دويتشه فيله : هل أخطأت ألمانيا بإلغاء الخدمة الإلزامية في الجيش ؟
بعد مرور عام تقريبا على الغزو الروسي لأوكرانيا، قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن “إيقاف الخدمة الإلزامية كان أمرا خاطئا”. وهو الأمر الذي أثار نقاشا محتدما في ألمانيا حول المادة 12a من الدستور الألماني التي تتحدث عن قانون الخدمة الإلزامية وتنص على أنه “يمكن إجبار الرجال بدءا من عمر 18 عاما على الخدمة الإلزامية في القوات المسلحة، وقوات حرس الحدود أو جمعيات الحماية المدنية”.
ما قاله وزير الدفاع الألماني قبل أيام سبق وأكد عليه باتريك زينزبورغ قبل سنوات. فقد سبق لزينزبورغ وهو سياسي ورئيس جمعية الاحتياطيين في الجيش الألماني أن صوت ضد قرار تعليف المادة المذكورة بتاريخ 24 مارس/ آذار 2011. يومها كان المذكور نائبا عن الحزب المسيحي الديمقراطي وهو الوحيد من نواب الحزب الذين عارضوا إيقاف هذه الخدمة آنذاك.
حينها برر زينزبورغ موقفه من القرار بوجود مخاوف سياسية أمنية لديه، يمكن الاطلاع عليها في محضر الجلسة في البرلمان. ولم يعارض زينزبورغ النواب الآخرين في الحزب فقط، بل عارض أيضا الجو الذي كان سائدا في البلاد حينها، يومها كانت ألمانيا ترى نفسها محاطة بالأصدقاء فقط، حيث يمكن أن يعم سلام أبدي في أوروبا حسب قوله مضيفا: “قلت، لا يمكنني تحمل المسؤولية، في حال توجب علينا العودة عن هذه الخطوة في العقد القادم”.
بعد 12 عاما، لم يعد العقيد الاحتياطي الصوت الوحيد الذي يرغب بعودة الخدمة الإلزامية، وقد صرح حول ضرورة الخدمة الإلزامية بالقول: “لا يكفي أن يكون بإمكاننا الدفاع عن ولاية أو ولايتين في ألمانيا، لأن الجيش الألماني صغير جدا، وغير مجهز. بالطبع يكلف تجهيز جيش إلزامي المال، الدفاع يكلف المال، هذا قرار يجب علينا اتخاذه مسبقا كسياسيين: هل نرغب أن نكون قادرين على الدفاع عن بلدنا أم لا؟”.
خلال عقدين من الزمن تراجع عدد أفراد الجيش الألماني من أكثر من 317000 إلى ما يزيد قليلاً على 183000 جندي وجندية. ومع ذلك، فإن زينزبورغ مقتنع بأن هذا الرقم، إلى جانب ما يقرب من 100000 جندي احتياطي، لا يكفي في حالات الحاجة. في الوقت نفسه، فإن الخدمة العسكرية الطوعية ليست كافية على الإطلاق لتحفيز الشباب على الانضمام إلى الجيش الألماني.
في هذا السياق يقول رئيس جمعية الاحتياطيين : “لا نحتاج فقط إلى المتخصصين، ولا إلى قوات خاصة، بل نحتاج أيضا إلى عدد معين من الجنود لنتمكن من الدفاع عن البلاد”. بالطبع، لا تريد أن تصبح ألمانيا دولة عسكرية ، لكنها: “تحتاج إلى قوات مدربة بشكل جيد، ولديها كذلك العديد من جنود الاحتياط. ولن تحصل عليهم إلا إذا كان لديها تجنيد إلزامي”.
وزير الدفاع الألماني بدوره يقول إن تجنيدا إلزاميا خلال العامين القادمين لن ينفع ألمانيا كثيرا. لكن على ألمانيا وبغض النظر عن حالة الخطورة أن تناقش هذه المسألة بشكل مفتوح وصريح. وبهذا الخصوص قالت متحدثة باسم الجيش ردا على سؤال من DW أن الوزارة (وزارة الدفاع) لا تفكر في إعادة التجنيد الإلزامي. الجيش الألماني اليوم مختلف تماما عما كان عليه قبل عشر سنوات أو أكثر. لدينا مهام مختلفة تتطلب موظفين مدربين جيدا ومتخصصين لأدائها. لدينا هياكل مختلفة وقدرات أخرى وواقع عملياتي مختلف. ولقد فتح باب انضمام النساء إلى القوات المسلحة منذ 20 عاما”.
ووفق وزارة الدفاع فإنه ” في حالة التوتر أو حالة الدفاع، من المخطط زيادة عدد الاحتياطيين إلى حوالي 60 ألف جندي وجندية. وهذا يعني أن الجيش الألماني، وحسب المهام الموكلة إليه من قبل البرلمان، هو في وضع يمكنه من تنفيذ مهامه في الدفاع جنبا إلى جنب مع قوات شركائنا في الناتو”.
بالنسبة للمفوضة المكلفة بالشؤون العسكرية إيفا هوغل فإن الجدل حول التجنيد الإلزامي هو “مناقشة نظرية”، وبالنسبة لزعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر، فإن النقاش الدائر هو “نقاش أشباح ” ، ولهذا السبب يقول البرلماني فولفغانغ هيلميش، إنه يمكن تجاوز الحديث حول هذا الموضوع: “هذا النقاش يظهر من حين لآخر، ولكن ليس له علاقة كبيرة بالواقع الحالي”، ويتساءل: “ما الغرض من التجنيد الإلزامي؟ هذا يعني مليارات من التكاليف لإدخال أو إعادة إنشاء هياكل وبنية ضاعت. لسنا بصدد جيش مجند ولكن تجاه جيش محترف”.
حتى ما قبل عامين، كان هيلميش رئيسا للجنة الدفاع في البوندستاغ الألماني ولا يزال عضوا فيها حتى اليوم، وهو أيضا المتحدث باسم مجموعة العمل المعنية بالسياسة الأمنية والدفاعية للمجموعة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي وهو يشترك مع زينزبورغ وبيستوريوس
في اعتبار قرار البرلمان عام 2011 خطأ فادحا. وفي هذا الخصوص يقول: “لم تكن هناك مفاهيم محددة من وزير الدفاع حينها كارل- تيودور تسو غوتينبرغ، ولم تكن هناك رؤية تجاه أسئلة معينة، مثل: كيف نجند للجيش في المستقبل؟ كيف نتعامل مع موضوع الخدمة المدنية؟ تسبب إلغاء جميع الوظائف بمشاكل كبيرة. لم يكن هناك أي شيء يمكن الاستناد عليه”.
بعد اثني عشر عاما، لا يوجد شيء على الإطلاق يتحدث عن إعادة التجنيد الإلزامي، كما يقول منتقدون: لا توجد مكاتب للتجنيد في المناطق، ولا معدات عسكرية لتدريب المجندين، ولا يوجد مدربون. لا توجد خطة عادلة تتعلق بضم 700000 شاب وشابة يبلغون من العمر 18 عاما في حال طُلب منهم الخدمة. وقبل كل شيء، لا توجد مليارات اليورو الكافية لإعادة تشغيل نظام التجنيد.
بدلاً من إضاعة وقت ثمين في إعادة التجنيد الإلزامي، يجب على ألمانيا التركيز على توظيف مهنيين، ويقول هيلميش: “ليس لدينا مشكلة في تجنيد الضباط، لدينا مشكلة في الخدمات الفنية. يتعلق الأمر بالإمداد اللوجستي للقوات والمجال السيبراني”.
ولا يزال الجيش الألماني يواجه مشكلة كبيرة في تجنيد النساء. في عام 2023، هناك مجندة واحدة فقط مقابل كل سبعة جنود. هيلميش هو أيضا أمين صندوق الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، خلال زيارته إلى النرويج ، تحدث إلى قوات خاصة لوحدة عسكرية تتكون فقط من النساء، مثل هذه الوحدة لاتزال غير واردة على الإطلاق في ألمانيا.
في الحصيلة يرى السياسي المتخصص بشؤون الدفاع: “علينا أن نولي مزيدا من الاهتمام لمسألة تجنيد الأفراد. كيف نجند أشخاصا للخدمة في الجيش الألماني؟ علينا أن نجعل الخدمة التطوعية أكثر جاذبية من أجل جذب أشخاص يستمرون في الخدمة بالجيش”. في هذا السياق كشف استطلاع حديث للرأي أن نحو 10 بالمائة فقط من الألمان مستعدون للدفاع عن بلدهم بالسلاح في حالة وقوع هجوم عسكري عليها. وأظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد “يوجوف” بتكلف من وكالة الأنباء الألمانية (د ب ا) أن 5 بالمائة فقط من الألمان مستعدون للتطوع في الخدمة العسكرية، بينما يتوقع نحو 6 بالمائة استدعاؤهم للجيش وتدريبهم للدفاع عن الوطن عند اللزوم. وبحسب الاستطلاع فإن 33 بالمائة يتوقعون مواصلة حياتهم المعتادة في حال وقوع هجوم عسكري على ألمانيا، بينما لا يستبعد 24 بالمائة مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن في حالة وقوع مثل هذا الهجوم. (DW)[ads3]