ألمانيا : الصيدليات و العيادات الصحية تعاني من أزمة في إمدادات الأدوية

تعاني الصيدليات والعيادات الصحية في ألمانيا من أزمة في إمدادات الأدوية، خصوصاً التحاميل والأدوية الخافضة لحرارة الأطفال، والأدوية المضادة للسعال، وارتفاع ضغط الدم، وأدوية سرطان الثدي، ومضادات الاكتئاب، ومسكنات الألم والمضادات الحيوية، بالإضافة إلى أدوية أساسية يزداد الطلب عليها بشكل خاص هذه الأيام. كما أن نقص أدوية الإنفلونزا أدى إلى مضاعفات على حياة بعض الأفراد، عدا عن معاناة آخرين من التأخير الحاصل في مواعيد العمليات الجراحية نتيجة النقص في الكوادر الطبية والتمريضية في المستشفيات.

يورد موقع إذاعة “دويتشلاند فونك” الألمانية أن المعهد الاتحادي للأدوية والأجهزة الطبية يحتفظ بقاعدة بيانات عبر الإنترنت تتعلق بالمشاكل الحالية المرتبطة بتسليم الأدوية، باستثناء اللقاحات. ويعتمد في بياناته على تقارير شركات توزيع وتصنيع الأدوية، مشيراً إلى أن هناك 560 تقريراً أولياً تشير إلى مشاكل في توصيل الأدوية عام 2022، منها أكثر من 300 ما زال توصيلها معرقلاً.

وعن أسباب النقص وضعف سلاسل التوريد واستمرار الأزمة لفترة طويلة وتفاقمها بشكل ملحوظ خلال جائحة كورونا، يفيد المعهد بأن بعض الأدوية ما زالت تصنّع في ألمانيا والاتحاد الأوروبي. لذلك، يلاحظ وجود مشاكل في الإنتاج والتسليم على نطاق واسع.

على سبيل المثال، فإن المواد الأولية تُجلب من الصين لتصنّع في الهند. وتشهد الهند نقصاً في المواد الأساسية لصناعة الأقراص التي تستورد من دول أخرى، وفي مقدمتها دول أوروبا الشرقية، عدا عن النقص في الورق والكرتون لاستكمال عمليات التصنيع والتغليف.

في هذا الإطار، يشير خبراء إلى أن العولمة تعد سبباً أساسياً لمشاكل الإمداد، واعتماد أوروبا الكبير على الخارج لتأمين المواد الأساسية يعد مشكلة، في ظل وجود 68 في المائة من مواقع الإنتاج لبعض المواد الأساسية والشركات الأوروبية في آسيا، وذلك بحسب دراسة أعدتها رابطة مصنعي الأدوية القائمة على البحث العلمي (في أف آي).

وفي حال وجود أزمة في الإنتاج والتسليم في العاصمة الصينية بكين نتيجة مشاكل في التصنيع، فهذا يعني أن المكونات المطلوبة بشكل عاجل تكون مفقودة في ألمانيا، علماً أن شركات التأمين الصحي تُبرم اتفاقيات للحصول على حسومات من مصنّعي الأدوية، الأمر الذي يوفر الأموال والمستحقات ويسجل أرباحاً بالمليارات، في حين تحصل الشركات المصنعة على ضمان الشراء، ويتوجب عليها الوفاء بالتزامات التسليم.

يقول رئيس نقابة الصيادلة في ولاية شمال الراين فستفاليا، توماس بريس، إن المشاكل زادت خلال الأشهر الأخيرة وبات الواقع صعباً. ويتوقع زيادة العجز في العرض عام 2023.

من جهته، يقول الاتحاد الفيدرالي لجمعيات الصيادلة الألمانية إن هناك تحدياً كبيراً يواجهه المرء في ضوء الأزمة التي لا يبدو أنها ستتحسن في المستقبل القريب. وتفيد شبكة “أس دبليو آر” الإخبارية نقلاً عن المعهد الاتحادي للأدوية والأجهزة الطبية، بأن النقص يرجع إلى ارتفاع الطلب، كما أن الشراء الوقائي للأدوية من شأنه أن يزيد النقص.

وفي خضمّ ذلك، أوصى المعهد المذكور وبالتنسيق مع الروابط والجمعيات الطبية الرائدة، وكإجراء تعويضي، باعتماد وصفات طبية في الصيدليات، أي الارتكاز على المكونات المتاحة لإنتاج مكونات فعالة من الناحية الطبية، والتي غالبا ما تكون العديد من مكوناتها مفقودة.

هذا في وقت ينجح الصيادلة مرحلياً في تزويد العملاء بأدوية بديلة من شركات مصنعة أخرى لها تأثير مماثل، أو من خلال مخزون لا يزال متبقياً لدى البعض منها. من جهة ثانية، تحاول شركات التأمين الصحي أيضا اتخاذ تدابير مضادة، وبينها مثلاً زيادة تغطية التكاليف الإضافية للأدوية المستوردة، وكذلك العقاقير السائلة المختلطة.

وتشير المستشفيات في ألمانيا إلى زيادة تأجيل أو حتى إلغاء العمليات الجراحية بسبب نقص الأطباء والممرضين، ويصار إلى تحديد كل حالة على حدة، مع تسجيل زيادة في أعداد المرضى في مقابل نقص الكوادر الطبية، ويتم الإبلاغ عن حالات من عدم الانتظام في العمل في عيادات عدد من الولايات، بينها بافاريا وهيسن وشمال الراين-وستفاليا وبريمن.

أما في ولايات مثل دوسلدورف وسارلاند وسكسونيا السفلى وبرلين فقد أعلن مستشفى الشاريتيه الألماني، أحد أكبر المستشفيات الجامعية في أوروبا، أنه سيتم إلغاء جميع العمليات التي يمكن تأجيلها لأشهر عدة، في وقت يسجل في أقسام الطوارئ فترات انتظار طويلة تصل إلى حدود تسع ساعات في ظل النقص في الموظفين.

إلى ذلك، يفيد معهد “روبرت كوخ” (المؤسسة الألمانية المتخصصة في الكشف عن الأمراض المعدية وغير المعدية والوقاية منها ومكافحتها على مستوى ألمانيا) بأنه بالإضافة إلى الإنفلونزا، يزداد تفشي فيروس الجهاز التنفسي الخلوي “آر إس في”، والذي يمكن أن يشكل خطراً على الرضع والأطفال، الأمر الذي يسبب ضغوطاً إضافية على عيادات الأطفال والأقسام المخصصة لهم في المستشفيات.

وفي بعض الأحيان، يُصار إلى تأجيل فحوصات الأطفال، باستثناء الرضع وحتى عمر الستة أشهر، بالإضافة إلى مرضى السرطان وأولئك الذين يعانون من مشاكل في النمو.

في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن وزير الصحة كارل لوترباخ لشبكة “إيه آر دي”، عن خطة من خمس نقاط لتحسين إمدادات الأدوية، على أن يصار إلى زيادة إنتاج أوسع لبعض الأدوية التي انتهت صلاحية براءات اختراعها، والأساسية في الرعاية الطبية، كالباراسيتامول أو الإيبوبروفين، فضلاً عن توجيه شركات التأمين الصحي لدفع 50 في المائة أكثر من القيمة الثابتة الحالية.

كذلك، سيقوم المعهد الاتحادي للأدوية والأجهزة الطبية بالموافقة على قائمة تتضمن الأدوية الأساسية الجديدة لضمان الرعاية الصحية وخصوصاً أدوية الأطفال. كما رفض إبرام اتفاقيات مع المورد الأرخص، ما يعني أن عقود التوريد تبرم عادة مع مصنّع غير أوروبي.

لكن في الوقت نفسه، يجب إدراج منتج أوروبي كمورد ثان بالترتيب لزيادة سلاسل التوريد، على أن تنطبق هذه اللائحة في البداية فقط على المضادات الحيوية وأدوية السرطان. ووفقاً للوترباخ، يجب الحرص على أشهر التخزين وضمان الإنتاج في أوروبا، علماً أن الإصلاح والدعم يتطلب تكاليف إضافية ويتوقع أن تصل إلى مئات الملايين من اليوروات.

في المقابل، انتقدت الرابطة الوطنية لأطباء التأمين الصحي القانوني (KBV) لوترباخ، مطالبة إياه بالمزيد من الوضوح والالتزام بالتعرفة المحددة في ما يتعلق بالأدوية. ويلفت المتحدث باسم الرابطة فلوريان لانز إلى لائحة غريبة ومفاجئة، موضحاً أن شركات الأدوية لا تلتزم بعقود التوريد الخاصة بها، على الرغم من أنها عرضت منتجاتها في السابق بأسعار محددة، إلا أنها تسعى في الوقت الحالي إلى كسب مزيد من المال.

وفي سياق متصل، اتهم الحزب المسيحي الديمقراطي لوترباخ بالتحرك ببطء، علماً أنه كان يتوجب معالجة المشكلة قبل أشهر.

ويدعو المتحدث باسم السياسة الصحية داخل الحزب تينو سورغه إلى اتخاذ إجراءات فورية ومباشرة ومناقشة التدابير التي يجب اتخاذها مع تجار الأدوية على المدى المتوسط.

وتطالب المعارضة بإعداد لوائح جديدة وسيطرة الدولة على زمام الأمور والحد من دور تجار صناعة الأدوية وتقوية الإنتاج المحلي، بالإضافة إلى شراء أدوية المضادات الحيوية والسعال وتوزيعها مركزياً من قبل وزارة الصحة الفيدرالية، وتخزين المصنعين كميات أكبر من المنتجات الأولية في المستودعات، علماً أن هناك العديد من الأدوية ذات صلاحية قصيرة المدى، وبالتالي لا يمكن تخزينها لفترات طويلة.

من جهته، يُعرب رئيس جمعية أطباء التأمين الصحي في برلين، بوركهارد روبرت، عن قلقه بشأن عدد الأطباء المقيمين في برلين، قائلاً إنه لم يطرأ أي تحسن على الوضع خلال السنوات الأخيرة رغم النمو السكاني الكبير في العاصمة، مضيفاً أنه من مسؤولية الولاية توظيف المزيد من الأطباء، ودعمهم لممارسة مهنتهم الإنسانية.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها