يورونيوز: من هما طرفا المواجهة المسلحة في السودان و ما هي خلفيتها ؟
احتدم القتال منذ ثلاثة أيام في العاصمة السودانية الخرطوم بين الجيش النظامي و”قوات الدعم السريع” شبه عسكرية للسيطرة على البلاد. ما هي خلفية هذا النزاع الذي أسفر عن أكثر من مئة قتيل حتى الآن، ومن يقود طرفاه؟
عبد الفتاح البرهان قائد الجيش الذي أعاد العسكر الى السلطة في السودان
كان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان جزءا من مجموعة عسكرية تقاسمت السلطة مع المدنيين للمرة الأولى في تاريخ السودان المستقل بعد سقوط عمر البشير، لكنه ما لبث بانقلابه في تشرين الأول/أكتوبر 2021، أن طرد المدنيين من الحكم وأعاد بلاده الى حكم العسكر.
في مقرّ قيادته، قال البرهان السبت إنه “فوجئ” بقوات الدعم السريع التي تشكّلت عبر سنوات الحرب الدامية في إقليم دارفور حيث قمعت بشكل دام المتمردين، يهاجمون منزله في التاسعة صباحا.
ولعلّه فوجئ بالفعل، فالرجل هو الحاكم الفعلي للسودان بلا منازع منذ قيامه بانقلابه، الذي دعمه فيه محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”. وعُيّن هذا الأخير نائبا له بعد الانقلاب.
إثر إسقاط نظام عمر البشير تحت ضغط احتجاجات شعبية صاخبة، وافقت قوى الحرية والتغيير التي قادت التظاهرات ضد البشير في حينه على تقاسم السلطة، لفترة انتقالية مع الجيش الذي أطاح بالبشير، وعلى رأسه الفريق أول البرهان الذي كان قائد سلاح البرّ في عهد الرئيس السابق.
لكن فجر الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 2021، ووسط دهشة الجميع، ظهر البرهان على شاشة التلفزيون ببزته العسكرية، وأعلن بنبرة حازمة اعتقال غالبية الوزراء والمسؤولين المدنيين، مؤكدا أنه يريد “تصحيح الثورة”.كان حميدتي يقف الى جواره. لكنه اعتبر بعد ذلك أن الانقلاب “فشل”، ووصف أخيرا البرهان “بالمجرم”.
أما المجموعات المنبثقة من المتظاهرين الذين ظلوا يخرجون الى الشوارع احتجاجا على الانقلاب للمطالبة بحكم مدني خالص، رغم القمع الدامي، فتتهم البرهان بأنه حصان طروادة للإسلاميين ولفلول نظام البشير، الذين استعاد بعضهم بالفعل مناصبهم.
وبقي البرهان (62 عاما) في الظل دوما في عهد البشير. بعد الانقلاب، استبدل بزته العسكرية بأخرى مدنية، وبات رئيس البلاد بحكم الأمر الواقع.
علاقات مع الخارج
لعب البرهان، بحسب وسائل إعلام سودانية، دورا رئيسيا بعيدا عن الأضواء في مشاركة السودان في التحالف العسكري، الذي قادته السعودية في اليمن عام 2015.
وخلال المفاوضات بين الجيش والمحتجين حول تركيبة الحكم داخل السودان، قام البرهان بزيارات الى مصر والإمارات والسعودية. والسعودية والإمارات من أبرز الدول التي تقدّم مساعدات إلى السودان.
أمضى البرهان فترة من حياته المهنية كملحق عسكري لدى بكين. ولد عام 1960 في قرية قندتو شمال الخرطوم، ودرس في الكلية الحربية ولاحقا في مصر والأردن. وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء.
في 20 كانون الثاني/يناير 2020، بعد إسقاط عمر البشير بشهور، التقى البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في أوغندا. ويعتبر عرّاب التطبيع بين إسرائيل والسودان الذي حصل برعاية أميركية.
وبحكم دراساته العسكرية في مصر، فالرجل قريب جدا من الجار الشمالي القوي، خصوصا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ينتمي هو الآخر الى المؤسسة العسكرية. وقد اقترحت مصر على القوى السياسية السودانية مبادرة لحل الأزمة في البلاد، تعطي الفريق أول البرهان اليد العليا في البلاد.
محمد حمدان دقلو من الحرب في دارفور الى السلطة في السودان
في دارفور في غرب السودان، قاد محمد حمدان دقلو المعروف ب”حميدتي” قوات الجنجويد التي نشرت الرعب في الإقليم، قبل أن يفرض نفسه بعد سنوات كلاعب رئيسي في المعادلة السياسية والاقتصادية في السودان.
مطلع الألفين، لم يكن حميدتي بلغ الثلاثين من عمره، وكان مجرّد زعيم ميليشيا صغيرة في غرب السودان الملاصق للحدود التشادية.
ولكنه تحوّل الى زعيم حرب معروف بعد سنوات طويلة من الحرب في دارفور ارتُكبت خلالها الفظاعات لقمع تمرد القبائل العربية في الإقليم، وكلّفت الدكتاتور السابق عمر البشير مذكرتي توقيف دوليتين صدرتا عن المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية و”إبادة جماعية”. وتمكّن من تسلّق السلطة.
على رأس الجنجويد، مارس الرجل الطويل القامة، بأوامر من البشير، سياسة الأرض المحروقة في دارفور حيث قُتل أكثر من 300 ألف شخص ونزح ما يزيد على 2,5 مليون آخرين خلال الحرب.
ومدّ حميدتي دائرة نفوذه من دارفور، حيث لا يزال يحتفظ بمقرّ قيادته، الى الخرطوم وأروقة السلطة فيها، وباتت لديه صلات بالدوائر الدبلوماسية واستطاع أن يعقد اتفاقات تجارية سرية الى حدّ ما.
وتحوّلت قوات التدخل السريع التي أنشئت العام 2013، الى قوة رديفة للجيش تضمّ آلاف العناصر الساعين حاليا الى السيطرة على السلطة. ومنذ الثورة التي أطاحت بعمر البشير في 2019، يعمل على تحسين صورته وكسب حلفاء جدد.
خلال الثورة، وُجهت اتهامات الى قوات التدخل السريع بتفريق اعتصام سلمي مطالب بالديموقراطية بالقوة في الخرطوم، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى، وفق أرقام رسمية.
في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، دعم حميدتي قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في انقلابه الذي أطاح بالمدنيين من السلطة.
لكن مع مرور الوقت، بدأ ينتقد الجيش والبرهان الذي وصفه ب “المجرم” الذي “دمّر البلاد” و”يتشبّث بالسلطة”. وبات يقدّم نفسه مدافعا عن الدولة المدنية وخصما لدودا للإسلام السياسي الداعم إجمالا للبرهان. وانضمّ الى المدنيين في إدانة الجيش، مشيرا الى أنه يدافع عن “مكتسبات ثورة” العام 2019.
ومنذ أشهر، بات حميدتي متواجدا بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي عبر حسابات عدة على “فيسبوك” و”تويتر” و”استغرام” و”تيك توك”، يخاطب من خلالها الشباب في بلد ثلثا سكانه تقلّ أعمارهم عن 30 عاما.
ولد في العام 1975 في قبيلة من العرب الرحّل على الحدود بين السودان وتشاد. ويحتفظ بلكنة أهل الغرب بشكل واضح عندما يتكلّم.
زي عسكري وبزة أنيقة
كان حميدتي معتادا على المجالس القبلية وشغوفا بالزيارات الى القوات أو الى القرى. وقد جاب البلاد مرارا لمقابلة الزعماء المحليين الذين كانوا يشكلون أعمدة أساسية لنظام البشير.
ويظهر حميدتي تارة بالزي العسكري الذي ارتداه للمرة الأولى مطلع الألفين، وتارة أخرى ببزات أنيقة يخصصها لحضور الاجتماعات السياسية باعتباره الرجل الثاني في السلطة التي باتت حكرا على العسكر منذ الانقلاب في تشرين الأول 2021، الذي أطاح بالمدنيين من الحكم، بعد فترة وجيزة تقاسموا خلالها السلطة مع الجيش.
بإرساله رجالا للقتال الى جانب التحالف العسكري الذي قادته الرياض في اليمن عام 2015، اكتسب حلفاء سياسيين في السعودية والإمارات.
يضع حميدتي الذي خطّ الشيب شعره الأسود عادة خاتما من الذهب في كل يد، ويملك ورقة اقتصادية قوية، إذ تدير قوات الدعم السريع العديد من مناجم الذهب، بحسب مركز أبحاث “يوربيان كاونسيل أون فورين ريلايشن” (المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية).
وتؤكد الولايات المتحدة أن قوات “فاغنر” الروسية المسلحة الموجودة في دول إفريقية عدة مجاورة للسودان، تعمل مع قوات الدعم السريع في تلك المناجم. لكن علاقات حميدتي الجيدة بروسيا مؤكدة، فلدى وصوله الى موسكو غداة غزو أوكرانيا، نجح في مقابلة كبار المسؤولين في الدولة.
في السودان، يطرح حميدتي نفسه منذ فترة كحكم. وقبل قرابة عام، فاجأ الجميع بتصريح اعتبر فيه أن الانقلاب “فشل”، معلنا أنه سيتدخل اذا توجه البلد “نحو الهاوية”. (Euronews)[ads3]