نقص أسرة و مستشفيات في خطر .. هل تعاني ألمانيا من أزمة في قطاع الصحة ؟

حذر أطباء العناية المركزة في ألمانيا من أن وحدات طب الأطفال في المستشفيات في البلاد قد تصل إلى نقطة الانهيار جزئياً بسبب ارتفاع حالات التهابات الجهاز التنفسي بين الأطفال، وسط نقص “كارثي” في أسرة الأطفال والممرضات، مما يؤدي إلى ضغوط حرجة في المستشفيات، وفقاً لما نقلته صحيفة “غارديان” البريطانية.

وقالت جمعية العناية المركزة DIVI، مطلع الشهر الجاري، إن الارتفاع الموسمي في حالات الفيروس المخلوي التنفسي RSV (فيروس شائع ومعدٍ للغاية يصيب جميع الرضع والأطفال الصغار تقريباً في سن الثانية، ويمكن أن يصاب بعضهم بمرض خطير) وإن مسحاً حديثاً أظهر أن في جميع أنحاء البلاد أقل من 100 سرير أطفال مجاني وإن الوضع قد يزداد سوءاً.

وإلى جانب نقص الأسرّة والطواقم الطبية والتمريضية، حذر وزير الصحة الألماني كارل لوترباخ في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي من أن بعض المستشفيات الألمانية قد تفلس بسبب أزمة الطاقة والتضخم. وقال: “إذا لم نتفاعل بسرعة وبشكل جذري أيضاً سنضطر إلى الإغلاق”، مضيفاً أنه سيتفاوض مع وزير المالية بشأن مزيد من المساعدات الحكومية للمستشفيات.

ناقوس خطر حقيقي

تدفع موجة من أمراض الجهاز التنفسي الحادة نظام الرعاية الصحية الألماني إلى أقصى حدوده، مع الوضع الحاد بشكل خاص في المستشفيات وعيادات الأطفال، يقول الخبراء إنه مع وجود نحو 9.5 مليون شخص يعانون من أمراض الجهاز التنفسي الحادة، فإن نظام الرعاية الصحية في ألمانيا يُدفع إلى أقصى حدوده وباتت المستشفيات على حافة الهاوية.

ونقلت الأناضول أقوال جيرالد جاس، رئيس مجلس إدارة جمعية المستشفيات الألمانية (DKG)، التي جاء فيها: “نحن نواجه حالياً وصول جميع مجالات الرعاية الصحية إلى حدودها”. وقال جاس إن الوضع في مستشفيات الأطفال على وجه الخصوص “مأساوي”. وأضاف أن الأطباء في ألمانيا استنفدوا قدراتهم وتعرضوا لمزيد من الإجازات المرضية.

وإلى جانب النقص الحاد في أعداد الأسرّة والنقص في الأدوية اللازمة للعلاج في العيادات الخارجية، فإن واحداً من بين كل 10 من موظفي المستشفى مريض حالياً، وفقاً لأرقام اتحاد المستشفيات قال رئيسها أن هذه “ظروف لا يمكن تحملها”.

ووسط اختناقات في التوصيل وزيادة الطلب عن المعتاد لإيجاد أدوية أساسية مثل مسكنات الألم في الأسابيع الأخيرة، إذ تقول السلطات إن البلاد تعاني من نقص حاد في أكثر من 50 دواء، قالت الحكومة الألمانية قبل أسبوع إنها ستسمح لشركات التأمين الصحي بدفع مزيد مقابل أدوية الأطفال التي تعاني من نقص المعروض في البلاد.

تهديدات بالإفلاس

هددت المستشفيات الألمانية بالإفلاس بسبب أزمة الطاقة والتضخم، ونادت بضرورة وجود نوع من “التمويل الخاص” للمستشفيات، على غرار الصندوق الخاص البالغ 100 مليار يورو لتطوير وتحديث الجيش الألماني. لكن الحكومة لا تريد “صندوقاً خاصاً” للمستشفيات، إذ رد لوترباخ قائلاً: “لا يمكننا إنشاء صندوق خاص لكل منطقة”.

وفي أعقاب مطالب جمعية المستشفيات الألمانية للحصول على مساعدة سريعة من السياسيين، بدأ المجتمع الألماني يخشى إغلاق عديد من المستشفيات. ووفقاً لجمعية المستشفيات الألمانية، فإن الفجوة التمويلية لتكاليف المواد والطاقة تصل إلى نحو 15 مليار يورو في عامي 2022 و2023، حسبما أوردته الأناضول.

وكانت معدلات التضخم ارتفعت في ألمانيا إلى ما يقرب من 11% في سبتمبر/أيلول، وأوضح المكتب الفيدرالي للإحصاء (Destatis) حينها أن معدل التضخم وصل إلى “ارتفاع تاريخي منذ إعادة توحيد ألمانيا”، وهي المعدلات التي لا تزال فوق عتبة الـ 10% حتى اليوم بسبب الزيادات الهائلة في أسعار منتجات الطاقة والغذاء. ما دفع كبار الاقتصاديين الألمان للتحذير من أن ارتفاع أسعار الغاز قد يدفع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي إلى الركود.

تدني الأجور ونقص الاستثمار

في الوقت الذي تشهد فيه دول أوروبية زيادة في الإصابات بالتهاب القصيبات الهوائية، كشفت وكالة الإحصاء الفدرالية الألمانية أن في المستشفيات حالياً 18 ألف سرير للأطفال في ألمانيا، انخفاضاً من 25 ألف سرير في عام 1995.

وفي هذا الصدد، قالت رئيسة قسم طب الأطفال وحديثي الولادة في المستشفى بياتريكس شميدت لوكالة الصحافة الفرنسية: “نحن نغرق” تحت سيل المرضى، مشيرةً إلى أن تسارع شيخوخة السكان فيها وتسجيلها معدلات خصوبة أطفالها أدنى من جيرانها الأوروبيين، استثمرت ألمانيا قليلاً في رعاية الأطفال. تابعت منتقدةً السياسيين: “أن الأطفال لا ينتخبون ولا نكسب المال من علاجهم”.

ويقول منتقدو السياسات الصحية في البلاد إن إصلاحات الرعاية الصحية التي تهدف إلى خفض التكاليف أضرت بشكل خاص برعاية الأطفال، فيما تكافح المهن الطبية لجذب وافدين جدد إلى القطاع الذي يتطلب غالباً ساعات عمل طويلة وفي أوقات غير متوقعة.

وعلى الرغم من أن ألمانيا تعتبر بلداً غنية، فغالباً تكون رواتب مقدمي الرعاية أقل من المطلوب لاستقطاب وافدين جدد إلى المهنة. وتقول شميدت: “في رأيي هم يتقاضون رواتب متدنية، إذ إنهم يعملون كثيراً في الليل وفي عطلات نهاية الأسبوع”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها