عن اللقاءات السرية بين الملك حسين و غولدا مائير
عشية الذكرى الخمسين لحرب 1973، رفع الأرشيف الإسرائيلي النقاب عن مئات المحاضر التاريخية الخاصة بتلك الحرب التي أصابت إسرائيل بصدمة كبيرة وجرح لم يبرأ بعد وما زال يشغلها بشكل واسع رغم مرور خمسة عقود. ومن ضمن هذه المستندات ما يتعلق بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين، الذي وفقا لهذه المحاضر الأرشيفية وصل إلى تل أبيب والتقى بناء على طلبه رئيسة حكومة إسرائيل غولدا مئير داخل منشأة تابعة للموساد في 25 أيلول/ سبتمبر من العام 1973، وطلب اطلاعا على معلومات استخباراتية بحوزته حول نية سوريا مهاجمة إسرائيل بغية تحرير الجولان.
يشار إلى أن حقيقة الاجتماع الذي طالب به الملك حسين على عجل من أمره حسب المحاضر التاريخية قد كشف عنها في إسرائيل قبل عشرات السنوات مثلما كشف الكثير مما دار فيه. الآن وبعد 50 سنة على حرب رمضان المعروفة إسرائيليا بـ”حرب الغفران” تم الكشف عن معلومات إضافية تخللها الاجتماع المذكور وكيفية تعامل الطرف الإسرائيلي مع العاهل الأردني الراحل، خاصة إيلي مزراحي الموظف المسؤول الذي تولى تسجيل يوميات ديوان رئاسة الوزراء. ومن أجل إخفاء هوية الملك حسين والتستّر عليه في المحاضر الرسمية تمت تسميته في هذه اليوميات بـ”ليفت”. وقال في لقائه مع غولدا مئير إنه علم من مصدر حساس جدا أن هناك تدريبات واستعدادات سورية، وإن الوحدات القتالية موجودة داخل ثكناتها منذ يومين بما يشمل سلاح الجو والصواريخ استعدادا للهجوم. وحسب هذه المحاضر نُقل عن الملك حسين قوله إن “مصدره الحساس” أبلغه بأنه لا يعلم معنى هذه الاستعدادات لكنها حقيقة واقعة.
وحسب المحاضر التاريخية الإسرائيلية سألت غولدا مئير: هل من الممكن أن يهاجم السوريون دون تعاون كامل مع مصر؟ قال الملك حسين نقلا عن “المصدر الحسّاس”: “لا أعتقد ذلك. سيتعاون السوريون والمصريون”. وحسب المحاضر الأرشيفية هذه كان هذا الإنذار الأردني الثالث قبيل حرب 1973. ففي غضون ثلاثة شهور أرسل الجانب الأردني معلومات لإسرائيل حول الحرب المحتملة ثلاث مرات لكن هذه المعلومات لم تقنع الحكومة الإسرائيلية بأن الحرب ستندلع قريبا.
وهذا ما يؤكده البروفيسور الإسرائيلي أوري بار يوسيف في كتابه الجديد “انتعاش” حيث يشير إلى أن رئيس الاستخبارات العسكرية وقتها إيلي زعيرا واصل استخفافه بمعلومات الملك حسين وبمثل هذه الإنذارات وقال عن إفادة الملك إنها “قصيرة وغير مكتملة”. وحسب هذا الكتاب، فإن وحدة الدراسات داخل الاستخبارات العسكرية قالت للمسؤولين الإسرائيليين إن معلومات الملك حسين “خالية من أي جديد ومن غير الممكن اعتبارها إنذارا”. ويستكمل الأرشيف الإسرائيلي عملية الكشف عن كامل يوميات رئاسة الوزراء البالغة 3500 ملف تشمل مئات آلاف الصفحات بعدما كان قد كشف عن قسم منها في الماضي (في 2010 و2013).
وتوثق المحاضر الأرشيفية الأحداث قبل وخلال وبعد الحرب في الحلبة السياسية والعسكرية والدولية والجماهيرية والمدنية. وتشمل هذه الأرشيفات محاضر خاصة باجتماعات الحكومة والمشاورات السياسية والأمنية ومعها 750 تسجيلا صوتيا وأشرطة فيديو صورّت ووثقّت صحافيين وجنودا دونّوا الحرب بالصوت والحركة. وتكاد تخلو المحاضر الجديدة من كشوفات جديدة من شأنها تغيير صورة الواقع الخاصة بحرب 1973. لكن مئات آلاف الأوراق تشمل بعض المقاطع المعلوماتية الجديدة التي من شأنها تسليط الضوء على قضايا بحثية معينّة، لكن أهمية النشر تكمن بنشر كمية كبيرة من الأرشيفات دفعة واحدة تتيح التعّمق بدراسة تلك الحرب من زوايا نظر مختلفة.
من جملة هذه تفاصيل اليوميات المذكورة، على سبيل المثال إرسال غولدا مئير برقية للملك حسين في 5 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1973، أي قبل يوم واحد من اندلاع الحرب.
المؤرخ بار يوسيف الخبير بتاريخ حرب 1973 يقول لصحيفة “هآرتس” في هذا المضمار إن بعض المعطيات هامة وتدلل على التنسيق بين إسرائيل والأردن. وترد المعلومة عن البرقية المذكورة الساعة العاشرة وخمس دقائق صباحا (6 أكتوبر 1973) – عدة ساعات قبل شن الحرب. وحسب المحاضر التاريخية فقد قام السكرتير العسكري لرئيسة الحكومة الإسرائيلية، الجنرال يسرائيل ليئور، بإطلاعها على وجود مصادقة من قبل “ليفت” (الملك حسين) على تلقيه برقية غولدا مئير في اليوم السابق دون إشارة لسؤال مئير في برقيته. وفي السابق كشف النقاب عن تبادل البرقيات بين الملك حسين وغولدا مئير لكن التسمية السرية “ليفت” قد حذفت فيما كشف عنها هذه المرة. ورغم عدم وجود إشارة لمضمون البرقية، من الممكن الترجيح بأن رسالة الملك حسين تتطرق لطلب مئير من العاهل الأردني الالتزام بعدم الانضمام للحرب في حال اندلعت فعلا.
يشار إلى أن الكثير من الوثائق التاريخية كشف عنها، اليوم الخميس، هناك صفحات كثيرة تم حذف مضمونها أو أجزاء منها على يد الرقابة العسكرية الإسرائيلية لدواع أمنية تتعلق بأمن إسرائيل وعلاقاتها الخارجية والحفاظ على سمعة بعض الأشخاص. وستفتح هذه الملفات بالكامل بعد 40 سنة وفقا للنظام الإسرائيلي الخاص بالأرشيفات العسكرية أي بعد مرور 90 عاما على وقوع الأحداث ذات الصلة، إذ يمكن من قراءة بقية يوميات رئاسة الوزراء الإسرائيلية الفهم بأن إسرائيل على ما يبدو حولّت للملك حسين برقيات إضافية خلال حرب 1973 لكن محتوياتها ما زالت ممنوعة من النشر.
ويستدل من مستندات أرشيفية أخرى كشف عنها الأرشيف الإسرائيلي بمناسبة مرور 50 عاما على حرب 1973 أنه تم منح الملك حسين تسمية سرية أخرى: “يانوكا”، في إشارة إلى تتويجه ملكا قبل سن الرشد (وهو ابن 17 عاما). هكذا يرد اسم الملك حسين في برقية لمدير عام رئاسة الوزراء الإسرائيلية مردخاي غازيت للسفير الإسرائيلي في واشنطن سمحا دينتس في يونيو/ حزيران 1973 أي قبل شهور من شن حرب 1973.
ويقول غازيت إن الملك حسين كان يخشى دخول جيوش عربية غريبة لمملكته.
صحيفة القدس العربي
[ads3]