بوتين و جيشه في سوريا بين خياري أوكرانيا وأفغانستان .. و مكانة أمريكا القيادية في العالم تنحدر

خمّنوا من قرر الانضمام للصراع بسوريا؟ روسيا الخاضعة لحكم فلاديمير بوتين. فعلى ما يبدو، لم تردعه العقوبات الدولية، ويتمتع بالسيطرة الكاملة على الأراضي التي استولى عليها من أوكرانيا في العام الماضي. وهو الآن يخطط لشن حملة كبيرة على سوريا، البلد الذي هو اليوم بؤرة بلا منازع من الصراع العالمي والفكر المتطرف والبؤس الإنساني.

المبيعات العسكرية الروسية إلى النظام السوري ليست بالأمر الجديد. ولكن في الأيام القليلة الماضية، يبدو أن شيئا ما قد تغير. حيث تفيد تقارير مسؤولي المخابرات وشهود العيان على أرض الواقع، زيادة مفاجئة وحادة في النشاط الروسي، المصحوب بأسلحة أكثر تطورا، والمزيد من العناصر البشرية، والعمل بتوسيع مرافق الميناء والمطار، وبناء ثكنات مجهزة لإيواء ما يُقدّر بنحو ألف من عناصر الجيش الروسي.

والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو التنبؤات بتخطيط روسيا لإقامة قاعدة عمليات جوية في اللاذقية بسوريا، المدينة التي تُصف بأنها معقل الرئيس السوري بشار الأسد، رغم نفي المبعوث السوري للعاصمة الروسية موسكو هذه الشائعات.

وأبرزت هذه التطورات السريعة عدم استعداد الولايات المتحدة وعدم تأكدها من كيفية الرد وارتباكها حول نوايا بوتين الحقيقية. حيث نذكر أن الرئيس الأمريكي أوباما فاجأ الجميع منذ شهرين عندما مدح بوتين لمساعدته في التفاوض باتفاق إيران النووي، واقترح أن مشاركة روسيا الإيجابية يمكن أن تمتد لإيجاد حل للحرب السورية.

وعلى الأرجح يريد بوتين اقناع أوباما بأن هذا هو بالفعل ما ينوي القيام به. ولكن الواقع هو أن الروس يعملون في معارضة مباشرة لأهداف الولايات المتحدة.  فقد تحالفت روسيا استراتيجيا مع إيران، ويدعم ذلك أحدث زيارات قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية، قاسم سليماني، إلى موسكو.

وعندما بدأ مسؤولون أمريكيون بالاعتراض على الحشد العسكري المفاجئ في سوريا، ردت موسكو أولا بأنها فقط تدعم عقود مبيعات أسلحة عُقدت في فترات سابقة. وعندما أصبح من المستحيل إنكار وفرة الأسلحة الروسية في سوريا، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن روسيا تساعد حكومة بشار الأسد في مواجهة الدولة الإسلامية، وأنها أرسلت بعض المدربين لمساعدة الجيش السوري على استخدام الأسلحة.

وحاول بوتين جعل الأمر يبدو كما لو أن موسكو وواشنطن على نفس الخط، كلاهما في خط الدفاع الأول جنبا إلى جنب لمكافحة الدولة الإسلامية، التي تعرف أيضا باسم “داعش”. حيث قال الرئيس الروسي: ” نحن بالفعل نريد تأسيس نوع من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف.”

ولكن في هذه الحرب، حقيقة أن الطرفين لهما عدو مشترك لا يجعل منهما أصدقاء. فكل من روسيا والولايات المتحدة ينظر لداعش نظرة عدائية، ولكنهما يقفان على طرفين متناقضين من الصراع.

ففي نهاية المطاف، لا ينوي الروس قتال داعش حقا. إنهم في سوريا لتحقيق مصالحهم وحماية الأسد. وبالمقابل، هدد أوباما بموجب رحيل الأسد دون اتخاذ أي إجراء لفرض ذلك، وتنبأ بأن الحرب لن تنتهي خلال فترة رئاسته.

ورغم ذلك، أصدر حساب تويتر الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية الروسية يوم الجمعة بيانا منسوبا لوزير الخارجية ينفي فيه وضع حد لنظام الأسد. حيث قال: “علينا التخلي عن فكرة تغيير نظام الحكم في سوريا، لأن المحاولات السابقة أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في الإرهاب.”

ويأتي الدليل على عدم وجود عزم لمحاربة داعش في شكل الأسلحة التي يتم تزويد النظام السوري بها، خاصةً أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة. فليس لدى داعش أي قدرة على الهجوم عن طريق الجو، مما يشير إلى أن روسيا حشدت بالفعل الدفاع الجوي السوري لهدف آخر، ربما القوات التركية، أو بسبب مناطق حظر الطيران المحتملة التي قد تؤسسها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وتهتم موسكو بسوريا جزئيا لأنها تستضيف الميناء الوحيد لروسيا في البحر الأبيض المتوسط. حيث تقع المنشأة البحرية “طرطوس” على بعد حوالي 50 ميلا الى الجنوب من اللاذقية، المدينة التي يمكن أن ينتهي بها المطاف كعاصمة جديدة لسوريا إذا تجزئت الدولة.

في نهاية المطاف، رغم دعم روسيا لسوريا إلا أن السبب وراء ذلك ليس دعم الأسد فعليا وإنما محاولة لزيادة نفوذها العالمي. حيث تحاول موسكو تعزيز وجودها في الشرق الأوسط، والوقوف بحزم وراء الدكتاتور العربي الذي تعارضه واشنطن.

ومع كل طائرة شحن عسكرية تهبط في سوريا، تؤكد موسكو أكثر على عزمها على لعب دور حيوي عسكري في ساحة الصراع الدولي. ومن خلال ذلك، وجد بوتين وسيلة لتأكيد القوة الروسية، وتسخير الاضطرابات في الشرق الأوسط لصالح روسيا.

ورغم تصاعد التدخل الروسي، إلا أن المحللين الغربيين لا يزالون غير متأكدين من طبيعة أهداف بوتين الحقيقية. هل سيكتفي بحماية الأسد؟ هل سيقبل بالدفاع عن القاعدة البحرية الروسية ووصول بلاده إلى البحر الأبيض المتوسط فقط؟ أم ينوي مساعدة الأسد وحزب الله بالتغلب عل الجماعات المعارضة لهم واستعادة السيطرة على كل سوريا؟

نهاية هذا الوضع يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على المنطقة وبالنسبة لروسيا، فنذكر أن تورط موسكو في أفغانستان هو الذي ساعد على اسقاط الاتحاد السوفياتي. ولكن أيا كان ما سيحدث بعد ذلك، يتعين على الغرب أن يتعلم شيئا واحدا من الأشهر الـ18 الماضية: وهو أن بوتين خصم جريء وجسور، ما يمثل مشكلة كبيرة، خاصة في الوقت الذي لا تزال فيه استراتيجية الغرب بحل أزمة أوكرانيا غير واضحة. كما أن طرقه للتعامل مع الأزمة السورية تُظهر عدم تأهله لردع روسيا إذا تطلب الأمر.

وكلما ترسخ الأسد على العرش أكثر، كلما تضاءلت فرصة إيجاد حل للحرب السورية. ولذلك، لا يساعد هذا التحالف القوي بين روسيا وإيران في سوريا الشعب السوري، ولا يساعد ذلك الولايات المتحدة وحلفائها التي تنحدر مكانتها القيادية العالمية قليلا كل يوم.

فريدا غيتيس – سي ان ان[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها