دويتشه فيله : مخاوف من تغلغل عناصر يمينية متشددة في سلك القضاء الألماني
صدر العام الماضي كتاب يحمل عنوان “قضاة الرايخ” أو “القضاء المتطرفين” للصحفي والمحامي يواكيم فاغنر فيما يطرح العنوان الفرعي للكتاب سؤالا مفاده: “ما خطر ذلك على سيادة القانون؟”
ويشير فاغنر إلى قضايا مثل تلك التي تورط فيها ينس ماير الذي كان عضوا البرلمان الألماني عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي بين عامي 2017 و2021، لكنه كان يرغب بعد خروجه من البوندستاغ في العودة إلى منصبه السابق كقاض في ولاية ساكسونيا في شرق البلاد.
بيد أن محاولة ماير للعودة إلى ساحة القضاء باءت بالفشل بسبب أن وزيرة العدل في ساكسونيا كاتيا مير، التي تنتمي إلى حزب الخضر، قامت برفع دعوى إلى المحكمة لتنجح في إفشال مساعي ماير. وقد جرى خروج ماير، الذي صنفه مكتب حماية الدستور الألماني باعتباره شخصية يمينية متطرفة، إلى التقاعد المبكر.
لكن هذا الحكم ليس نهائيا حيث بمقدور ماير الطعن على القرار.
“لا تسامح مع أعداء الدستور داخل السلك القضائي”
وأعربت الوزيرة عن سعادتها بالنصر الذي حققته في قضية ينس ماير، قائلة: “لا تسامح مع أعداء الدستور داخل السلك القضائي. ويتعين على جميع القضاة والموظفين المدنيين سواء الذكور والإناث أن يعلنوا ولاءهم للنظام الديمقراطي الليبرالي كما هو منصوص عليه في القانون الأساسي الألماني (الدستور الألماني) وعلينا أن ندافع وتؤكد على احترام ذلك في جميع الأوقات “.
وهناك حاجة إلى حوالي 60 ألف قاضي للعمل في 750 محكمة جنائية فقط في ألمانيا فيما تجري حاليا عملية تقديم طلبات للعمل كقضاة غير متخصصين “فخريين أو محلفين” لعام 2023 . ويرمي الهدف من وراء مشاركة قضاة “فخريين” في الإجراءات القضائية إلى ضمان أنه في حالة عدم وجود هيئة محلفين، فإن الأحكام الصادرة عن المحاكم سوف تُعلن “باسم الشعب”.
شروط مسهلة تغري أعداء الديمقراطية
ومن أجل فوز المرشح بمنصب “قاضي فخري أو محلف”، يتعين عليه الوفاء بعدد من الشروط، لكنها غير معقدة إذ يجب أن يكون حاملا للجنسية الألمانية وأن يتراوح عمره بين 25 و 69 عاما وأيضا يجب ألا يكون متورطا في دعاوى جنائية حالية أو قد قضى عقوبة بالسجن لأكثر من 6 أشهر فيما لا تعد المعرفة القانونية شرطا مسبقا.
ويبدو بسبب كون هذه العملية غير معقدة فقد جذبت اهتمام كيانات يُنظر إليها باعتبارها “تعادي الديمقراطية الألمانية”، حيث دعا حزب “السكسونيين الأحرار” اليميني المتطرف أنصاره إلى التقدم لشغل مناصب قضاة فخريين”حتى لا يتركوا القضاء في أيدي قضاة هواة من اليسار”.
“بدورها، أكدت وزارة العدل الاتحادية أنها تأخذ مثل هذه الدعوات على محمل الجد، حيث شددت وزيرة العدل الدكتورة أنجيليكا شلونك خلال ندوة نظمتها “الجمعية الألمانية للقضاة الفخريين” في برلين على أن التقارير التي تفيد بأن متطرفين يمينيين يحاولون شغل هذه المناصب تعد “مزعجة للغاية”.
بيد أن هذه المخاوف ليست جديدة إذ خلال الانتخابات الأخيرة لانتخاب قضاة فخريين عام 2018، دعا حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي و “الحزب الوطني الديمقراطي” المتطرف وحركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” المعروفة اختصارا بـ ” بيغيدا ” أنصارهم إلى التقدم لتولي منصب “قضاة فخريين”.
تعديلات على قانون القضاء الألماني
ومن أجل الحيلولة دون تسلل عناصر متطرفة متشددة في السلك القضائي، تعتزم وزارة العدل الاتحادية تعديل المادة رقم “44 أ” من قانون القضاء الألماني بما يمنع أي شخص من تولي منصب القاضي الفخري إذا “انتهك المبادئ الأساسية للإنسانية أو للدولة الدستوري” أو إذا كان قد عمل “في جهاز أمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة (ألمانيا الشرقية سابقا)”.
وينص مشروع التشريع الجديد على أنه يمكن عزل القضاة الفخريين الذين “لا يقدمون ضمانات بأنهم سيدافعون في كل الأوقات عن النظام الأساسي الديمقراطي الليبرالي كما ينص القانون الأساسي الألماني (الدستور الألماني)”.
قاضي يعزف في فرقة نازية
في عام 2008، شددت المحكمة الدستورية الاتحادية على أن إعلان الولاء للدستور الألماني ينطبق على القضاة الفخريين فيما جاء ذلك ردا على شكوى قدمها قاض فخري قامت محكمة العمل في ولاية بادن فورتمبيرغ بعزله بعد أن شارك في أكثر مائتي حفلة موسيقية داخل ألمانيا وخارجها قدمتها فرقة يمينية متطرفة تعرف باسم “Noie Werte”.
من جانبه، يرفض الكاتب يواكيم فاغنر تعميم ذلك استنادا على حالات منفرد، قائلا: “لا أصف ذلك بأنه تغلغل”. لكنه ورغم ذلك، يحذر من خطورة الاستهانة بالأمر، موضحا: “من الصعب للغاية تحديد الشخصيات المتطرفة بشكل مسبق، لذا يتعين اتخاذ تدابير وقائية.”
ساكسونيا السفلى ..المثال الجيد
وقال فاغنر إن ولاية ساكسونيا السفلى ضربت مثالا جديدا يمكن أن تحتذي به كافة الولايات الأخرى فيما يتعلق بانتخاب قضاة فخريين، مضيفا “كان يتعين على الشخصيات التي ترغب في تولي منصب قضاة فخريين الإجابة عن سؤال واحد مفاده: (هل لديك اعتراضات على الاستفسارات المتعلقة بشخصك في مكتب حماية الدستور؟)”
وأشار فاغتر إلى أن هذا الأمر قد يكون خطوة إلى الأمام.
بدروه، طرح يورغ مولر، رئيس مكتب حماية الدستور في ولاية براندنبورغ شرق البلاد، أفكارا يمكن أن تساهم في منع تغلغل شخصيات متطرفة في السلك القضائي. وقال “أنا أسأل نفسي لماذا لا يتم استشارتنا عندما يتعلق الأمر بانتخاب قضاة فخريين، على غرار قانون مراقبة الأسلحة.”
يشار إلى أنه منذ عام 2020، يقوم مكتب حماية الدستور بفحص الأشخاص الذين يتقدمون للحصول على رخصة حمل السلاح بهدف التعرف عن ميولهم المتطرف بشكل مبكر. (DW)[ads3]