بي بي سي : ” لا حيلة و لا قوة لنا ” .. اللاجئون السوريون في الأردن و لبنان و ” العودة الآمنة “

 

عادت قضية اللاجئين السوريين في البلاد المضيّفة لهم للواجهة على إثر تحذيرات منظمات حقوقية من قرار السلطات الأردنية ترحيل طالب سوري من الأردن، فدارت في الأوساط السياسية في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة قبل بدء الحرب في غزة، قضية عدم تمكّن كل من الأردن ولبنان احتواء المزيد من اللاجئين السوريين في بلديهما، وسط تزايد الدعوات لتأمين “عودة آمنة” للاجئين السوريين إلى بلادهم بعد استئناف العلاقات مع دمشق بعد 12 عاماً من القطيعة.

حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من الترحيل وقالت إنه ينبغي للسلطات الأردنية وقف قرار الإبعاد بحق طالب إعلام سوري في جامعة اليرموك الأردنية، حيث “قد يواجه خطر الاضطهاد إذا أُعيد قسراً إلى سوريا”.

اعتقلت الشرطة الأردنية عطية محمد أبو سالم، 24 عاماً، أثناء توجهه لتصوير مظاهرة في عمّان متضامنة مع غزة، بحسب هيومن رايتس ووتش، لكن لا يوجد أي تصريح أردني رسمي يؤكد سبب الاعتقال وقرار الإبعاد.

تقول المنظمة إن أبو سالم وعدد من أفراد عائلته، معروفون بمعارضتهم للرئيس السوري بشار الأسد، ومسجلون كطالبي لجوء لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ عام 2013.

وكيل الشاب عطية، المحامي أحمد السواعي، قال لبي بي سي إن القضية شائكة وغير واضحة بسبب عدم وجود تهم وعدم طرح القضية لأي جهة قضائية، وبعد توقيفه لأسبوع، صدر عن محافظ عمّان في الخامس عشر من أبريل نيسان قرار الإبعاد بحق الشاب عطية وعدم السماح له بالعودة إلى الأراضي الأردنية.

أثناء تفاعل ناشطين حقوقيين وناشطات مع قضية أبو سالم، ظهرت قصة شاب سوري آخر، وهو وائل عشي، موقوف لدى السلطات الأردنية ومهدد بالترحيل أيضاً، رغم أنه لم يشارك في المظاهرات المتضامنة مع غزة، لكن أثناء ملاحقة الأمن لشركائه في السكن على خلفية مشاركتهم في المظاهرات اقتادوه معهم، بحسب المحامي أحمد السواعي.

وقال السواعي، وهو عضو لجنة الحريات في نقابة المحامين الأردنيين ومطلع على قضية الشابين، إن القضيتين متشابهتان بسبب “عدم تقديم تهم بحقهما”، و”عدم عرض قضيتهما للمدعي العام”، وعدم صدور أحكام قضائية بحقهما تبيّن مخالفتهما القوانين الأردنية.

وأضاف المحامي أن هناك احتمالية كبيرة بتعرضه للخطر في سوريا، وخاصة أن “والده قُتل بسبب آرائه السياسية في سوريا”.

وأكمل المحامي بالقول إنه ليس هناك أي أسلوب ممنهج أو مقصود لإبعاد لاجئين سوريين عن أراضي المملكة، لكن القضيتين حازتا على اهتمام كبير بسبب عدم تقديم الأسباب لإبعادهما.

وكيلة الشاب وائل، المحامية هالة عاهد، قالت إن قرار الإبعاد صدر من قبل المحافظ بموجب الصلاحيات المفوضة له من وزير الداخلية، ولم ينص قرار الإبعاد على أية أسباب، وإنما استناداً لأحكام المادة 37 من قانون الإقامة وشؤون الأجانب، وبناء على تنسيب شرطة وسط عمان بإبعاد الشاب وعدم السماح له بالعودة للملكة.

تقول عاهد: “قرار التنسيب بالإبعاد لم يذكر إلا إجراءات التحقيق معه وأن هناك قراراً من المخابرات بإبعاده بعد التحقيق معه، ولم يظهر في أي من كتاب المخابرات أو كتاب الشرطة ما يشير للمخالفات أو الجريمة التي ارتكبها عشي لإبعاده”.

وبغض النظر عن سبب مذكرة الترحيل، فإن قضية اللاجئين السوريين عادت للظهور في الأضواء واتخذت أهمية في الإعلام، كما أنها أعادت الجدل والنقاش حول “العودة الآمنة” لهم من الدول المضيّفة، خصوصاً في الأردن ولبنان.

وفي لبنان، طالب رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، الحكومة اللبنانية بحذو حذو بريطانيا في سياستها بترحيل اللاجئين “غير الشرعيين”.

وقال جعجع عبر حسابه في إكس، يوم الأربعاء 24 من أبريل نيسان، إن “بريطانيا دولة القانون والمؤسسات، دولة حقوق الإنسان والحرية والعدالة، أقر مجلس نوابها (مجلس العموم) قانوناً بترحيل كل مهاجر غير شرعي”.

وطالب جعجع رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية بسام مولوي بحذو حذو بريطانيا، وأن يعملا “على متابعة عمل الأجهزة الأمنية من أجل إعادة اللاجئين غير الشرعيين إلى سوريا”.

وكان البرلمان البريطاني أقر الثلاثاء الذي سبق هذا التصريح، مشروع قانون يتيح للحكومة البريطانية ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.

ولكن، هذه المطالب ليست بجديدة، فقد توالت المطالب والتصريحات بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وخصوصاً مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان.

أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر أيلول 2023، أكّد كل من ملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي عجز بلديهما عن استضافة المزيد من اللاجئين السوريين، مطالبين الأمم المتحدة بالعمل على إيجاد “حل” لهذه الأزمة.

صرّح العاهل الأردني أن الأردن من جانبه “ليس لديه القدرة ولا الموارد” على استضافة مزيد من اللاجئين السوريين ورعايتهم، مضيفاً: “مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم، وليس في البلدان المستضيفة. ولكن، وإلى أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، علينا جميعاً أن نفعل الصواب تجاههم”.

من جهته، أعرب ميقاتي عن قلق بلاده إزاء أعداد اللاجئين السوريين فيها قائلاً: “نحن قلقون من أعداد النازحين السوريين، وعدم قدرة لبنان على تحمل المزيد في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي نعاني منها”.

وصرّح عبدالله بو حبيب وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، في وقت سابق، بأن “المأساة الإنسانية ليست فحسب مأساة المدنيين النازحين من أراضيهم ووطنهم، وإنما أيضاً تحدٍّ كبير للبنان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما السياسية والأمنية”.

تأتي هذه التصريحات مع تقليص المساعدات لكلا البلدين بمخصصات اللاجئين السوريين، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي تقليص مساعداته الشهرية لأكثر من 119 ألف لاجئ سوري يقيمون في مخيمي الزعتري والأزرق في الأردن، بمقدار الثلث اعتباراً من أغسطس آب، بسبب “أزمة تمويل غير مسبوقة”، فخفض المساعدات النقدية بنحو 21 دولاراً أمريكياً للفرد في الشهر، مقارنة بالمبلغ السابق البالغ 32 دولاراً أمريكياً في الشهر.

تقول عبير عطيفة، المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لـبي بي سي إن “أزمة التمويل” مشكلة عالمية ومعظم برامج الأغذية شهدت تقلصاً في دول منها الأردن وأفغانستان واليمن والسودان.

“برنامج الأغذية العالمي قائم على التبرعات الطوعية ولغاية شهر أكتوبر تشرين الأول 2023، لم نحصل على نصف ميزانيتنا التي كنا نعمل بها السنوات الماضية. كنا نأمل ألا يحدث هذا الأمر ونضطر إلى تقليص الدعم المالي، ولكن للأسف اضطررنا لعدم وجود القدرة أو الإمكانية. يعود التراجع في الدعم لأسباب عديدة منها تبعات وباء كورونا والحرب في أوكرانيا”.

وتكمل بالقول: “حاولنا في الأردن مثلاً أن نبعد عن خيار وقف الدعم عن الأشخاص في المخيمات، ولكن هذا العام اضطررنا للأسف أن نلجأ لهذا الحل، والذي أثر على ثلث سكان المخيمات السورية في الأردن، ويلوح في الأفق ذات القرار في لبنان وسط أزمة التمويل هذه”.

تقول إن البرنامج يبقي ما يسميه بـ”صناديق إدخار” للتوزيع في الظروف الصعبة مثل هذه، ولكنها “استُنزفت كاملة”.

تم أيضاً تقليص المساعدات للبرنامج في الداخل السوري، فبلغ حجم المساعدات سابقاً حوالي 5 ملايين دولار، تم تقليصها بمقدار النصف، بحسب عطيفة، التي قالت إن الدعم خُفّض أيضاً في أفغانستان واليمن إثر الأزمة المالية.

إذاً، ما هي الحلول المطروحة؟ تجيب عبير عطيفة المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قائلة إن البرنامج يبذل مجهوداً كبيراً لحشد الدعم.

وتشدد على أن حجم التمويل غير مضمون ولا توجد أي ضمانات للمساعدة الإنسانية داخل أو خارج سوريا طالما بقي الوضع كما هو، وخاصة مع اندلاع حرب أخرى في المنطقة، في قطاع غزة.

من جهتها، خفّضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد العائلات السورية اللاجئة في لبنان المستفيدة من المساعدات لأسباب ربطتها بـ”النقص الكبير في تمويل ميزانيتها” لهذا العام وفي الموارد. وجرّاء النقص الكبير في التمويل والموارد، اضطرت إلى تقليص عدد العائلات المستفيدة بحوالي 35 ألف عائلة سورية في لبنان.

وكانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قد أعلنت ارتفاع مستوى الفقر المدقع إلى نحو 90 في المئة بين أسر اللاجئين السوريين في لبنان.

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان 1.8 مليون، نحو 880 ألفا مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بحسب الإحصائيات، بينما يستضيف الأردن أكثر من 1.4 مليون لاجئ سوري منذ بداية الأزمة السورية في 2011، بينهم نحو 655 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية.

ونشرت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) إحصائية تقول إن السوريين في الأردن تحت 18 عاماً يشكلون ما يقرب من نصف اللاجئين السوريين الذين يستضيفهم الأردن.

في حديثي مع رولا أمين، المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قالت إن المفوضية تعاني عجزاً مالياً ونقصاً في الدعم عالمياً في ظل الوضع الإنساني الصعب في مناطق النزاع وما حولها والظروف الاقتصادية الصعبة في العالم.

وأضافت: “إذا قرر اللاجئ السوري العودة إلى بلاده، فإن المفوضية تعمل مع كل الأطراف من حكومات الدول المضيّفة والحكومة السورية لمحاولة إيصال القضايا التي تثير قلق اللاجئين في هذه الدول، مثل الأردن ولبنان، منها الأسباب التي قد تعيق العودة – مثل وجود مأوى أو أي أملاك سابقة للعائدين إلى سوريا، والتجنيد الإجباري، والبنية التحتية للمدارس والأحياء، وتوفر الأدوية والخدمات الصحية”.

تقول رولا أمين إن داخل سوريا لا توجد برامج معنيّة باللاجئين العائدين إلى بلادهم حتى الآن، ولكن هناك تعاون وتنسيق دائم بين المفوضية والمنظمات التي تعمل في المجال الإنساني لتأمين الفئات “الأكثر عرضة للخطر”، على الأقل.

“علينا ألا ننسى الأزمة السورية واللاجئين السوريين. يجب أن يستمر الدعم وأن نكمل التزامنا تجاه اللاجئين والدول المضيّفة لهم. علينا جميعاً أن نبقي الأزمة السورية أولوية. العودة يجب أن تكون طوعية، آمنة، مكرمة. نحن ندعم وجود حل سياسي ونطالب بزيادة الدعم الإنساني للاجئين”، بحسب المتحدثة باسم المفوضية.

قال وزير شؤون المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين لـبي بي سي: “عندما تتعدى أعداد اللاجئين الملايين في بلدان صغيرة ومحدودة الإمكانيات، يصبح للموضوع تداعيات كبيرة، فهي ليست فقط تداعيات اقتصادية وبيئية واجتماعية وتنموية وتربوية، يصبح للموضوع تداعيات أمنية خطيرة، ولا سيما في لبنان”.

وأضاف أنه تم البدء في تطبيق خطة اتفق عليها مع سوريا في يونيو حزيران 2023 مع وزير الداخلية السوري محمد الحمون ووزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف، وتنص على تأمين عودة اللاجئين من لبنان إلى سوريا، بحوالي 15 ألف لاجئ سوري من لبنان شهرياً وتوفير مراكز إيواء لهم بمقدار 480 مركزاً داخل سوريا مؤمّنة بخدمات أساسية مثل الماء والكهرباء والبنية التحتية والتعليم والنقل.

كما تم الاتفاق على بدء تنفيذ الخطة في المخيمات التي يعيش فيها 600 ألف لاجئ فأكثر، بحيث تُعطى الأولوية في العودة لمن لا يوجد لديه ظرف قد يساهم بتأخير رجوعه إلى سوريا، مثل أن يكون مطلوباً لخدمة العلم، أو أن يكون مطلوباً للقضاء، أو أن يكون لاجئاً سياسياً.

في سبتمبر أيلول 2023، قال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية بسام المولوي، إن “النزوح السوري يهدد ديمغرافية لبنان”، معبراً عن عدم رضاه عن طريقة تعاطي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع القضية و”امتناعها” عن تسليم قاعدة البيانات الخاصة باللاجئين السوريين في لبنان إلى الأمن العام اللبناني، وفق قوله.

وقال الوزير عن أزمة اللجوء السوري إن “الأمر لم يعد يحتمل وهو يهدد ديمغرافية لبنان وهويته”.

وفي أغسطس آب من العام نفسه، أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية أنها توصلت إلى اتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن طلب بيروت الكشف عن بيانات اللاجئين السوريين في لبنان، وعلّق لانس بارثولوميوز، رئيس وفد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قائلاً إن الاتفاق “ينسجم مع المعايير العالمية لحماية البيانات”، وتتبع مناقشات حول طريقة تنفيذ الاتفاق.

ينص الاتفاق في المُجمل على: التزام الحكومة اللبنانية بعدم استخدام بيانات تمت مشاركتها لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، وتجديد التزام بيروت بالعودة الطوعية فقط، والعمل وفقاً للقانون الدولي.

إبراهيم، وهو لاجئ وناشط سوري من مدينة درعا جنوب سوريا ويقطن في إربد، شمال الأردن، يقول لـبي بي سي: “من المستحيل أن يضمن أحد للاجئين العودة الآمنة سواء كان البلد المضيّف أو الأمم المتحدة. لنبدأ أولاً بالحديث عن الوضع في الداخل السوري: الداخل السوري يحتاج لمقومات الحياة الأساسية. لا تتمتع الدولة بالأمن والأمان لغاية الآن، هناك قرى هادئة نسبياً وهناك قرى لا تصلح للعودة إليها بعد. وفيما يخص الخدمات – لا تتوفر خدمة الكهرباء أوالماء أوالصحة أو التعليم”.

ويكمل إبراهيم بالقول: “إذا أخذنا سن الشباب مثلاً، مثل حالتي أنا، إذا قرر الشباب السوري العودة بهذا العمر خصوصاً، فإنه يقضي على مستقبله. فإضافة إلى أنني قد أكون مطلوباً لأفرع أمنية داخل سوريا، لأسباب مجهولة قد تكون مرتبطة بعملي مع المنظمات الإنسانية وتوزيع المساعدات للعائلات المهجّرة، فإنني أيضاً مجبر على الانضمام للسلك العسكري كجندي احتياط في الجيش، كحال معظم الشباب السوري”.

ويقول إن الوضع المعيشي للاجئين أصبح أصعب، فمثلاً، المنظمات التي تعمل مع البلديات في الأردن كانت تشرك المجتمع المحلي في مشاريعها، سواء كانوا أردنيين أم سوريين، ولكنه الآن أصبح أمراً نادراً. ويضيف أن هناك ضغوطاً تمارس من المنظمات الأممية والدول الداعمة من أجل “دفع عملية العودة الطوعية” وتخفيض المساعدات، بحسب قوله، كطريقة للضغط على الحكومات وإعادة اللاجئين “طوعاً”.

“لا نرى نهاية للأزمة السورية أو حتى بصيص أمل. 12 عاماً من الحرب والتهجير، ولاحظنا تعب العالم بأكمله من الأزمة السورية.. وشهدنا انسحاب الدول من مسؤوليتها تجاه هذه القضية توالياً”.

ويقول سمير ناصر، وهو أحد اللاجئين السوريين في لبنان، إن حدة التوتر خفّت في لبنان ولكن يواجه اللاجئ السوري تحدياً جديداً بعدم تمكنه من تجديد الإقامة بسهولة كما قبل.

نستخدم لـ”سمير” اسماً مستعاراً لحماية هويته بحسب طلبه، يقول لنا إن هناك حملة نزوح جديدة من سوريا للبنان في هذه الفترة، ونشهد بعض المناورات والاشتباكات أحياناً على الحدود بين المهربين والجانب اللبناني.

ويعقّب على تصريحات الأردن ولبنان حول عدم قدرتهما احتواء المزيد من اللاجئين بالقول: “إذا كان كل من الأردن أو لبنان لا يحتمل اللاجئين بعد الآن، فنحن نتفهم، ولكن بدلاً من إعادة اللاجئين لمكان تكون حياتهم فيه مهددة، أي سوريا، فلعلهم يستطيعون السماح لهم بالخروج من كلا البلدين لبلد ثالث يعيشون فيه”.

ويضيف سمير: “العودة الآن غير آمنة. لو كانت العودة آمنة، لكان عاد السوريون إلى بلادهم. لا أحد يفضل العيش في بلد آخر في وقت يستطيع فيه العيش في البلد الذي وُلد وترعرع فيه حيث بيته وأقاربه وأصدقاؤه. لا يوجد إنسان عاقل لديه إمكانية العودة لبلده معززاً مكرماً مستقراً ولا يعود. فلو كانت العودة آمنة، لعادت نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين سواء من الأردن أو من لبنان، باختصار”.

ويكمل سمير أنه وبسبب صعوبة الوضع المعيشي والتضخم في لبنان، يأمل العديد من اللاجئين السوريين هناك بتسهيل عملية إعادة توطينهم في دولة ثالثة، وخصوصاً أن المستقبل في بلدهم الأم سوريا “مجهول” بحسب وصفه، والعودة لا تزال غير مطروحة لنسبة كبيرة منهم. وأضاف: “نحن السوريون مثل اللعبة بيد السياسيين للأسف. ورقة ضغط تستخدم كل فترة ليس إلا. لا ينظرون إلينا كبشر، بل نحن عبارة عن ورقة ضغط لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب والدعم”.

أبو طلال الحمصي وهو لاجئ سوري في الأردن يقول: “نقدر الضغوط التي تمر بها البلدان المستضيفة للاجئين مثل الأردن ولبنان وتركيا، لكن المشكلة أن اللاجئ مضطر للبقاء في بلد المضيف، سوريا بلد غير آمن وعودة اللاجئين حتماً غير آمنة. البلد غير مهيأ لا اقتصادياً ولا أمنياً لاستقبال اللاجئين. نخشى العودة من الاعتقال والمضايقات ونحن في غنى عن ذلك”.

أخذ أبو طلال نفساً عميقاً وقال لي: “نحن نتمنى العودة ولكن الظروف وطريقة التعاطي مع اللاجئ هناك لا تسمح لنا بذلك. كما أنه ومع الوجود العسكري الأجنبي، أصبحت بلدنا مقسمة. لا حيلة ولا قوة لنا. فلا يمكن بعد التهجير أن نعود بهذه الظروف، الشباب كلها هاجرت إلى الأردن ولبنان وأوروبا والخليج، حتى أولئك الموجودين في سوريا. البلد منهار اقتصادياً ونعيش غلاءً فاحشاً، والأنظمة الصحية غير مؤهلة”.

وتقول نورا (اسم مستعار)، وهي لاجئة سورية في لبنان، لـبي بي سي: “هم يعلمون جيداً ماذا يحدث للاجئين السوريين عندما يتم ترحيلهم. نحن موتى هنا أو هناك، لا نكترث لأي صدمة بعد كل ما حدث لنا من فواجع”.

في يونيو حزيران 2023، بحث وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الأحد، مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث في عمّان، تهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

في يوليو تموز من العام نفسه، التقى الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وبحثا ملف اللاجئين السوريين لدى الأردن ضمن موضوعات النقاش.

وقال بيان رئاسي سوري إن “الأسد شدد على أن العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى قراهم وبلداتهم أولوية بالنسبة للدولة السورية مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكافة أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية”.

رغم أن لبنان لم يقطع العلاقات الدبلوماسية أو التجارية قط مع سوريا فإن الحكومة نأت بنفسها عن أي تعامل مع الحكومة السورية بصفة رسمية منذ أحداث 2011.

وكان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي قد قال في وقت سابق هذا العام إن عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، يُشكل “عامل ارتياح” لبيروت.

اتفقت الوفود المشاركة في قمة جدة في مايو أيار عام 2023 وبحضور الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ترأّس وفد بلاده بعد 12 عاماً من استبعاد دمشق بسبب الأزمة، على “تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا”.

وحتى اللحظة، يبقى مصير اللاجئين السوريين في دول الجوار مجهولاً، مع إصرار الحكومات على عدم قدرتها على تحمل الأعباء التي صاحبت أزمة اللجوء والاتجاه نحو التقرب من الحكومة السورية والتعاون في مجالات عديدة أبرزها ملف عودة اللاجئين مع حكومتي بيروت وعمّان. (BBC)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها