دويتشه فيله : “جنود أردوغان” .. ما سر ولاء منظمات تركية في ألمانيا لـ “القائد” ؟
لم يتحمس وزير الزراعة الاتحادي، جيم أوزدمير، على الإطلاق لفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وأعرب عن خيبة أمله ودعا إلى عهد جديد فيما يخص سياسة ألمانيا تجاه تركيا. وقال السياسي البارز في حزب الخضر، والمنحدر من أصول تركية: “في التعامل مع بوتين، رأينا ما يحدث عندما تقوم بتجميل الوضع”، محذراً من تزياد القومية التركية والأصولية في ألمانيا.
كما انتقد الوزير الألمان-الأتراك الذين احتفلوا بصوت عالٍ وعلى نطاق واسع بانتصار أردوغان في شوارع ألمانيا: “يطلقون الزمامير بفوز شخص حول البلاد إلى نوع من السجن المفتوح، بينما هم يتمتعون في نفس الوقت بمزايا الديمقراطية الليبرالية هنا” في ألمانيا.
بالمقابل، حذر جوكاي سوفو أوغلو، رئيس جمعية “الجالية التركية في ألمانيا” (TGD) ، من انتقاد عام للناخبين من أصل تركي في ألمانيا. في مقابلة مع DW، قال إن “حوالي ثلاثة ملايين تركي يعيشون في ألمانيا. ومن بين هؤلاء، صوّت نحو 500 ألف لصالح أردوغان. بالقياس إلى العدد الإجمالي للأتراك الألمان، فإنهم يمثلون حوالي 17 بالمائة فقط”.
لكن كمال بوزاي، الأستاذ في “جامعة كولونيا الدولية” والباحث في التطرف، يختلف بالرأي مع أوغلو: “تبقى الحقيقة أن أكثر من 65٪ ممن يحق لهم التصويت والذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية صوتوا لأردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه”. ويضيف بوزاي أن بعض الناخبين صوتوا لحزب الحركة القومية المتطرف قومياً. والحزب حليف مهم لأردوغان. وفق “المكتب الاتحادي لحماية الدستور” (الاستخبارات الداخلية) فإن جماعة “الذئاب الرمادية” المتطرفة يمينياً تنحدر من الحزب المذكور.
بالنسبة لبوزاي، لا ينبغي تجاهل أن التأثير المحافظ-القومي والديني المتطرف آخذ في الازدياد بين الأشخاص من أصل تركي. في رأيه، تساعد منظمات مثل “اتحاد الديمقراطيين الدوليين” (UID) وهي لوبي تتبع لحزب العدالة والتنمية، و”الاتحاد التركي-الإسلامي” (DITIB) الذي يرسل الأئمة من تركيا إلى ألمانيا، والجماعة الإسلامية “ميلي غورش” (IGMG) و”اتحاد الجمعيات المثالية الديمقراطية التركية” (ADÜTDF)، الذي يُنظر إليه على أنه “مجموعة الذئب الرمادي” في المانيا، على تعزيز هذا التأثير.
تأسس “اتحاد الديمقراطيين الدوليين” (UID) في عام 2004 في مدينة كولونيا كلوبي لحزب العدالة والتنمية التركي، وهو الآن أكبر مجموعة مصالح مقربة من الحكومة التركية تقوم بحملات مكثفة للسياسة التركية الحالية وتحاول التأثير على تشكيل الرأي في الجالية التركي. وفق “المكتب الاتحادي الألماني لحماية الدستور” (الاستخبارات الداخلية)، فإن الاتحاد، الذي يقع مقره الرئيسي في كولونيا، لديه 15 فرعاً في جميع أنحاء ألمانيا، ويتبع للفروع بدورها عدة جمعيات محلية.
يقول كمال بوزاي، الأستاذ في “جامعة كولونيا الدولية” والباحث في التطرف إن نشاط مثل هذه المنظمات والجمعيات لصالح الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية لا يشكل في الواقع مشكلة، بيد أن المشكلة تكمن في تضمين دعاية الحملة الانتخابية مواقف يمينية متطرفة، وقومية متطرفة، ودينية متشددة، ومناهضة للديمقراطية.
يعيش حوالي مليون شخص في ولاية شمال الراين- ويستفاليا. ووفق “المكتب الاتحادي حماية الدستور” يكمن في هذا التجمع الكبير إمكانيات تعبئة انتخابية كبيرة. ويؤخذ هذا التجمع في الاعتبار في سياسة الحكومة التركية تجاه جالياتها في الخارج.
وحسب السلطات، فإن الجزء الأساسي من هذه السياسة يتمثل بالتركيز بشكل مستمر على حالات مزعومة أو حقيقية للعنصرية والإسلاموفوبيا والعداء لتركيا في المجتمع الألماني والدولة الألمانية. من ناحية أخرى، يجري التأكيد على مكانة وأهمية الجالية التركية في ألمانيا لحكومة أنقرة. ومن أجل الوصول إلى الأشخاص من أصل تركي وربطهم عن بشكل قوي بتركيا، تقوم هذه المنظمات بنشر سرديات الحكومة التركية.
تُظهر نظرة على قنوات التواصل الاجتماعي العائدة لـ “اتحاد الديمقراطيين الدوليين” (UID) ما سبق ذكره. في مقطع فيديو تم تسجيله أمام قصر أردوغان الرئاسي في أنقرة، ألقى رئيس الاتحاد، كوكسال كوس، كلمة أمام مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين قدموا على ما يبدو من الخارج. وقال كوس إنه “ليس من السهل في أوروبا أن تكون من مؤيدي حزب العدالة والتنمية وأردوغان. ومع ذلك، فقد أظهرتم أنكم جنود فخورون لأردوغان”. ويتخلل الخطاب التصفيق والتكبير. ويتابع: “قمتم بعمل ممتاز في الجولتين الانتخابيتين. لقد سطرنا هذه الملحمة البطولية معاً”. ثم تسير المجموعة باتجاه مدخل القصر. أحدهم يردد بصوت عال: “إلى جانب من يقف الأتراك في الخارج؟” ويرد عليه الجمع: “في جانب القائد!”
وأكد الاتحاد نفسه أنه نسق نشاط الحملة الانتخابية في ألمانيا مع قيادة حزب العدالة والتنمية في أنقرة. خلال العام الماضي، قام الاتحاد بالتنسيق مع أنقرة بتشكيل 750 خلية لدعم الحملة الانتخابية في 180 منطقة حول العالم، ووظفوا 15 ألف إنسان في الحملة وحشدوا أكثر من 30 ألف متطوع.
منذ السماح للأتراك الذين يعيشون في الخارج بالتصويت، يكثر أن تتعرض المساجد للنقد على خلفية اتهامها بالنشاط بحملات انتخابية لصالح الحكومة التركية. وفي الانتخابات الأخيرة صوب البعض سهام نقده كذلك على كل من “الاتحاد التركي-الإسلامي” (DITIB) والجماعة الإسلامية “ميلي غورش” (IGMG).
ورفضت أكبر منظمة إسلامية-تركية، “الاتحاد التركي-الإسلامي” (DITIB)، هذه المزاعم: “الاتحاد لا يتسامح مع إقامة فعاليات انتخابية وممارسة الدعاية الانتخابية في المراكز التابعة له، عندما يتخذ البعض مدخل المراكز والمساجد كنقطة التقاء لخدمات النقل المكوكية لجلب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، فليس للاتحاد أي تأثير على ذلك”.
غير أن الاتحاد لم يعلق على الدعاية للحكومة التي يقوم بها بعض الأئمة. قبل الانتخابات، خطب بعض الأئمة قائلين إن “القوى الأجنبية تريد تقسيم تركيا وحان الوقت للقتال من أجل الدين والسلطة الدينية والعلم التركي”.
يتم إرسال جميع الأئمة العاملين في المساجد التركية في ألمانيا تقريباً من أنقرة.
إنهم موظفون أتراك يتقاضون رواتبهم من رئاسة الشؤون الدينية “ديانت”، التي تتبع مباشرة للرئيس التركي أردوغان. يخشى الوزير الألماني جيم أوزدمير من أن يكون الجيل القادم من الأئمة الذين يتم إرسالهم إلى ألمانيا أكثر قومياً وأصولية، ويرجع السبب إلى أن أردوغان وسّع تحالفه مع أحزاب وجماعات قومية وإسلامية ومعادية للسامية.
ويشارك كمال بوزاي، الأستاذ في “جامعة كولونيا الدولية” والباحث في التطرف، الوزير جيم أوزدمير هذا القلق. ويقول: “هنا على وجه الخصوص نحتاج إلى سياسة نشطة تجذب الشباب من أصل تركي وتشركهم في الهياكل الاجتماعية. ومن المهم إبعاد المنظمات التركية اليمينية المتطرفة والإسلامية والمعادية للسامية عن المسارات الديمقراطية في هذا البلد”. (DW)[ads3]