قد تتناوله عام 2050 .. ألمانية تبتكر طعام المستقبل مستخدمة الطحالب الدقيقة
تخيل أنّك انتقلت عبر الزمن إلى عام 2050، حيث الزارعة في المختبرات أصبحت توازي تلك الحقول. وداخل إحدى المطاعم تجد وجبة الطحالب الدقيقة على قائمة الطعام!
ورغم أن هذه الوجبة المستقبلية التخمينية قد لا تبدو جذابة للغاية، لكن الطحالب الدقيقة مليئة بالبروتينات، والأحماض الدهنية الأساسية، والفيتامينات والمعادن، ضمنًا الفيتامينات أ، و ب1، وب2، وسي، وE، والحديد، والكالسيوم، وحمض الفوليك.
ولطالما كانت مكمّلات الطحالب الدقيقة “سوبرفوود”، مثل سبيرولينا وكلوريلا، عنصرًا أساسيًا في مشهد التعافي لعقود.
لكن، رغم المذاق المرير، أو العشبي، أو السمكي، بقيت الكائنات وحيدة الخلية مخصصة للذين يرغبون بالتغاضي عن نكهاتهم النفّاذة سعياً وراء الصحة.
لهذا السبب قررت مالو لوكينغ مصممة ألمانية، تغيير مظهر الطحالب الدقيقة.
وأوضحت لوكينغ أنّ “هناك بالفعل اهتمام بقيمتها الغذائية”، وتابعت “لكن السؤال هو كيف يمكننا جعل الناس يتناولونها؟”.
وعلى أمل جعل الطحالب الدقيقة جذابة للجماهير، نفذت لوكينغ مشروعًا أسمته “Landless Foods”، كجزء من رسالة الماجستير التي تحضّرها في التصميم الحيوي، في جامعة سنترال سانت مارتينز بلندن.
وقامت بتطوير عملية لزراعة محلول الطحالب الدقيقة المركّز على مادة الأغار الصالحة للأكل، والمستخرجة من الطحالب الحمراء البحرية، وتستخدم كبديل للجيلاتين الحيواني.
ويمكن كشط الطحالب الدقيقة وتناولها بمفردها، أو لدى تناولها مع الأغار، تشكّل مكعّب مرق يمكن إضافته إلى الحساء والصلصات للحصول على نكهة رائعة.
عندما بدأت لوكينغ باستكشاف كيفية جعل الطحالب الدقيقة مستساغة، صادفت بحثًا عن ملامح النكهة أجراه معهد فلاندرز لأبحاث الزراعة ومصايد الأسماك والأغذية (ILVO) في بلجيكا.
وركزت على ثلاثة أنواع من الطحالب الدقيقة: رودوموناس سالينا الذي يشبه مذاقه طعم السلطعون، والطحالب الدقيقة الخضراء tetraselmis chuii بنكهة الجمبري، وdunaliella salina الزهري .
وعادة ما تنمو الطحالب الدقيقة في المياه المالحة ولا تحتاج سوى لضوء الشمس فقط، ويمكن زراعتها في خزانات.
إلى جانب أستاذتها المشرفة على المشروع، لورين آرتشر، الباحثة المساعدة بقسم علوم النبات في جامعة كامبريدج، جرّبت لوكينغ طرقًا مختلفة للزراعة، وخلصت في نهاية المطاف إلى استخدام الأغار الصالح للأكل، والتي تزود الطحالب الدقيقة بالمياه والعناصر الغذائية، وتقضي على الحاجة إلى الخزانات التي تستهلك مساحة.
وباستخدام أغلفة راتينغ القابلة لإعادة الاستخدام المطبوعة بتقنية ثلاثية البعد لحماية الأغار من البكتيريا، تمكنت لوكينغ أيضًا من إنشاء “هوية بصرية” للطحالب الدقيقة.
وأوضحت أنّه “عند زراعة الطحالب في السائل، ستبدو دائمًا مثل المياه لأن الطحالب صغيرة للغاية بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة”.
وأشارت إلى أن الأشكال المميزة يمكن أن تساعد المستهلكين بالتعرف على منتجات، وبالتالي على الطحالب الدقيقة فورًا كغذاء.
من خلال تطوير “طرق جديدة لصنع أطعمة جميلة وراقية حقًا”، ترى آرتشر أن لوكينغ تجعل الطحالب الدقيقة منتجًا جذابًا يتجاوز محور الصحة.
وتضيف آرتشر أنّ تركيز لوكينغ على النكهات السمكيّة يعد مميزًا، إذ “يحاول الكثيرون بصناعة الأغذية الدقيقة التخلص منها”.
وتتبنى بعض شركات تكنولوجيا الأغذية المحتوى العالي من البروتين في الطحالب الدقيقة في سوق اللحوم البديلة.
على سبيل المثال، تعمل شركة Brevel الإسرائيلية الناشئة على إنشاء مسحوق طحالب دقيقة يمكن إضافته إلى البروتينات النباتية، بينما تقوم شركة NewFish النيوزيلندية الناشئة بإنشاء “لحوم باردة خالية من اللحوم” باستخدام نوع المورتاديلا المشتق من الطحالب الدقيقة.
لكن مع إجراء معظم العمل على الأنواع ذات المذاق المحايد التي يمكن تكييفها مع مجموعة متنوعة من الأطعمة، لا تزال مئات الآلاف من أنواع الطحالب الدقيقة غير مستغلة، ويظهر بحث جديد أنها تحتوي على مجموعة من النكهات المحيرة التي يمكن أن تنال إعجاب المستهلكين في المستقبل.
وأوضح يوهان روبنز، المشرف على مشروع ملف تعريف النكهة في معهد الأبحاث البلجيكي ILVO، يعمل على كشف النكهات غير المكتشفة من الطحالب الدقيقة.
وتقوم لجنة التذوق من الخبراء في معهد الأبحاث البلجيكي ILVO بتصنيف المذاقات المختلفة للطحالب الدقيقة مثل الملوحة، والأومامي، والمرارة.
ولا يقتصر عمل معهد الأبحاث البلجيكي ILVO على كشف هذه المذاقات فحسب، بل يحاولون تحسينها كذلك، من خلال تعديل ظروف نموها، ويشير روبنز إلى أنه يمكن تغيير النكهات الطبيعية وتعزيزها.
ويستكشف معهد الأبحاث البلجيكي ILVO أيضًا طرقًا جديدة لمعالجة الطحالب الدقيقة، إذ أن الطرق الشائعة مثل التجفيف غالبًا ما تؤدي إلى مذاق مر.
وفقًا للأمم المتحدة، ينتج العالم ما يكفي من الغذاء لإطعام كل فرد على هذا الكوكب – لكن 800 مليون شخص ما زالوا يعانون من نقص مزمن في التغذية بسبب جودة الغذاء وندرة الوصول إليه.
وبحسب ما اوردت شبكة “سي إن إن”، تقدّر المنظمة أنّه مع استمرار ارتفاع عدد سكان العالم، سنحتاج إلى زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 60% بحلول عام 2050، لذا فإن الأطعمة الغنية بالمغذيات مثل الطحالب الدقيقة ستكون ضرورية.
وأعلنت الطحالب الدقيقة كعلاج مستدام لجميع الصناعات، من الوقود الحيوي إلى المستحضرات الصيدلانية، بفضل قدرته على عزل ثاني أكسيد الكربون، ولأن يمكن زراعته في أرض غير صالحة للزراعة ولا يحتاج إلى مياه عذبة.
وأدت مقاربة لوكينغ غير المألوفة لإنتاج وعرض الطحالب الدقيقة، بالإضافة إلى التركيز على نكهاتها، إلى تسليط الضوء على المشروع، وحصل على جوائز MullenLowe NOVA وجائزة Central Saint Martins x The Mills Fabrica لعام 2022، كما عُرض خلال أسبوع التصميم الهولندي في ديسمبر/ كانون الأول عام 2022.
وتأمل لوكينغ بأن تتمكن الطحالب الدقيقة يومًا ما من إعادة تكوين مجموعة كاملة من النكهات التي ستعيد اتصال رواد المطعم بـ”ذكريات الطهي” الخاصة بتراثهم الغذائي.[ads3]