دعوات لنشر ” شرطة حدود داخلية ” في ألمانيا !

 

مع احتدام التنافس بين الأحزاب قبل أي انتخابات، تأخذ قضايا الأمن والقانون حيزا كبيرا من النقاش والجدل خلال الحملات الانتخابية.

ولا تعد ألمانيا اسثثناءً من هذه القاعدة، خاصة مع تزايد عبور الأفراد المعابر الحدودية، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، في قضية أضحت تحتل الصدارة مع عقد حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الحاكم في بافاريا مؤتمره الانتخابي خلال الأيام المقبلة.

وستُجرى انتخابات ولاية بافاريا في 8 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل فيما يتولى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ مقاليد الحكم في الولاية منذ عام 1957 دون انقطاع وسط تصدره استطلاعات الرأي.

ويواجه رئيس الحزب ورئيس حكومة بافاريا ماركوس زودر ضغوطات لتحقيق أداء أفضل خلال السباق الانتخابي المقبل في الولاية.

الجدير بالذكر أنه في انتخابات عام 2018، خسر أكثر من 10% في الأصوات مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث حصل على 37% فقط من الأصوات، ما دفعه إلى البحث عن حزب يدخل معه الائتلاف الحكومي، فوجد ضالته في حزب “الناخبين الأحرار” الشعبوي، الذي عزز من قوته منذ انخراطه في الائتلاف.

وتتزامن الانتخابات في ولاية بافاريا مع مساعي زودر، الذي يُعرف بحنكته الإعلامية، إلى وضع حد للهجرة على الصعيد الوطني، وصياغة مصطلح “Integrationsgrenze” ويعني بالعربية “عتبة الاندماج”، بما يشمل 200 ألف شخص سنويا، وهو الرقم الذي تم الوصول إليه بالفعل في أغسطس / آب الماضي.

ويرمي زودر إلى استغلال هذا الأمر لتعزيز ما يُروج له من قدرته على جعل سكان ولاية بافاريا في مأمن من الهجرة غير القانونية، فيما تجلى ذلك خلال تصريحاته أثناء تفقده نقطة تفتيش تديرها شرطة الحدود قبل أيام.

وقال زودر: “مادات الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ليست محمية بشكل فعال، فيجب علينا تأمين حدودنا” الخاصة، مشيرا إلى أنه يسعى إلى تعزيز قوة شرطة الحدود في ولاية بافاريا.

وجدير بالذكر أنه في عام 2018، أعاد زودر تأسيس شرطة حدود ولاية بافاريا بهدف القيام بدوريات على الحدود مع النمسا وجمهورية التشيك وسويسرا، فيما أشاد بدورها قائلا إنها “سجلت نجاحا كبيرا في تحقيق المهام المنوطة بها”.

وأضاف في مقابلة مع صحيفة “فيلت ام زونتاغ” الألمانية الشهر الماضي أن شرطة الحدود البافارية “ألقت القبض على مهربي بشر ومهربي أسلحة وتجار مخدرات ومزوري وثائق ومشتبه بهم في قضايا إرهابية”.

وتتألف شرطة الحدود البافارية من 820 عنصرا، بينما يرمي زودر إلى أن يصل العدد إلى 1500 بحلول عام 2028، فيما يقتصر عملها على إجراء عمليات تفتيش مفاجئة وتسليم مرتكبي المخالفات إلى الشرطة الاتحادية بعد حصول على إذن من السلطات الاتحادية.

وفي إفادة على موقعها الإلكتروني، قالت شرطة الحدود البافارية إن وجود قوة الحدود يساعد في تعزيز “شعور العامة بالأمن”، لكن هذا الأمر أثار انتقادات بأن المهام التي تقوم بها شرطة الحدود ليست سوى ممارسة تحمل في طياتها “تبذيرا” أكثر من كونها تساهم بشكل جوهري في تعزيز الشعور العام بالأمن لدى سكان الولاية.

وفي مقابلة مع DW، قال شتيفان دونفالد، عضو منظمة غير ربحية تسمى “مجلس اللاجئين البافاري”، إن وجود المزيد من رجال الشرطة على الأرض سيؤدي إلى الكشف عن المزيد من الجرائم، لكن “المبرر وراء دفع تكاليف نشر 750 عنصرا شرطيا آخرين ما زال سؤالا منفصلا”.

وأضاف “بالطبع حققت شرطة الحدود نجاحات في التحقيقات، لكن لا يمكن أن يصل الأمر إلى القول بأنها تحمي حدود بافاريا من الهجرة غير الشرعية، لأنه ليس لديها السلطة للقيام بذلك”.

يشار إلى أنه خلال يوليو / تموز الماضي، تضاعفت عمليات العبور الغير قانونية للمعابر الحدودية في جميع أنحاء ألمانيا مقارنة بالفترة ذاتها العام الماضي، فيما كان جُل هذا الرقم على طول الحدود الألمانية-البولندية، ما يعني أن بافاريا كانت بمأمن بشكل ضمني، حيث شهدت حدود الولاية مع النمسا استقرارا في عمليات الدخول غير القانونية بمعدل لم يتجاوز عتبة الألف شخص تقريبا.

وفي المقابل، تقول وزارة الداخلية في بافاريا إن عمليات عبور الحدود غير القانونية حتى أغسطس / آب الماضي شهدت زيادة بنسبة بلغت 26٪ مقارنة بالفترة ذاتها العام الماضي. ومع ذلك، فإن هذه الزيادة هي مجرد تسجيل لعمليات تجاوز الحدود بشكل غير قانوني، إلا أنها لا تعني بالضرورة أن الوضع بشكل عام يزداد سوءا.

بدوره، دعا زودر باقي الولايات الألمانية إلى تبني النموذج البافاري في إنشاء شرطة محلية يكون منوطا بها حماية حدود الولايات، في طرح لاقى دعما من فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي – شقيق حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي (الحزب البافاري) الذي ينتمي إليه زودر.

يشار إلى أن ميرتس وزودر يعتمدان بشكل كبير على خطاباتهما الانتخابية علىفرض القانون والنظام في محاولة لتصوير الحكومة الائتلافية بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، على أنها ضعيفة فيما يتعلق بالأمن الداخلي.

ويسعى ميرتس وزودر أيضا إلى إعادة كسب ود الناخبين، الذين باتوا يميلون إلى حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي الذي يتصدر استطلاعات الرأي في بعض الولايات، فيما يقوم هذا الدعم بشكل جزئي على خوف الألمان بشكل عام من الهجرة، رغم أن البلاد في حاجة متزايدة إلى العمالة الماهرة في ظل ما يعانيه المجتمع الألماني من شيخوخة.

وفي سياق متصل، يرى خبراء إنفاذ القانون أن نشر المزيد من رجال الشرطة سيصب في صالح محاربة الأنشطة غير القانونية.

وفي ذلك، قال هايكو تيغاتس، رئيس نقابة الشرطة الاتحادية، إنه على الرغم من أن الشرطة الاتحادية الألمانية تتمتع بسلطة قضائية حصرية على حدود البلاد، إلا أنه “من المرحب به نشر شرطة حدودية يمكنها المساعدة في تنفيذ إجراءات تفتيش داخل البلاد”.

ودعا إلى تكرار النموذج البافاري على مستوى الولايات، معتبرا إياه بـ “نموذجا يحتذى به لأن الطريق الذي تسلكه بافاريا مع شرطة الحدود الخاصة بها صحيح بشكل أساسي”.

لكن الحقوقي دونفالد يدعو المفوضية الأوروبية إلى التدخل والتحقق فيما إذا كانت بافاريا تمتثل لقانون الاتحاد الأوروبي الذي يسمح بمراقبة الحدود الداخلية “فقط في ظل ظروف معينة للغاية”.

وحذر من تداعيات الأمر، قائلا: “عندما تعمل الشرطة في منطقة قانونية رمادية، فإن ذلك لا يعزز سيادة القانون، بل يضعفها”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها