وكالة تركية : مصير فاغنر في 3 دول عربية على المحك

يطرح مصير نشاط شركة فاغنر الأمنية الروسية في عدد من الدول العربية عدة تساؤلات بعد تمردها القصير على موسكو والذي انتهى بوساطة الرئيس البيلاروسي، وسحب الأسلحة الثقيلة من الشركة وتخيير عناصرها بين التعاقد مع الجيش الروسي أو الانتقال إلى بيلاروسيا أو العودة إلى بيوتهم.

وتنشط فاغنر في كل من سوريا وليبيا وبدرجة أقل في السودان، وشاركت بأشكال مختلفة في الحروب الأهلية في البلدان الثلاثة، من خلال التدريب والقتال وصيانة العتاد العسكري.

كما كان لها نشاط اقتصادي وتعديني على غرار استغلال مناجم الذهب في السودان، ومحاولة استغلال وتأمين حقول النفط في سوريا وليبيا.

ولم تحدد روسيا بعد مصير شركة فاغنر ونشاطها في الدول العربية الثلاث وما إذا كانت ستقوم بتفكيكها وإنهاء مهامها ام ستواصل نشاطها من بيلاروسيا.

ولكن وزارة الخارجية الروسية، قالت في 28 يونيو/حزيران المنصرم، إن على زعماء الدول الإفريقية أن يقرروا بأنفسهم إن كانوا يريدون مواصلة العمل مع فاغنر.

وهذا الإعلان يوحي بأن فاغنر من المرجح أن تواصل نشاطها في الدول العربية لكن دون غطاء روسي، والهجوم على قاعدة جوية في شرق ليبيا يتمركز بها عناصرها من طيران مسير مجهول يعكس انها ستكون عرضة للاستهداف خاصة من الولايات المتحدة التي وضعت من أولوياتها تقويض نشاط الشركة العسكرية في إفريقيا وعلى رأسها ليبيا والسودان.

سوريا

نشاط فاغنر في سوريا بدأ منذ 2015، بعد أربع سنوات من اندلاع الأزمة، حبث انتشرت عناصرها في عدة مناطق على غرار العاصمة دمشق، والساحل الغربي باللاذقية، وفي حلب شمالا وحماة وحمص وتدمر بالوسط، ودير الزور بالشرق، والحسكة والقامشلي بأقصى الشمال الشرقي.

ويقدر عدد عناصر فاغنر في سوريا بنحو ألفي عنصر، لكنها جندت نحو 3 آلاف عنصر آخرين من الجنسية السورية، وفق بعض التقديرات، مقابل مرتبات تتراوح ما بين 1200 و4 آلاف دولار.

غير أن صحيفة “وول ستريت” الأمريكية نقلت عن مصدرين وصفتهما بالمطلعين أن أوامر صدرت لعناصر فاغنر، الذين عملوا بشكل مستقل إلى حد كبير في سوريا، في 27 يونيو الماضي، بالذهاب إلى قاعدة جوية (طرطوس) تديرها وزارة الدفاع الروسية في مدينة اللاذقية، وامتثلوا لذلك.

كما نقلت قناة سكاي نيوز عربية عن مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأمريكية إن الاستخبارات العسكرية الروسية اعتقلت عددا كبيرا من قادة “فاغنر” المنتشرين في سوريا.

وتمرد فاغنر الأخير بسبب الخلافات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا سبقه خلاف صامت مع الجيش الروسي، بعد أن تعرضت عناصر لقصف جوي وصاروخي أمريكي مكثف عند اقترابها من حقل نفطي في دير الزور في فبراير/شباط 2018.

اتهمت فاغنر الجيش الروسي بعدم توفير الغطاء الجوي لعناصرها الذين قتل منهم نحو 300 في هجوم ديز الزور، بينما يرى الأخير أن المجموعة العسكرية تحركت دون تنسيق معه، ولم تأخذ بعين الاعتبار الاتفاق الروسي الأمريكي في سوريا.

ليبيا

تمثل ليبيا ثاني أهم الدول العربية التي تنتشر بها فاغنر، بنحو 1500 إلى ألفي عنصر، رغم انسحاب العشرات منهم للقتال في أوكرانيا، لكنها تدير نحو 5 آلاف من المرتزقة الأفارقة، وفق وكالة “نوفا” الإيطالية.

وتنتشر فاغنر في عدة قواعد عسكرية جوية شرقي وجنوبي ووسط البلاد، أبرزها قاعدة الجفرة الجوية (وسط)، وقاعدة القرضابية الجوية وميناء سرت (شمال وسط)، وقاعدتي براك الشاطئ وتمنهنت الجويتين (جنوب) وقاعدة الخادم الجوية (شرق).

وعلى عكس أي دولة أخرى تنشط فيها، فإن فاغنر تقود طائرات روسية من نوع ميغ 29 متعددة المهام، والمقاتلة الهجومية سوخوي24، بالإضافة إلى مروحيات عسكرية ومنظومات دفاع جوي متوسطة المدى من نوع بانتسير.

وشاركت فاغنر بشكل مباشر في الهجوم العسكري الذي شنه خليفة حفتر قائد قوات الشرق الليبي على العاصمة طرابلس (2019ـ 2020)، وقبلها بسنوات ساهمت فاغنر في صيانة معدات عسكرية وتوفير استشارات عسكرية.

إلا أنه وبعد أيام من تمرد فاغنر على موسكو تعرضت قاعدة الخادم الجوية، التي تنتشر بها عناصرها لهجوم بالطائرات المسيرة، دون وقوع قتلى.

لم تتبن أي جهة الهجوم، لكن عدة أطراف بما فيها الجيش الروسي لا يريد أن يتصاعد نفوذ فاغنر في ليبيا.

فتمرد فاغنر على موسكو يعني أنه لا توجد دولة بإمكانها لجم جماح هذه الشركة العسكرية، التي خرجت عن السيطرة، وقد تسعى لإسقاط الأنظمة الحليفة إذا ما تعارضت المصالح.

وفي غياب الغطاء الروسي الرسمي فمن شأن ذلك أن يجعل عناصر فاغنر عرضة لهجمات القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، التي لا تخفي رغبتها في إنهاء نفوذ الشركة العسكرية في القارة السمراء.

تتهم واشنطن ودول غربية فاغنر باستخدام ليبيا لدعم هجوم المعارضة التشادية المسلحة وزحفها نحو نجامينا في أبريل/نيسان 2021، ما تسبب في مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، ودعم قوات الدعم السريع في دارفور انطلاقا من الأراضي الليبية في حربها ضد الجيش السوداني، رغم نفي فاغنر لذلك.

السودان

نشاط فاغنر في السودان يعود إلى النظام السابق لعمر البشير، الذي نشرت عناصرها في البلاد في ديسمبر/ كانون الأول 2017، لتقديم الدعم العسكري والأمني للبلاد، مقابل استفادة شركتها “أم أنفست” من امتيازات تعدين الذهب خاصة في جبل عامر بدارفور (غرب).

كان نظام البشير بحاجة لدعم فاغنر في ظل قلقه من وقوع انقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية تحت ضغط تردي الأوضاع المعيشية بعد انفصال جنوب السودان في 2011، واستحواذه على ثلاثة أرباع احتياطات البلاد من النفط.

ورغم أن فاغنر لم تمنع سقوط نظام البشير، إلا أن نشاطها في السودان بقي متواصلا عبر مواصلة تعدين الذهب في جبل عامر ومناطق أخرى لكن هذه المرة بالتنسيق مع محمد حمدان دقلو المدعو حميدتي، قائد قوات الدعم السريع (شبه العسكرية).

وأقر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بأن السلطات السودانية لها الحق في استخدام مجموعة “فاغنر”، كما عرض زعيم فاغنر ييفغيني بريغوجين، الوساطة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع، بعد اندلاع القتال بينهما منتصف أبريل الماضي.

وتوجه وسائل إعلام غربية أصابع الاتهام لفاغنر بتزويد قوات الدعم السريع بأسلحة نوعية بينها صواريخ مضادة للطائرات، سمحت لها بإسقاط عدة مروحيات وطائرات حربية للجيش السوداني وتهديد تسيده لسماء المعركة.

ورغم نفي فاغنر لأي دعم عسكري لقوات الدعم السريع وكذلك حفتر، إلا أن تقريرا لمركز الخبراء العرب السوداني (مستقل) بعنوان “سبعون يوما من القتال” يؤكد تزويد فاغنر لقوات الدعم السريع بأسلحة “مضادة للطائرات بمساعدة حفتر”، الذي نفى ذلك سابقا.

فتواجد فاغنر في السودان يسمح لها بتنسيق عملياتها العسكرية في جمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة ومع ليبيا أيضا، كما يسمح لها بتطويق نظام محمد ديبي، الذي خلف والده على رأس تشاد، سواء من السودان شرقا ومن ليبيا شمالا ومن إفريقيا الوسطى جنوبا.

ومع هدوء جبهات القتال في سوريا وليبيا، فمن المتوقع أن تعزز فاغنر نفوذها العسكري في السودان عبر إرسال مزيد من الأسلحة والرجال لدعم الطرف الذي يحقق لها أكبر قدر من المصالح، لكن استمرار نشاطها أصبح على المحك في ظل الظروف الحالية. (Anadolu)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها