نفسها وبكثير من الحق مُساهِمة أساسية فــــي استقلال سورية وأن لها فضلاً على أي نظام يجلس في دمشق. وشدّ الأقليات إلى مؤسسات الحكم أمر «طبيعي» لنظام تطوّر من الفكرة «العروبية» أو تلك «الوطنية» إلى نظام أقلّوي غير قادر على الحكم إلا بدعم قوى خارجية هي إيران وروسيا و «حزب الله».

بمعنى أن الاغتيال لا يحصل فقط ضمن سياق الحرب الأهلية والثورة ضد نظام مستبدّ قمعي بل ضمن علاقات تاريخية مركّبة بين النظام في دمشق والطائفة التوحيدية الموالية له كجزء من ولائها للوطن والدولة والمؤسسات. فالتفاعلات التي قد تنتج عن الاغتيال قد تجد لها ما يصدّها أو يوازيها في الشق الثاني من تجربة هذه الجماعة وتاريخ العلاقة مع مركز الحُكم في دمشق. فانطلاق الأوساط الشعبية بمهاجمة مراكز أمنية ومؤسسات النظام للاستيلاء عليها سيوازيه كابح درء الاقتتال الداخلي في السويداء ومحافظتها، وهو النهج الذي كرّسه قائد شيوخ الكرامة المغدور البلعوس منذ انطلاق حركته في 2012 وتشجيعه رفض الخدمة في جيش النظام.

ليس في الجبل متسع للفتنة ولا متسع للاقتتال الداخلي بين مؤيدين للنظام وموالين للطاغية أو مخابراته وبين حركة شيوخ الكرامـــة وأنـــصارها من الأوساط الشعـــبية والمـــعارضـــة للنظام، هذه هي حقيقة الوضع على الأرض. ومع هذا، وإن اتســم الوضع الآن بحرج في أوساط الموالين للنظام الذين رأوا يده الملــطخة بدماء مئات آلاف السورييـــن تمتدّ مرة أخرى إلى شيخ حرّ من صُـــلبهم، وكانت امتدت من قبل خيانة وغـــدراً إلى شيوخ آخرين مع بداية الـــثورة أبدوا تململاً من قبضة النظام ومن قمعه وفِتَنِه! لا يُمكننا التخفيف من أثر هذا الحرج لكننا لا نستطيع المراهنة عليه والذهاب في اعتقاد أنه سيغيّر موازين القوى! بل سيظلّ الوضع في الجبل إلى حين متأثراً في شكل أساسي من موقف القيادات الروحية والفئات المرتبطة بالنظام التي تميل، ولو من قبيل درء الفتنة التي أرادها النظام الذي يرتبطون به، وتجنيب الأهل اقتتالاً داخلياً في حين أن الحرب الحقيقية في الجبل لم تقع بعد!

فـ «داعش» على مشارف المحافظة والسيولة في الجوار تنبئ بعظائم الأمور. ومن هنا إصرار كل القوى بما فيها شيوخ الكرامة على توجيه كامل المقدّرات والموارد المحدودة أصلاً لمواجهة المرحلة المقبلة خاصة وإن النظام أدار ظهره للجبل وأهله بمن فيهم المرتبطون به والموالون له وأخبرهم أنه يتركهم لمصيرهم. كان هذا بعد اشتراط الدعم والتجهيز بإرسالهم نحو 27 ألف مجنّد تخلّفوا عن الخدمة في الجيش ورفضوها.

في واقعة تاريخية يرويها دروز الجبل والشرق الأوسط عامة أن نواف غزالة وهو مزارع من قرية مَلَح في جبل العرب لحق بأديب الشيشكلي آلاف الأميال إلى البرازيل وقتله انتقاماً بعد تجرُّؤ الأخير على قصف الجبل بالطائرات وارتكاب المجازر بحقّهم محاولاً انتزاع تأييدهم لانقلابه. وهي رواية حقيقية ذات دلالة كبيرة يتربى الطفل الدرزي عليها ويسمعها في أهازيجهم. وأقدّر أن في الجبل أكثر من نوّاف واحد يفكّر الآن بكيفية تقصي أثر الطاغية الدمشقي على رغم أننا في زمن مغاير للنظام وطاغيته. ومع هذا، لا أنصح أحداً يشطب هذا الاحتمال من دائرة حساباته. هذا رغم أن من عادة الطُغاة أن يعتقدوا أنهم يمتلكون كامل السيطرة على المكان والزمان والتفاصيل والوقائع وأن جرائمهم مُحكمة تماماً.

نرجح أن اغتيال الشيخ البلعوس ورفاقه في الجبل سيوسّع قاعدة معارضي النظام ويقوّي شوكتهم في المرحلة المقبلة وسيُكسب حركة «شيوخ الكرامة» التفافاً شعبياً إضافياً خاصة بين رجال الدين في الريف والجيل الشاب والمثقفين المستقلين. وسنرى تعاطفاً عابراً للمعسكرات والتأطيرات لأننا لن نجد في هذه المرحلة شخصية واحدة تدافع عن جريمة النظام سوى بعض الذين يعيشون خارج الجبل أو في محميات «حزب الله» في لبنان.

ونرجح أيضاً أن حركة شيوخ الكرامة ستحظى بدعم درزي من خارج الجبل ومن قوى إقليمية معنية بسقوط النظام الدموي. بمعنى أن الاغتيال سيتحوّل في منظور وإرادة ومشاريع قوى محـــددة إلى منعطف للثورة يؤشّر على تمدّدها من جديد لتحقيق انتصار الوطن على النظام (هذا هو ملخّص خطاب الشيخ البلعوس وحركته) لكننا لا نعتقد أن ردة الفعل هذه على الاغتيال ستتحول بسرعة إلى تطور كهذا وإن كنّا نعتقد أنها ستكون درساً مهماً للذين لا يزالون يراهنون على نظام ما أن يختلفوا معه حتى يُرسل لهم الموت المتنوع الأشكال!

مرزوق الحلبي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. عن أي منعطف للثورة يتحدث كاتب المقال ؟ فالنظام قد زرع في كل منعطف في طول سوريا وعرضها لصوص منتفعين وفاسدين ومفسدين وانتهازيين ووصوليين وانتقى من كل مزبلة عائلية أو دينية أو طائفية أو ريفية أو مدنية أو مناطقية أقذر صفيحة من زبالتها ليضعه على المنعطفات تلك وذلك من أيام المقبور المؤسس حافيييييييظ الذي أسس فعلا ما يسمونه منحبكجيته الحمير (سورية الحديثة) المبنية على الوصولية الصرفة والانتهازية القذرة والفساد الغير مسبوق والخالية من أية أخلاق أو أعراف أو دين مقابل تأليه المقبور وعبادته والرقص في احتفالاته إلى أن وصلنا إلى هذه المرحلة حيث يسقط الرجال الأبطال شهداء واحدا تلو الآخر برصاص ومفخخات الأهبل دون أن يجدوا من يحمل المشعل بعدهم ليتابع مسيرتهم أو ينتقم لقتلهم ….. لو عادت عجلة الزمان إلى الوراء فهل كان سيخرج الرعيل الأول من خيرة الشهداء بصدورهم العارية يتحدون إجرام الأهبل ونظامه بعد أن تيقنوا أن لا أحد سيتابع مسيرتهم ونضالهم على الأقل كما كانوا هم يتمنون ويعتقدون ؟