دويتشه فيله : العنصرية تهدد الديمقراطية في ألمانيا .. فكيف تكافحها الحكومة ؟

في تقديمها للتقرير السنوي الأول عن العنصرية في ألمانيا، قالت ريم العبالي-رادوفان، مفوضة الحكومة الفدرالية لمكافحة العنصرية، إن “العنصرية لم تعد مفهوما مجردا، لكنها حقيقة مؤلمة يتعرض لها الكثير من الناس مجتمعنا (الألماني)”.

وأضافت في معرض حديثها عن التقرير أن “(العنصرية) باتت تشكل تهديدا كبيرا للديمقراطية، حيث أنها تعد اعتداءً على الناس وكرامتهم الإنسانية التي يكفلها لهم الدستور”.

وشددت العبالي-رادوفان، التي تولت المنصب الذي تم استحداثه من قبل حكومة المستشار شولتس، على ضرورة تقديم الدعم بشكل أفضل للأشخاص الذين تضرروا من العنصرية، بالتوازي مع الإقرار بشكل أكبر في أنحاء البلاد حيال خطورة العنصرية البنيوية والتي تحدث بشكل يومي لوضع نهاية “لسنوات من التجاهل”.

وعلى الرغم من أن المفوضية الاتحادية للهجرة واللاجئين والاندماج تصدر تقارير ودراسات بشكل منتظم عن وضع المهاجرين وعائلاتهم في ألمانيا، إلا أن التقرير الذي كشفت عنه العبالي-رادوفان يعد الأول من نوعه ويرمي إلى سد الثغرات في هذه الدراسات باعتباره “أول تقرير شامل عن العنصرية في ألمانيا.”

وخلال إعداد هذا التقرير، قامت مفوضية مكافحة العنصرية بجمع دراسات قامت بها منظمات ذات صلة مثل المرصد الوطني للتمييز والعنصرية الذي يُعرف اختصار بـ “نا. دي. را.” الذي قام بإجراء خمسة آلاف مقابلة عبر الهاتف حول قضية العنصرية.

ولم تقتصر الدراسة التي قام بها المرصد على استطلاع آراء غالبية السكان الذين شملهم الاستطلاع، وإنما أيضا تضمنت الدراسة إجراء مقابلات مع فئات من المجتمع من المحتمل أنها تعرضت لتجارب عنصرية، وذلك من أجل الوقوف على آرائهم حيال هذه القضية. ويأتي ذلك على عكس الدراسات السابقة التي تكتفي باستطلاع آراء السكان.

وعلى الرغم من أن ألمانيا لا تمتلك حتى الآن تعريفا قانونيا يحدد العنصرية، إلا أن التقرير الذي كشفت عنه العبالي-رادوفان استخدم التعريف الذي قدمته دراسة حكومية صدرت قبل عامين حيال قضية الاندماج، وعرفت العنصرية باعتبارها: “الاعتقاد والممارسة التي تقوم على فكرة التقليل المنهجي لقيمة فئات معينة من السكان وإقصائهم وحرمانهم بما يشمل الزعم بأن هذه الفئات تُنسب إليها سلوكيات وخصائص قائمة على معايير بيولوجية وثقافية وغير قابلة للتغيير بهدف التقليل من شأنها”.

وأفاد قرابة 90 بالمائة ممن تم استطلاع رأيهم بأنهم يدركون خطورة العنصرية وأنها مشكلة في ألمانيا. فيما أفاد قرابة  22 بالمائة أنهم  تعرضوا لحوادث عنصرية بشكل شخصي.

يشار إلى أنه في عام 2022، سجلت السلطات 1042 جريمة عنف “ذات دوافع سياسية” حوالي 65 بالمائة كانت ذات طبيعة عنصرية. فيما ذكرت منظمات مستقلة أنها تلقت ما لا يقل عن 1391 مكالمة عن وقوع اعتداءات جسدية.

ويأتي التقرير الذي كشفت عنه العبالي-رادوفان في وقت تجدد فيه الجدل والنقاش حول الاندماج عقب سلسلة من أعمال عنف وشغب عشية رأس السنة في العاصمة برلين ومدن أخرى خاصة في مناطق ذات تعدد إثني.

وقد جدد مشاركة عدد كبير نسبيا من الشبان المهاجرين أو المنحدرين من الأصول المهاجرة في الأحداث الجدل حول سياسة الهجرة والاندماج في ألمانيا.

بدورها، قالت العبالي-رادوفان إن هذا الأمر أصبح ذريعة للتعبير عن افتراضات متحيزة حول أصول الأشخاص الذين قِيل إنهم استخدموا مفرقعات لمهاجمة الشرطة ورجال الإطفاء.

وأضافت أن “الجدل حيال ما وقع عشية رأس السنة الجديدة يُظهر أنه حتى في عام 2023 هناك حاجة إلى أن نتعلم كيفية إجراء نقاشات حول القضايا المجتمعية من دون دعم الصور النمطية العنصرية”.

وفي تصريحاتها، كانت العبالي-رادوفان حريصة على تسليط الضوء على أن العنصرية ليست فقط “جرائم عنف وكراهية” وإنما يدخل في إطارها الأنماط المستترة والخفية من التمييز والتحيز التي يُطلق عليها مصطلح “العدوان المصغر/ Mikroaggression”. وأضافت أنه يدخل في إطار العنصرية الإقصاء المنهجي من سوق العمل والعقارات ونقص التمثيل في دوائر السلطة وحتى عنف الشرطة وأشكال التمييز في المدارس أو في عيادات الأطباء.

وأكد التقرير على ضرورة عدم الخلط دائما بين العنصرية وكراهية الأجانب، مع ضرورة فحص حوادث العنصرية التي يتعرض لها الألمان السود والألمان المسلمون والألمان من أصول آسيوية واليهود والسنتي والروما كظاهرة بعينها.

وقالت “لا يجوز أن يكون احتمال دعوة مرأة ترتدي حجابا لإجراء مقابلة عمل، أقل بمعدل أربع مرات من احتمال دعوة امرأة أخرى تحمل اسما ألمانيا ولديها نفس المؤهلات”.

وأضافت العبالي-رادوفان أن استطلاعا قامت بها المفوضية كشف عن أن “ثلث من اُستطلعت آراؤهم قالوا إنه يجب تقييد هجرة المسلمين إلى ألمانيا فيما قال 27 بالمائ أن هناك مسلمين كثيرون يعيشون في ألمانيا”.

وفيما يتعلق بالعنصرية ضد السود، أفاد مشروع “Afrozensus” أن قرابة 886 شخصا ممن جرى استطلاع آرائهم عام 2020 قالوا إنهم “كانوا ضحية أو تعرضوا لمثل هذه الهجمات” فيما قال 74,1 بالمائة ممن أبلغوا عن تعرضهم لحوادث عنصرية بأنهم غير راضين عن طريقة تعامل السلطات مع الشكاوى التي تقدموا بها.

وقال التقرير إن هناك عقبات تواجه الكثير حيال الإبلاغ عن تعرضهم لحوادث عنصرية سواء أكان ذلك الخوف من تعرضهم لأي إجراءات انتقامية أو حتى عدم إدراك أن ما تعرضوا له يعد جريمة.

وسلطت الدراسة الضوء أيضا على حوادث التمييز ضد الألمان من أصول آسيوية خاصة منذ تفشي جائحة كورونا. إذ قالت إن حوالي نصف الألمان من أصول آسيوية ممن شملهم الاستطلاع وعددهم 700 أفادوا بأنهم تعرضوا لحوادث عنصرية ترتبط بشكل مباشر بالمفاهيم الخاطئة والمغلوطة بشأن الوباء.

ورغم ذلك، يشير التقرير إلى أن العنصرية ضد الألمان من أصول أسيوية كانت قضية رئيسية في ألمانيا حتى قبل الوباء.

وجاء فيه أن الألمان من أصول تعود لطائفتي السينتي والروما (الغجر) كانت الأكثر عرضة للعداء الصريح، وإن “حوالي 29 بالمائة من السكان … اعترفوا بأنهم يبغضون الطائفتين. ما يعد أمرا مقلقا بالنظر إلى الإبادة الجماعية لمئات الآلاف من طائفتي السينتي والروما إبان الحكم النازي (خلال الهولوكوست)”.

وفي ضوء هذه النتائج، قالت العبالي-رادوفان إن مفوضية مكافحة العنصرية تخطط لتدابير عديدة في عام 2023 مثل تعزيز تقديم الخدمات الاستشارية المجتمعية مع ضمان وجود تعاون وثيق بين المنظمات والجمعيات التي تقدم مثل هذه الخدمات. وأيضا إنشاء لجنة تضم خبراء من أجل تقديم الاستشارات للحكومة حيال تدابير مكافحة العنصرية.

وأضافت أن هذا الأمر يشمل وضع تعريف قانوني للعنصرية وسن تشريعات تُجرم خطاب الكراهية على الإنترنت، مع انخراط المسؤولين المحليين على مستوى الولايات الألمانية بشكل أكبر في مكافحة العنصرية. وقد لاقى التقرير ترحيبا من رئيسة مكتب مكافحة التمييز في ألمانيا، فيردا أتامان، التي حذرت من أن التقرير يظهر أن “العنصرية لا تزال مشكلة في ألمانيا”. وأضافت “هذه أول مرة تؤكد فيها الحكومة أن مكافحة العنصرية يجب أن تكون على رأس أولوياتها.” (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها