دويتشه فيله : ماضي ألمانيا و مقترح لترسيخ حب الوطن في قلوب الألمان

قدم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض من يمين الوسط في ألمانيا اقتراحا إلى البرلمان الألماني الأسبوع الماضي أثار الكثير من الجدل حيال قضية ذات حساسية في البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا وهي متى يمكن أن يشعر الألمان مجددا بالفخر لكونهم ألمان ؟

ودعا الحزب إلى إعلان الثالث والعشرين من مايو / أيار من كل عام يوما وطنيا في البلاد للاحتفال بإقرار دستور البلاد أو ما يُعرف بـ “القانون الأساسي” عام 1949 بالإضافة إلى تدشين “البرنامج الفيدرالي الجديد لتعزيز الوطنية” والذي سوف يتضمن خططا تهدف إلى:

· تعزيز تواجد الرموز الوطنية طوال العام خاصة العلم الألماني في الأماكن العامة.

· الاستماع إلى النشيد الوطني بوتيرة أكثر خلال المناسبات العامة.

· تمكين الجيش الألماني من إقامة احتفالات عامة كثيرة والاستعراض للتأكيد على الروابط بين القوات المسلحة والمجتمع المدني ولتعزيز روح الوطنية.

وقد سعى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بكل ما أوتيه من قوة للخروج بهذه الأفكار في إطار عبارات مثل الوطنية الحديثة التي تدعو المهاجرين للالتزام بالقيم المنصوص عليها في القانون الأساسي في قضية ظلت على الهامش السياسي.

ويأمل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في طرح قضية الوطنية لمواجهة منافسيه في الانتخابات الذين يمثلون أقصى اليمين وتحديدا حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، حيث كتب زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز وألكسندر دوبريندت رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المسيحي الاجتماعي في المقترح أن الشعور المتجدد بالفخر الوطني من شأنه أن يقاوم “الاستقطاب والانقسامات المتزايدة داخل مجتمعنا”.

ثقافة الفخر وثقافة العار

وتكمن إشكالية قضية الوطنية في البلاد في أنها قديمة قدم الجمهورية الفيدرالية فيما مازال الأحساس بالكبرياء الجريح عقب الحرب العالمية الثانية محسوسا حتى الوقت الراهن في ألمانيا.

فقد أظهر استطلاع أجراه معهد إنسا عام 2021 أن 61٪ من الألمان يعتقدون أن المدارس يجب أن تعزز علاقة “أكثر إيجابية” لترسيخ ارتباط الأطفال بالمانيا، بيد أن تاريخ ألمانيا يعطى درسا بأن الوطنية قضية عميقة.

وفي هذا الصدد، طرح مارتن سابرو، الأستاذ الفخري بجامعة هومبولت في برلين والمدير السابق لمركز لايبنتز للتاريخ المعاصر في بوتسدام، تساؤلا في غاية الأهمية مفاده: “من يستطيع من دون تردد أو تثبيط أن يعلن ارتباطه بالأمة الألمانية؟”

وأضاف “هناك نصب تذكاري للهولوكوست في الحي الحكومي [في برلين] يخلد ذكرى مقتل ستة ملايين يهودي وملايين قُتلوا في الحرب. من الغريب الا ينتابنا شعورا مضطربا تجاه جنسيتنا.”

الجدل حيال ألوان العلم الألماني

يشار إلى أن أسباب متجذرة تجعل الوطنية قضية غير مباشرة في ألمانيا كما هي في أي مكان آخر فألوان العلم الألماني وهي الأسود والأحمر والذهبي يراها كثيرون بأنها تنطوي على تاريخ مسيس ولم تسهم بشكل كبير في توحيد جميع الألمان بنفس الطريقة التي حققتها خمسون نجمة بيضاء و 13 شريطا في العلم الأمريكي.

جرى التلويح بالألوان الأسود والأحمر والذهبي لأول مرة من قبل عناصر فيلق جيش بروسيا التي كانت تحارب لتحرير أوروبا من الإمبراطورية الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت الذي احتل أجزاء كبيرة من ألمانيا آنذاك.

وكان الألوان الثلاثة راسخة في علم الاتحاد الألماني في أوائل القرن التاسع عشر ، فيما اعتمدت الجمعية الوطنية العلم نفسه في أعقاب ثورات عام 1848 مع تشابك الهوية الوطنية والحرية والحقوق الفردية مع موجة مناهضة للملكية.

بيد أن هذه الألوان لم تعد مقبولة مع زيادة قوة بروسيا وعودة الملكية فيما أصبحت الألوان الأسود والأبيض والأحمر ألوان الاتحاد الألماني الجديد أو الرايخ الألماني الجديد عام 1871.

وفي عام 1919، حددت الجمعية الوطنية، التي اجتمعت في فايمار بعد انهيار الإمبراطورية الألمانية، الألوان الذهبي الأسود والأحمر مرة أخرى كعلم لجمهورية فايمار المؤسسة حديثا، بيد أن النازيين ألغوا هذا العلم مرة أخرى في عام 1934.

وحتى مع انتهاء الحرب، ظلت ألوان العلم الألماني قضية تثير الجدل، وفقا لما ذكره مارتن سابرو، الأستاذ الفخري بجامعة هومبولت في برلين.

وأضاف “كان هناك خلاف مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية” في إشارة إلى الدولة الألمانية الثانية التي تأسست في أكتوبر/ تشرين الأول 1949 بعد أربع سنوات من نهاية الحرب العالمية أو ألمانيا الشرقية بعد تقسيم البلاد.

وقال “لقد كانوا في الواقع أول من رشح الألوان الذهبي والأسود والأحمر وبعد ذلك قامت ألمانيا الغربية بالأمر نفسه. يدل ذلك إلى المستوى الذي يمكن القول بأن هذا المزيج من الألوان يفتقر للأسس التقليدية حتى تسلم به المعسكرات السياسية المختلفة”.

وخلال العقدين الماضيين، أصبح الألمان أقل قلقا بشأن رفع علم بلادهم عند تشجيع المنتخبات الألمانية فيما كان يُنظر إلى مونديال كأس العالم عام 2006 الذي نظمته ألمانيا باعتباره مصدر فخر حيث جرى رفع العلم الألماني من شرفات المنازل وداخل السيارات و اتّحدت البلاد خلف فريق يضم لاعبين من ثقافات مختلفة.

وحتى في السنوات القليلة الماضية، رفع أنصار حركة بيغيدا الألمانية المتطرفة المعادية للإسلام وحزب “البديل من أجل الشعبي” اليمني الشعبوي العلم الألماني خلال احتجاجاتهم.

ترسيخ “الوطنية الدستورية”

بدوره، قال المحلل السياسي أوي جون إن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يسعى إلى استعادة الكبرياء والفخر الوطني من أنصار وحركات اليمين المتطرف لكن من خلال إعادة إرساء تقليد “الوطنية الدستورية” بما يفيد بأن الوطنية ليست متجذرة في الهوية الوطنية ولكن في القيم المنصوص عليها في القانون الأساسي أو الدستور الألماني.

وفي مقابلة مع DW، أضاف جون، المحاضر في جامعة ترير، إن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يقول إن “القانون الأساسي الذي وضع أسس ديمقراطية مستقرة في ألمانيا يجب أن يكون مناسبة يُحتفى بها”.

لكن جون غير متأكد حيال ما إذا كان رفع العلم سيحدث التأثير الذي يأمله حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي للفوز بأصوات الناخبين المؤيدين لحزب البديل اليميني الشعبوي الذي يشهد حضورا قويا في استطلاعات الرأي الحالية، مضيفا “ستكون مهمة صعبة نظرا لأن العديد من الناخبين الداعمين لحزب البديل هم ناخبون لا يثقون بأحزاب الوسط مثل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.”

ويتفق في هذا الرأي مارتن سابرو، الأستاذ الفخري بجامعة هومبولت في برلين، قائلا “أعتقد أن مثل هذه المحاولات عديمة الفائدة إذ من غير الممكن فرض مثل هذا الارتباط على مجتمع حديث”.

بن نايت – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها