ألمانيا : قيود على على الشبان الروس الفارين من الخدمة الإلزامية
تقدم ما يقرب من 3000 روسي بطلبات لجوء في ألمانيا منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أغلبيتهم من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 سنة، والذين هربوا من الخدمة العسكرية الإلزامية التي وقع مرسومها الرئيس فلاديمير بوتين خلال مارس/آذار الماضي، لأنهم لا يريدون المشاركة في الحرب على أوكرانيا.
ونقلت التقارير الصحافية، عن شباب روس وصلوا إلى ألمانيا، أن معظمهم استخدموا طرقاً تمر عبر كازاخستان وتركيا بعد عمليات تخف، وذلك بعد أن أضحى موظفو مكاتب التجنيد الإجباري يتنقلون في أنحاء المدن الروسية، ويطرقون أبواب المنازل للسؤال عن الشباب، وبعضهم يستجوبون في المطارات خلال سفرهم، ويجرى توقيف بعضهم.
ورغم أن عدد الواصلين من اللاجئين الروس قليل لعدم وجود رحلات مباشرة من روسيا إلى ألمانيا، لكنه جرى التعامل مع طلبات لجوئهم بشكل صارم، ويخضع كل طلب لجوء للتمحيص على حدة، وتعاني غالبيتهم من إجراءات مطولة، كما تُرفض بعض الطلبات لأن أصحابها لم يثبتوا عند تقديم الطلب تلقيهم إشعار الاستدعاء من قبل الجيش الروسي للخدمة العسكرية الإلزامية، والتي تستمر في روسيا 21 شهراً متواصلة، في حين تصر السلطات الألمانية على أن مجرد القلق من التجنيد الإلزامي لا يكفي لقبول طلب اللجوء.
وإزاء ذلك، بينت شبكة “إيه آر دي” الإخبارية، عن مواطنين روس تقدموا بطلبات للحصول على حق اللجوء في ألمانيا، أن مسودة إشعارات التجنيد الإلزامي تُخزّن رقمياً، وتعتبر مسلمة تلقائياً، وبالإمكان إرسالها إلكترونياً بعد أن كانت تسلم بشكل شخصي، مع الإقرار باستلامها من خلال التوقيع. ويأمل هؤلاء الشبان في أن يزيد ذلك من فرص حصولهم على حق اللجوء كي يتمكنوا من بدء حياة جديدة في ألمانيا.
وفي خضم ذلك، أورد تحقيق شبكة “إيه آر دي”، عن ميخائيل لوكاس من مركز استشارات اللاجئين في مدينة دوسلدورف، أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين يتشدد بخصوص مسودة الإشعار، وأنه صارم في التدقيق حول سن الأفراد المتقدمين للجوء، وذلك من أجل الإحاطة الكاملة بوجود احتمال كبير أنهم سيخضعون للتجنيد لو رفضت طلبات لجوئهم، وبالتالي المغادرة.
وفي رد من وزارة الداخلية الاتحادية على طلب إحاطة من قبل حزب اليسار نشر أخيراً، تبين أنه، حتى نهاية إبريل/نيسان 2023، حصل 55 مواطناً روسياً في سن التجنيد فقط على حق اللجوء في ألمانيا، وبحسب ما ذكرت “زود دويتشه تسايتونغ”، فقد اتُّخذت قرارات بشأن 814 حالة، رفضت منها 88، وفي 671 حالة كان هناك ما يسمى “تسوية رسمية للإجراءات”، فعلى سبيل المثال، تشير الوزارة إلى “سحب طلب اللجوء” أو “القرارات في إجراءات دبلن”، والتي تكون بموجبها دول الاتحاد الأوروبي عدا ألمانيا مسؤولة عن تنفيذ إجراءات اللجوء.
وفي هذا الصدد، ناشدت حركة “المعترضين ضميرياً” الروسية دول الاتحاد الأوروبي إيجاد طرق للدخول القانوني لطالبي اللجوء، وخصوصاًَ الشبان الهاربين من التجنيد الإلزامي، ونقل موقع القناة الثانية في التلفزيون الألماني “زد دي إف” في وقت سابق، عن المتحدثة باسم المنظمة ماريا ألكسندروفا، أن “الحركة تقدم المشورة لطالبي اللجوء، وتنصح معارضي الحرب الروس، خلال المحادثات الإرشادية، بالحصول على تأشيرة عمل أو دراسة بدلاً من تقديم طلب لجوء، لكن هذه الطلبات لا تُمرّر سريعاً في البعثات الألمانية في الخارج، وكل هذا يتزامن مع تقييد إصدار تأشيرات الزيارة إلى دول الاتحاد الأوروبي”.
انتقادات حقوقية
انتقد مسؤول أوروبا في منظمة “برو أزول” المدافعة عن حقوق اللاجئين، كارل كوب، نهج المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللجوء، مشيرا إلى أنه “من المخزي أن أولئك الذين يتهربون من الحرب العدوانية التي تنتهك فيها روسيا القانون الدولي لا يحصلون على الحماية ضمن إجراءات اللجوء الألمانية”، وأعرب عن اعتقاده أن أولئك الذين ألقوا أسلحتهم، أو رفضوا الخدمة العسكرية، والمستنكفين ضميرياً مخافة زجهم في الحرب الأوكرانية، يحتاجون إلى طرق منظمة للحصول على الحماية.
وشدد كوب على أن “المواطنين الروس الذين أداروا ظهورهم لحكومة بلادهم أو أعلنوا رفضهم الحرب يعيشون في خطر كبير، ويجب أن يحصلوا على فرص التعليم والعمل في ألمانيا، وبقية دول أوروبا”.
ومن وجهة نظر زعيمة حزب اليسار جانين فيسلر، فإنه “لا يكفي أن يتقدم هؤلاء بطلب لجوء. نحن بحاجة إلى وعود ملزمة بالحماية في شكل تأشيرات إنسانية، وتوضح لشبكة” آر إن دي” الإخبارية أنه “بدلا من الاستمرار في تقديم وعود جوفاء، يتعين على المستشار أولاف شولتز التصرف بناء على تصريحاته، وضمان حماية أولئك الذين يعارضون حرب بوتين الإجرامية، ويرفضون قتل الناس في أوكرانيا بالاستنكاف عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية”.
ترحيل مواطنين روس
من جهة ثانية، بات ما كان مستبعداً واقعاً خلال الفترة الأخيرة، فبعد أن علقت ألمانيا مع بدء الحرب على أوكرانيا عمليات إعادة المواطنين الروس إلى بلادهم، قامت ولاية بافاريا خلال الأيام الماضية بترحيل مواطنين روسيين، ووفقا للمعلومات التي ذكرتها شبكتي “دبليو دي آر” و”آر إن دي”، فقد نُقل شخصان، بينهما مجرم مدان وفقاً لأمن الدولة، إلى صربيا، ليستقلا من هناك رحلة أخرى إلى روسيا. وذكرت الشبكتان أن الترحيل لم يكن مصحوباً بضباط شرطة أو حراسة أمنية ألمانية، لأنه من غير المتوقع مقاومة عمليات الإعادة إلى الوطن.
وفي الصدد أيضا، يقال إن بعض الولايات الألمانية، من بينها “ساكسونيا انهالت” و”هيسن”، تفكر بإجراء عمليات إعادة مشابهة ستطاول في المقام الأول الأشخاص الخطرين، أو الذين ارتكبوا جرائم، أو أصحاب التهديدات الإرهابية، وهم الأشخاص الذين تعتقد السلطات أنهم قادرون على شن هجمات في أي وقت.
وحيال ذلك، أشارت شبكة “إم دي أر” الإخبارية إلى أنه “في ولاية سكسونيا أنهالت، هناك 459 شخصاً مطالبون بمغادرة البلاد، وهم من المجرمين المحكوم عليهم بالسجن فترات طويلة في ألمانيا بسبب ارتكابهم جرائم خطرة، ويجرى التحقق حالياً من إمكانية اعادتهم إلى روسيا، والعمل جار بشكل خاص على تجنب الخطر على حياتهم، في حين أن العمل مع موسكو للحصول على جوازات سفر بديلة لهم يكاد يكون معدوماً في الوقت الحالي”.
طرد دبلوماسيين ألمان
في المقابل، وفيما بدا تهديدا من روسيا تجاه الموظفين المدنيين الألمان على أراضيها، أبرزت “زود دويتشه تسايتونغ”، خلال الأيام الماضية، أن عدداً كبيراً من الموظفين، من بينهم دبلوماسيون ومعلمون، يتعين عليهم مغادرة موسكو، وسيتأثر بهذا القرار الأساتذة في كل من المدرسة الألمانية في موسكو وفي معهد غوته لتعليم اللغة هناك.
وعن هذا القرار، أشارت الخارجية الألمانية إلى أن روسيا اتخذت القرار في شهر إبريل/نيسان الماضي، ونص على وضع حد أقصى لعدد الموظفين في البعثات الأجنبية والمنظمات الوسيطة الألمانية في روسيا، ووفقا للمعلومات، يجب أن يبقى نحو 350 شخصاً فقط.
وبينت الخارجية الألمانية أنه “في ضوء هذا القرار أحادي الجانب غير المبرر وغير المفهوم، فإن الحكومة الألمانية مهتمة حالياً بضمان حد أدنى لبعثاتها والمنظمات الوسيطة الألمانية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الوجود الدبلوماسي. لا يمكن استبعاد أي رد فعل ألماني محتمل في ما يتعلق بالحد الأعلى للوجود الروسي في ألمانيا، وذلك بهدف أن تضمن ألمانيا وجود توازن حقيقي في الممارسة”.
وفي تعليق على هذه الخطوة، أبرزت “شبيغل أونلاين” أن الأمر على ما يبدو محاولة استباقية لنية الحكومة الألمانية التخلص من موظفي المخابرات الروسية المتنكرين في الزي الدبلوماسي، وذلك بعد أن فرضت على مجموعة من الموظفين الروس المغادرة خلال إبريل الماضي، وتحدثت وزارة الخارجية الروسية حينها عن “أفعال برلين العدائية”، معلنة عن عواقب.
[ads3]