دويتشه فيله : لماذا يصوت غالبية الأتراك في ألمانيا لصالح أردوغان ؟

يتوجه المواطنون في تركيا ودول أخرى خارجها في 14 أيار/مايو لاختيار رئيسهم المقبل وبرلمانهم الجديد. تعيش في ألمانيا أكبر جالية تركية خارج تركيا. في تقريره الأخير قبل خمس سنوات أحصى “المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين” الألماني حوالي 2,8 مليون شخص من أصول تركية مهاجرة، زهاء نصفهم ما زالوا يحملون الجنسية التركية.

من 27 نيسان/ أبريل إلى 9 أيار/ مايو، يمكن للناخبين الإدلاء بأصواتهم في 14 مقرا انتخابيا تركياً على الأراضي الألمانية. وقال القنصل العام تورهان كايا لـ DW إنه لا يمكنه تقديم أي تفاصيل إضافية، لأن عملية الحصول على الموافقات من السلطات الألمانية لم تنته بعد.

الانتخابات التركية هذه المرة مختلفة ومفتوحة على كافة الاحتمالات: قد يخسر الرئيس رجب طيب أردوغان أمام منافسه  كمال كليجدار أوغلو، وهو سياسي من حزب الشعب الجمهوري الكمالي العلماني (CHP)، المدعوم من طيف واسع في المجتمع وفي الميدان السياسي.

قاعدة قوية لأردوغان في ألمانيا

الأمر مختلف في ألمانيا؛ إذ يمكن لأردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، تحقيق نصر جلي. يعيش متين سيرين في مدينة كولونيا منذ 43 عاماً. عمل في مصانع فورد لمدة أربعة عقود وكان نقابياً نشطاً. صوّت سيرين لأردوغان من قبل ويريد أن يكرر ذلك هذه المرة أيضاً، يقول لـ DW: “زادت محبتي لحزب العدالة والتنمية خلال العشرين عاماً الماضية يوماً بعد يوم”.

يوضح يونس أولوسوي من “مركز الدراسات التركية وأبحاث الاندماج” (ZfTI) بجامعة دويسبورغ-إيسن أن “نسبة كبيرة من المنحدرين من أصل تركي في ألمانيا يصوتون لصالح أردوغان. هذا هو الواقع”. في الاستفتاء على الدستور لعام 2017، صوت حوالي 63 بالمائة من الأتراك في ألمانيا لصالح التعديلات الدستورية التي اقترحها أردوغان، بينما كانت النسبة في تركيا أقل بقليل من 51 بالمائة. حوّل الاستفتاء الناجح تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.

وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2018، ذهبت 64,8 بالمائة من الأصوات في ألمانيا إلى أردوغان، بينما لم ينل في تركيا إلا 52,6 بالمائة من الأصوات.

وبالمناسبة، فإن هذا الاتجاه الداعم لأردوغان خارج تركيا ليس كحاله في ألمانيا. على سبيل المثال، في عام 2018، حصل أردوغان على 17بالمائة فقط من الأصوات في الولايات المتحدة، و21 بالمائة في المملكة المتحدة، و35 بالمائة في إيران، و29 بالمائة في قطر.

سلوكان انتخابيان مختلفان

في ألمانيا، أثار السلوك الانتخابي للأتراك بعض الانتقادات. ومن بينها، اتهامات بالتناقض: كيف يمكن للمرء أن يصوت للديمقراطيين الاجتماعيين أو حزب الخضر في هذا البلد، ووفي نفس الوقت يصوت لصالح حزب العدالة والتنمية الإسلامي-المحافظ؟

يعتقد متين سيرين أن انتخاب أردوغان وحزبه هو قرار عقلاني للغاية، وحتى دليل على انفتاح الناخبين الأتراك المحافظين في ألمانيا على التغيير وقلة تعصبهم، ويضيف: “يصوت الناس بطبيعة الحال للحزب الذي يمثل مصالحهم. على المرء النظر للقضية بإيجابية”.

المراقبون السياسيون لديهم وجهة نظر مماثلة. “بالطبع، كأجنبي تبحث عن الحزب القريب منك. كان السؤال في السابق: هل ننتخب حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أم الحزب الاشتراكي الديمقراطي؟ في ذلك الوقت، كان الأتراك في ألمانيا من العمال وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الداعم للحركة العمالية في العالم، أقرب إلى الأتراك المحافظين من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ”، يحلل الباحث في الاندماج يونس أولوسوي.

سحر ألمانيا وسحر تركيا

كان الأتراك الأوائل الذين قدموا إلى ألمانيا في الغالب من سكان المناطق الريفية المحافظة في الأناضول، ويوضح أولوسوي: “عندما يهاجر الناس، فإنهم يواصلون تطوير القيم التي يجلبونها معهم. ويتمسكون بمواقفهم الدينية المحافظة بشكل أكبر في الشتات”.

من العوامل المهمة في قرار متين سيرين في التصويت لحزب العدالة والتنمية، هو “تطور تركيا تحت قيادة أردوغان، في مجالات متنوعة مثل الصحة والنقل والدفاع”، ويضيف أنه من الطبيعي أن “يجعله تطور وطنه سعيداً للغاية”. يقارن تركيا اليوم بألمانيا في الماضي: “عندما جئنا إلى هنا، كنا مفتونين بألمانيا. كانت الإدارات الحكومية والمستشفيات والطرق السريعة رائعة حقاً. كنا نشعر بالأسى على عدم وجود مثل ذلك التطور في تركيا. ولكن في العشرين عاماً الماضية، رأينا أن المستشفيات والطرق السريعة في تركيا ترقى إلى مستوى المعايير العالمية”.

ويضيف متين سيرين أن الخدمات والحقوق القنصلية للأتراك الذين يعيشون في الخارج قد تحسنت هي أيضاً بشكل ملحوظ خلال عهد أردوغان. وهذا يعني الكثير للأتراك الذين يعيشون في الخارج، كما يعتقد. ويسوق مثال الخدمة العسكرية الإلزامية، إذ سمح حزب العدالة والتنمية بدفع بدل نقدي لقاء الإعفاء من الخدمة في الجيش، ويرى أن “هذا إنجاز عظيم يجب أن يشكر حزب العدالة والتنمية عليه. لهذا السبب يحظى الحزب بدعمي”. منذ عام 2014، يسمح للأتراك أيضاً من التصويت في البعثات الدبلوماسية التركية في الخارج، وهو ما لم يكن ممكناً في السابق.

شيطنة مقابل الانتماء

ينتقد يونس أولوسوي من “مركز الدراسات التركية وأبحاث الاندماج” (ZfTI) بجامعة دويسبورغ-إيسن أن العديد من الألمان لم يحاولوا حتى فهم لماذا يصوت الأتراك المحافظين للرئيس رجب طيب أردوغان: “يمكن للمرء أن يحكم على هذا السلوك الانتخابي من الناحية الإيدلوجية أو حتى فضحه، ولكن يمكن أيضاً محاولة فهم دوافع الناخبين”.

وفوق ذلك يتساءل الباحث في الاندماج عن سر التركيز فقط على الجالية التركية في ألمانيا: “هل أتراك ألمانيا هم الوحيدون الذين يصوتون من خارج بلدهم؟ بالطبع لا. الإيطاليون الذين يعيشون في الخارج لهم أيضاً الحق في التصويت. وصلت حكومة يمينية شعبوية إلى السلطة في إيطاليا ولا أحد يعرف كيف صوت الإيطاليون في ألمانيا. لم يكن أحد مهتماً”.

يبدو أن أردوغان يملأ فجوة تركتها الدولة الألمانية: “بعد 60 عاماً، لا يزال الساسة الألمان يجدون صعوبة في مخاطبة (أتراك ألمانيا) والقول لهم: ‘إنكم تنتمون إلى هذا البلد، بغض النظر عما إذا كنتم من مؤسسي شركة بيونتيك أو من الشبان الذين ربما قاموا ببعض أعمال الشغب في ليلة رأس السنة. حتى لو أخطأتم، فأنتم جزء منا. لكن هذا بالضبط ما يقوله أردوغان: بغض النظر عن الدولة التي تعيش فيها، وبغض النظر عن الجنسية التي تحملها، فأنت تنتمي إلينا (تركيا)”.

وترى الباحثة في عالم الاجتماع، د. صابرينا ماير، الأمر من نفس المنظور. وتقول الأستاذة في جامعة بامبرغ في حديث لـ DW: “وجد أردوغان أنه من السهل مخاطبة حزء من ذوي الأصول التركية، الذين يتوقون إلى التقدير بسبب أصلهم التركي”، مردفة أن السياسات الحكومية الألمانية المتعاقبة لم تفلح في توليد شعور بالانتماء إلى المجتمع الألماني لدى أتراك ألمانيا. وتضرب ماير مثلاً بعملية التجنيس: تجنيس الأشخاص من أصل تركي لم يتم تسهيلة لفترة طويلة، على عكس مجموعات مهاجرة أخرى مثل الروس من أصل ألماني. وفقاً للمادة 116 من القانون الأساسي (الدستور الألماني)، يحصل الألمان الذين هاجروا من روسيا والدول الناشئة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي على الجنسية الألمانية بجهد أقل.

دافع التحدي

يقول يونس أولوسوي من “مركز الدراسات التركية وأبحاث الاندماج” (ZfTI) بجامعة دويسبورغ-إيسن: “هذه العوامل تعني أن الشباب من الجيل الثالث على وجه الخصوص يصوتون لأردوغان بدافع التحدي”. ويؤكد متين سيرين، ناخب حزب العدالة والتنمية في كولونيا هذا الرأي: “في السنوات الأخيرة، تم استبعاد الأتراك المحافظين في ألمانيا من الأحزاب السياسية الألمانية بسبب أردوغان. وهذا تطور محزن للغاية. أثار هذا الاستبعاد بطبيعة الحال رد فعل، إذ بدأ الناس على وجه التحديد في تلك المرحلة بدعم أردوغان”.

بغض النظر عن نتيجة الانتخابات في 14 أيار/مايو، متين سيرين سعيد بممارسة حقه في التصويت وأن هناك من يمثله سياسياً: “على الرغم من أنني أعيش في ألمانيا منذ 43 عاماً، لم يُسمح لي حتى بالتصويت في الانتخابات المحلية هنا. هذا إقصاء ويحزنني. لكن تركيا تمنحنا الحق في التصويت. وأنا فخور أنه بإمكاني المشاركة في القرار في تركيا”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها