هل تنجح حكومة لبنان في ترحيل اللاجئين السوريين ؟
يزداد التضييق على اللاجئين السوريين في لبيان لدفعهم إلى العودة لبلادهم، إذ يواجه هؤلاء أساليب ضغط عدة، منها التصريحات العنصرية وتحميلهم مسؤولية الأزمات التي يمر بها لبنان، وانتهاء الحرب في وطنهم، ومداهمة منازل بعضهم وترحيل المئات منهم، إضافة إلى عمليات الترحيل الفردية التي تجري في الخفاء.
وصعدت السلطات اللبنانية معركتها ضد اللاجئين خلال الأشهر الأخيرة، في مختلف الساحات والمحافل المحلية والخارجية، محاولة الضغط بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق هدفها المعلن، رغم التحذيرات الدولية حول أخطار العودة إلى بلدهم.
إلى حد الآن سقط عدد من اللاجئين المعارضين لنظام الأسد ضحية المعركة التي تشنها السلطات اللبنانية ضدهم، فمنهم من رُحِّل واعتقل في سوريا بحسب ما ذكرت منظمات دولية، ومنهم من ترك فريسة للمهربين على الحدود بين البلدين، قبل أن يُسمح له بالعودة إلى لبنان مقابل مبالغ مالية، وهناك من لا يزال مصيره مجهولا كالشاب، عبدالهادي العثمان، الذي أوقف في شهر مايو في طرابلس شمالي لبنان بتهمة السرقة.
بعد الإفراج عن عبدالهادي بقرار من الهيئة الاتهامية في الشمال، أحيل إلى مركز الاحتجاز في الأمن العام في بيروت ليتم بعدها تبليغ وكيله القانوني، رئيس مركز سيدار للدراسات القانونية، المحامي محمد صبلوح، بصدور قرار ترحيله إلى بلده، رغم أنه معارض للنظام السوري الذي قتل والده في العام 2012 ما يجعله عرضة للاعتقال التعسفي والتعذيب.
طُلب من صبلوح بعد الاعتراض الذي قدمه على قرار ترحيل عبدالهادي، “حكماً يثبت براءته، وهو طلب مستحيل تنفيذه في ظل العطلة القضائية” وللحفاظ على حياة وكيله، تقدم بشكوى رسمية إلى مفوضية شؤون اللاجئين والمقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب، للضغط على السلطات اللبنانية للتراجع عن هذا القرار.
لا تبالي السلطات اللبنانية بحسب ما يقوله صبلوح لموقع “الحرة” بمخالفة اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي وقّعت عليها في العام 2000 وبالتحديد للمادة 3 الفقرة “أ” التي تنص على أنه “لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (أن ترده) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب”، وكون المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، فإنه لا يحق كما يشدد صبلوح ترحيل أي أجنبي أخلي سبيله بعد اتهامه بقضية ما.
“زوبعة في فنجان”
بعد رفض الأمم المتحدة والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان ترحيل اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان إلى وطنهم، تلقت الحكومة اللبنانية ضربة جديدة تمثلت بتصوّيت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة الشهر الماضي، على قرار يؤكد عدم تلبية شروط العودة الطوعية والكريمة إلى سوريا.
قرار البرلمان الأوروبي استتبع بموجة ردود مستنكرة رغم عدم إلزاميته، حيث اعتبره رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، “انتهاكاً واضحاً للسيادة اللبنانية ولا يأخذ في الاعتبار مخاوف اللبنانيين وتطلعاتهم”، وخلال “مؤتمر روما”، لمناقشة الهجرة عبر المتوسط، قال ميقاتي إن “أزمة اللاجئين تشكل ضغطاً هائلاً على البنية التحتية والاقتصاد والنسيج الاجتماعي في البلاد”.
وسارع وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، عبدالله بو حبيب، إلى إرسال رسالة لنائب رئيس المفوّضيّة الأوروبية، مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، شجب فيها القرار مؤكداً “ضرورة إطلاق حوار بنّاء وشامل بين لبنان والاتحاد الأوروبي حول الملفات كافة، وبالأخص ملف النزوح السوري الذي بدأ يُشكّل تهديداً ليس فقط على التركيبة الاجتماعية اللبنانية والاستقرار الاقتصادي، بل أيضاً على استمرار وجود لبنان ككيان”.
ونفّذ “التيار الوطني الحر” تظاهرة أمام مقر بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت، اعتراضاً على القرار، شارك فيها عدد من نواب التيار ومناصريه، رفعوا خلالها لافتات أشارت إلى أن “فرض بقاء النازحين ترهيب ومؤامرة وعدوان”.
لكن المحامية والناشطة الحقوقية، ديالا شحادة، ترى في حديث مع موقع “الحرة” أنه “لا يمكن اعتبار موقف البرلمان الأوروبي أكثر من موقف/رأي تجاه الأمنية والإنسانية للاجئين السوريين في سوريا ولبنان، ولا أرى بأي شكل كيف يمكن أن ينظر إليه على أنه مسّ بالسيادة اللبنانية”.
كل التصريحات والتهديدات التي تطلقها السلطات اللبنانية والتحركات المكوكية التي تقوم بها لحل قضية اللاجئين، “ما هي إلا زوبعة في فنجان” بحسب ما يصف صبلوح، مشدداً على أنه “إلى حد الآن لم يتم وضع خطة جدية من قبل الحكومة أو أي مسؤول ومرجعية في الدولة اللبنانية، لحل هذا الملف بطريقة تتوافق مع الاتفاقيات الدولية، وما الخطة التي وضعها وزير المهجرين أواخر عام 2022، والتي تقضي بإعادة 15 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم شهرياً، بتكليف من الحكومة اللبنانية، إلا حبر على ورق، وإن كان الظاهر اصطدامها برفض الأمم المتحدة لها والطلب من لبنان التريث في تنفيذها والالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية وضمان العودة الآمنة، والطوعية والكريمة للاجئين واللاجئات”.
كما أن النظام السوري غير مرحّب بهذه العودة، والدليل على ذلك بحسب صبلوح أنه “عقب إطلاق عملية العودة الطوعية (القسرية في الحقيقة)، تم تقديم لائحة بأسماء 500 لاجئ قرروا العودة، إلا أن النظام السوري لم يوافق سوى على 90 اسماً، ما يؤكد أنه الرافض الأساسي لاستقبال اللاجئين، وإن حاول إظهار أنه يقدم جميع التسهيلات اللازمة لهم، وفي الواقع هو يبتز المجتمعين العربي والدولي بربط عودتهم بإعادة إعمار سوريا”.
أسلحة قانونية
منذ وضع الحكومة اللبنانية ملف اللاجئين كأولوية، اقتصرت معالجته على التصريحات المدوية، ما يطرح السؤال فيما إن كان بإمكانها تنفيذ ما تلوّح وتهدد به.
عن ذلك يشرح عميد كلية العلاقات الدولية بالجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية، المحامي الدكتور، بول مرقص، بالقول إن هناك “قوانين وقرارات عدة يمكن أن تستند عليها الحكومة اللبنانية في هذا الملف، منها قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 يوليو 1962 الذي نصّ في المادة 17 منه على صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية، حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام، والمادة 32 من القانون عينه، التي نصّت على معاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان”.
كما يمكن أن تتحصن الحكومة اللبنانية بحسب مرقص، بالقرار الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع في أبريل 2019 والذي قضى “بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان دون المرور بالمعابر الرسمية، ويستند هذا القرار على اعتبارات بأنه لم يعد هناك من سبب للجوء السوريين إلى لبنان وأن أسباب الخوف من قمع السلطات السورية لم تعد قائمة بشكل عام”.
ومن أسلحة المواجهة تحرّر لبنان من أي التزام لمعاملة السوريين كلاجئين كونه لم يوقع كما ذكر مرقص، على “اتفاقية اللاجئين العالمية في العام 1951 وبروتوكول العام 1967 التابع لها؛ وكذلك عدم وجود قانون داخلي مطبق على اللاجئين، وإن كان على لبنان الالتزام بضمان الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم الإنسانية”.
ولفت مرقص إلى مذكرة التفاهم الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع وزير الداخلية والبلديات والمدير العام للأمن العام اللبناني في سبتمبر 2003، والمتعلقة بالتعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوضية في لبنان حيث ورد فيها أن “عبارة (طالب لجوء) وحيثما وردت في هذه المذكرة، تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان”، كما تنصّ الفقرة الأولى من هذه المذكرة على أنه “لا يجوز لأي شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية أن يتقدم بطلب لجوء لدى مكتب المفوضية بعد انقضاء شهرين على دخوله إلى لبنان”.
ويضيف: “وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية وأن من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها، ينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان وكرامة”.
مخالفات وعشوائية
جهتان رسميتان يحق لهما ترحيل اللاجئين من لبنان بحسب صبلوح “هما الأمن العام والقضاء، وذلك بعد دراسة ملف كل لاجئ على حدا لمعرفة فيما إن كان مطلوباً للنظام السوري من عدمه، لكن للأسف لا تتم دراسة وضع أي من اللاجئين والترحيل يجري بطريقة عشوائية مخالفة للمادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب، وذلك إما من خلال مداهمة منازلهم أو توقيفهم على الحواجز الأمنية، ليجري بعد ذلك تسليمهم إلى مهربين على الحدود يفرضون عليهم دفع ما بين 300 إلى 400 دولار للسماح لهم بالعودة إلى لبنان”.
من جانبه، يؤكد مرقص على أن “الحكومة اللبنانية ملزمة بمنح أي مواطن سوري موضوع قرار الترحيل الوقت الكافي لتقديم الدفاع عن نفسه والاعتراض على قرار ترحيله وتوضيح أسباب عدم رغبته بالعودة إلى سوريا ومراجعة القضاء أو البحث عن بلد آخر للانتقال إليه، وهذا متعلق بالقواعد الإنسانية العامة والمحمية بموجب القانون الدولي”.
ويلفت مرقص إلى الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني التي تنص على أن “لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء”، وإلى المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
أما شحادة فتشدد على أن “الدولة اللبنانية ملتزمة بعدم ترحيل الأشخاص المهددين بالاضطهاد في موطنهم سنداً لمقدمة الدستور اللبناني الملتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيرهما”.
سجالات وعدم جدّية
قبل إطلاقها معركة ضد اللاجئين، كان الأجدى بالحكومة بحسب صبلوح “توحيد صفوفها، وإظهار خطوات جدية بدلاً من السجالات المخزية، وآخرها ما دار بين وزيري الخارجية والمهجرين”، فبعد أن أعلن شرف الدين أن بو حبيب أبلغه تنحيه عن رئاسة الوفد الوزاري اللبناني إلى سوريا لمناقشة ملف اللاجئين، وصفه الأخير بالـ”حشري”، قائلا في حديث إعلامي: “الوزير شرف الدين لمّح عن أسباب لعدم ذهابي إلى سوريا مع الوفد، لأنه لا يعرف ما يحصل وهو حشري وبحب يتدّخل”.
وبررت وزارة الخارجية اللبنانية، اعتذار بو حبيب عن عدم ترؤس الوفد الحكومي إلى دمشق لمناقشة ملف اللاجئين بأن “جدول أعماله يحفل بعدة مناسبات خلال الأشهر المقبلة”.
ومن الحلول المطروحة لملف اللاجئين، مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التي أعلنت عنها في أبريل الماضي، وتقوم على استقبال اللاجئين المقيمين في لبنان، في المناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظات الحسكة والرقة وحلب ودير الزور، وقبل أسبوعين طلب ممثل الإدارة الذاتية في لبنان، عبدالسلام أحمد، من بو حبيب تشكيل لجنة تنسيق لحل الملف، وذلك خلال لقاء جمعهما في العاصمة اللبنانية.
يقف خلف التصعيد ضد اللاجئين، “تجّار” من مسؤولين ومرجعيات سياسية، كما يشدد صبلوح، ويقول: “لو أن الحكومة اللبنانية جادة في مسعاها لحل هذا الملف لكانت طلبت من الأمن العام اللبناني داتا بأسماء الذين دخلوا إلى سوريا وعادوا إلى لبنان خلال السنوات الخمسة الماضية، لنزع صفة اللجوء عنهم وترحيلهم، هؤلاء يقارب عددهم نحو 500 ألف، وفي حال رحلتهم لا يمكن لأحد أن يعترض على قرارها، كونه لا خطر عليهم بالتعرض للتوقيف والتعذيب في وطنهم”.
أما حل هذه الأزمة فيتطلب من وجهة نظر شحادة “معالجة الأسباب التي تمنع عودتهم إلى وطنهم، وأهمها السياسة المنهجية لنظام الأسد التي بدأت بتهجيرهم بسبب الجرائم التي ارتكبتها قواته وقوات الدول التي استرزقها في أراضيه (المنتهكة لقوانين الحرب)، بحق المدنيين السوريين، والتي انتهت بالامتناع عن إعمار المناطق المدمرة التي ينتمي إليها 80 في المئة من اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان (مسح مبادرة المساحة المشتركة)، وبإصدار مراسيم (المرسوم الرئاسي 10) تهدد الملكيات العقارية للمهجرين من هذه المناطق، وقرارات تبتز المواطنين السوريين المهجرين قسراً (رفع رسوم جوازات السفر والإعفاء من التجنيد القسري وفرض جباية 100 دولار من المواطنين العائدين والوافدين، وغيرها).
أسرار شبارو – قناة الحرة اللبنانية
[ads3]