حقيقة صورة و قصة ” الجندي الذي يحمل الحمار “

 

تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات صورة يدعي ناشروها أنها لجندي قام بحمل حمار في حقل ألغام، خوفا من أن يقوم الحيوان بأي خطوة خاطئة فيتسبّب بمقتل من في الحقل. والعبرة من القصّة بحسب ناشريها هي “تحمل الأغبياء من حولنا لحماية أنفسنا”.

إلا أنّ هذه القصة هي من نسج خيال مؤلفيها، فالصورة الملتقطة عام 1958 في الجزائر تصور جنديا يحمل حمارا على كتفيه بعد أن أنهكه الجوع.

ويظهر في المنشور جندي يضع خوذة على رأسه ويحمل حمارا على كتفيه ومن حوله جنود أيضا.

وكتب ناشرو الصورة في تعليقهم “الجندي الذي يحمل الحمار ليس غبيا، وإنما بسبب تواجده في حقل ألغام، فإن أي خطوة خاطئة من الحمار تقتلهم جميعا”.

واستنتجوا عبرة قالوا فيها “في بعض الأحيان يجب أن نتحمل الحمير التي حولنا حتى نحمي أنفسنا”.

وحصدت المنشورات آلاف المشاركات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويعود انتشارها بهذه الصيغة إلى العام 2017، كما انتشرت على صفحات بلدان إفريقية ناطقة بالفرنسية، وفي المكسيك بالإضافة إلى بلدان عربيّة عدّة.

لكن القصة المرافقة للصورة والعبرة المستوحاة منها من نسج الخيال.

فالتفتيش الأولي عن الصورة يرشد إليها منشورة على مدونة تسرد قصتها وتقول إنها التقطت في العام 1958 وهي لجندي من الـ “13” (الفرقة الـ13 للفيلق الأجنبي الفرنسي) خلال مهمة، وقد عثر على حمار يتضوّر جوعا” في منطقة جبليّة في شمال إفريقيا.

وتضيف القصة أن الجندي أخذ الحمار وأطلق عليه اسم “بامبي”، ليصبح في نهاية المطاف شعار الوحدة التي يعمل فيها.

وتقول كاتبة المدونة إن هذه القصة منشورة في الصحيفة البريطانية “دايلي ميل”.

على ضوء ذلك، أظهر بحث متقدّم على محرك غوغل باستخدام كلمات “Donkey” و “Daily Mail” و “1958”، وجود نسخة مؤرشفة لهذه الصورة على موقع أرشيف الصحف البريطانيّة الذي أنشئ بالتعاون مع المكتبة البريطانية (British Library).

والصورة نشرتها صحيفة “دايلي ميرور” البريطانية الشعبية في 19 سبتمبر من العام 1958، على صفحتها الأولى تحت عنوان “الحمار الذي انضم إلى الفيلق الأجنبيّ”.

وتناول المقال قصة “الجندي الذي يتكفل بأكثر المهمات مشقّة” (وما يعبر عنها بالمعنى المجازي بالإنكليزية donkey’s work)…”.

وبحسب الصحيفة فإن الجندي “من الفيلق الأجنبي الفرنسي… حن قلبه على حمار صغير تخلت عنه أمه في الجزائر”.

وتتابع الصحيفة أن الجنود الذين كانوا في دوريّة في الجزائر، “قرروا جعل هذا الحمار شعارا لهم”. أما الحمار الذي كان ضعيفا جدا وعاجزا عن استكمال الطريق على خطى الجنود، فقد حمله الجنديّ الظاهر في الصورة حتى قاعدته العسكريّة بدلاً من تركه في الميدان.

لكنّ المقال لا يأتي على ذكر ألغام مزروعة في حقل. ولا ذكر في المقال لاسم صاحب الصورة.

بعد انتشار هذه الصورة على نطاق واسع عام 2020 على صفحات مكسيكية، تواصل فريق تقصي صحة الأخبار هناك مع المؤرخ دوغلاس بورش صاحب كتاب “The French Foreign Legion: A Complete History of the Legendary Fighting Force” الذي يتناول الفيلق الأجنبي الفرنسي.

وقال بورش إنه من الجائز أن تكون هذه الصورة ملتقطة بالفعل عام 1958.

واستبعد المؤرخ أن تكون الصورة ملتقطة خلال عبور جنود فرنسيين لحقل مزروع بالألغام وعلل ذلك بالإشارة إلى أن حقول الألغام في تلك الحقبة كانت محدّدة بشرائط. أما الجنود وآلياتهم فكانوا يحاولون الالتزام بهذه المسارات.

وأضاف “في تلك الحقبة، كان الفرنسيون هم الذين يزرعون الألغام وليس جبهة التحرير الوطني الجزائريّة”. وشرح “استخدمت الجبهة آنذاك متفجّرات، كما في معركة العام 1956، أما زرع الألغام فلم يكن في إمكانياتها”.

وأشار المؤرخ إلى أن هذه الصورة منشورة في مجلة “Képi Blanc”، وهي مجلّة الفيلق الأجنبي الفرنسي. كما ونُشرت في قاعدة بيانات للفيلق نفسه.

وتشير المجلّة إلى أن الصورة التقطت بالفعل عام 1958، في منطقة “إدغار كينيه” المعروفة اليوم بـ “قايس”.

أما الرجل الظاهر في الصورة فليس جنديا في الفيلق الأجنبي الفرنسي بل هو “حركيّ” (وهو من الجزائريين الذين كانوا مجندين في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر بين 1954 و 1962 التي انتهت باستقلال البلاد).

وبعد انتشار هذه القصة في الإعلام، وبخاصة في بريطانيا، قامت الجمعية الأميركية التي تعنى بالرفق بالحيوان بتقليد الفرقة وسام تقدير للخدمة الاستثنائية.

ومنحت الفرقة أيضا وساما مماثلا من جمعية بريطانية أخرى بحسب فقرة أوردها المؤرخ دوغلاس بورش والتي استعان بها الموقع الأميركي للتدقيق بالأخبار المضللة سنوبس. (AFP)

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد