دويتشه فيله : مراقبة الحدود في ألمانيا منعطف خطير قد ينهي امتيازات ” شينغن “
بعد فشل محادثات بشأن الهجرة بين الحكومة الألمانية والمعارضة المسيحية، توجهت قررت برلين تكثيف جهود محاربة الهجرة غير الشرعية. فقد أعلن المستشار أولاف شولس الأربعاء (13 سبتمبر/ أيلول 2024) في المناقشة العامة التي شهادها البرلمان (بوندستاغ) أن حكومته ستسعى لتحقيق أهدافها بمفردها. ووفقاً للخطط التي أعلنتها وزيرة الداخلية نانسي فيزر يوم الثلاثاء، سيتم جمع العديد من اللاجئين في المناطق الحدودية وإعادتهم إلى دول الاتحاد الأوروبي المجاورة بسرعة أكبر، باستخدام إجراءات استعجالية. كما تسعى وزارة الداخلية أيضًا إلى توسيع خيارات الاحتجاز المتاحة لدى السلطات الأمنية.
فهل سيكون لقرار برلين تأثير بشكل ما على اتفاقية شينغن. نعم ولا في نفس الوقت، كما كتبت صحيفة “دي فولكس كرانت” الهولندية معلقة (12 سبتمبر) معلقة “كانت الصدمة كبيرة عندما أعلنت ألمانيا عن ضوابط مراقبة حدودها، لكن خلال العرض الذي قدمته وزيرة الداخلية نانسي فيزر تبين أن القرار لن يكن كما تخيله الكثيرون، فلن يتأثر معظم المتنقلين بين الحدود. عمليات التفتيش تستهدف فقط المركبات التي يشتبه حرس الحدود في أنها تحمل مهاجرين غير نظاميين. ويجب رفض دخول المهاجرين الذين تقدموا سابقًا بطلب اللجوء في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي فقط (..) وبالتالي فإن الضوابط محدودة في فعاليتها ونطاقها ولا تعني نهاية اتفاقية شنغن”.
ومع ذلك فإن ألمانيا تتحرك في منطقة خطرة. وقد تجد الدول المجاورة نفسها أيضا مضطرة إلى فرض ضوابط على الحدود، ولو لمجرد خوفها من تدفق اللاجئين الآن بأعداد أكبر (..) المشكلة هي أن عدد طالبي اللجوء لا يتناقص بسبب مراقبة الحدود. ولا تؤدي الضوابط إلا إلى قيام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمحاولة نقل عدد أكبر من طالبي اللجوء إلى بعضها البعض”.
تتيح اتفاقية منطقة شينغن لحوالي 420 مليون شخص من 29 دولة أوروبية السفر بحرية دون مواجهة ضوابط حدودية. ورغم ذلك، أصدرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر تعليمات بإجراء تفتيش على جميع حدود البلاد اعتبارا من الاثنين المقبل (16 سبتمبر). ,اتفاقية شنغن معاهدة تم توقيعها في عام 1985 وتهدف إلى تخفيف الرقابة على الحدود بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإزالتها في نهاية المطاف. الهدف من الاتفاقية هو تمكين حرية حركة الأشخاص داخل منطقة شنغن من خلال عدم فرض ضوابط حدودية منهجية داخل هذه المنطقة. جزء مهم من اتفاقية شنغن هو أيضًا التعاون الأمني والشرطي لمكافحة الهجرة غير الشرعية وغيرها من الجرائم العابرة للحدود.
ومن المهم أن نلاحظ أن اتفاقية شنغن لا تشمل جميع دول الاتحاد الأوروبي. وقد اختارت بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل أيرلندا عدم المشاركة في اتفاقية شنغن، في حين أن بعض الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي جزء من منطقة شنغن. وبشأن الجدل الحالي بشأن اللاجئين، أكد موقع “شبيغل أونلاين” (12 سبتمبر) أنه يدور في حلقة مغلقة، موضحا أنه حان الوقت للتفكير أخيرًا بشكل جدي في قضية الهجرة ونقص العمالة. واعتبر الموقع أن سياسة الهجرة الأوروبية مالت إلى اليمين انطلاقا من عام 2023.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وافقت دول الاتحاد الأوروبي، مبدئيا، على احتجاز عشرات الآلاف من طالبي اللجوء على الحدود الخارجية. واستطرد الموقع معلقا “وراء كل هذه التدابير يكمن الاعتقاد بأن الهجرة، هذه المشكلة الأبدية، يمكن حلها إذا نجحنا أخيرا في تصحيح الأمور. غير أن ذلك يدور في حلقة مفرغة، فمع كل منعطف تصبح (سياسة الهجرة) أكثر صرامة وقسوة”. وشكك الموقع في قدرة كل هذه الخطوات في وقف تدفق اللاجئين.
فكرة رفض فوري ومباشر لطالبي اللجوء على الحدود، فشل، رغم إلحاح زعيم التكتل المسيحي المعارض فريدريش ميرتس ، نظرا لعدم قانونية هذا الإجراء. وبدلا من ذلك اتجهت الحكومة الآن إلى تحقيق هدف آخر، إذ سيتم إعادة ترحيل اللاجئين المسجلين بالفعل في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي بموجب إجراء دبلن إلى تلك البلدان، بسرعة أكبر في المستقبل. وأوضحت الحكومة أنه يتعين على المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين التنفيذ الفوري لـ”إجراء دبلن الاستعجالي” على الحدود بعد تلقي بلاغ من الشرطة الاتحادية.
غير أنه ليس من الواضح كيف ستتعاون باقي دول الاتحاد الأوروبي مع الخطوة الألمانية، كما أن الفحص الدقيق لطلب اللجوء يستغرق دائما وقتا، وإن كانت وزيرة الداخلية فايزر قد تحدثت عن خمسة أسابيع كحد أقصى، بما في ذلك معالجة الاعتراضات.
صحيفة “غازيتا فيبورتشا” البولندية (12 سبتمبر) كتبت معلقة “إن أسس منطقة شنغن بدأت تهتز مرة أخرى. بعد ألمانيا من المرجح أن تحذو فرنسا حذوها، وربما بلجيكا أيضا. تسيطر النمسا بالفعل على الأشخاص القادمين من الشرق، والدنمارك أولئك القادمين من الجنوب. إن ما يبدو، من وجهة نظر المواطنين، الفائدة الاقتصادية الأكثر وضوحاً للتكامل الأوروبي، أصبح اليوم ضحية للحملات السياسية الداخلية (..) تبين اليوم أن العبء الذي تحملته أنغيلا ميركل في 2015 بعد فتح الحدود أمام اللاجئين عبر طريق البلقان ثقيل للغاية. إن إرسال ضباط الشرطة إلى المعابر الحدودية لن يحسن الوضع (..) يتوقع المستشار أولاف شولتس تأثيرًا نفسيًا لهذا الإجراء، فإذا كان لدى الألمان شعورا بأنهم لم يعودوا في وطنهم بسبب الهجرة، فإن فرض الضوابط على الحدود يجب أن يجعلهم يشعرون بالرعاية والأمان”.
حتى في الحالات القانونية التي تجبر دول الاتحاد الأوروبي على استعادة اللاجئين الذين تم تسجيلهم لديها وفقًا لقواعد دبلن، فإنها في معظم الحالات لا تقدم على ذلك. ووفقا لوزارة الداخلية، تم تسجيل ما لا يقل عن 74.622 حالة في عام 2023، حاولت فيها ألمانيا إعادة مهاجرين إلى دول أوروبية أخرى. وفشلت في حوالي ثلث الحالات لأن دول الاتحاد الأوروبي المتضررة رفضت قبولهم، مثل إيطاليا أو اليونان. ولم يكن بوسع ألمانيا هذا الوضع إلا من خلال الضغوط السياسية على المستوى الأوروبي مع تجنبت مواجهة ثنائية مع البلدان المعنية.
وزيرة الداخلية نانسي فايزر أكدت أن بلادها لن تتخذ تدابير أحادية الجانب “من شأنها الإضرار بالاتحاد الأوروبي”، وذلك بعد أن انتقدت بولندا عمليات التفتيش المرتقبة على الحدود معتبرة أن ذلك لا يمكن قبوله إلا كإجراء استثنائي. فايزر أعلنت أيضا أن الضوابط الحدودية المعمول بها مع النمسا وبولندا وجمهورية التشيك وسويسرا سيتم توسيعها إلى الحدود مع فرنسا ولوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا والدنمارك لمدة ستة أشهر أولية. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “ليدوفه نوفيني” (11 سبتمبر) التشيكية المحافظة “أقسمت كل المؤسسات الألمانية ذات يوم بمن فيهم السياسيين وممثلي وسائل الإعلام والفنانين، بشعار أنغيلا ميركل “بإمكاننا أن نحقق ذلك”. وتم تصنيف أي شخص شكك في ذلك الشعار أو عارضه علنًا، على أنه ممثل لما يسمى بألمانيا المظلمة أو ناشر للمعلومات المضللة. ولكن منذ بعض الوقت رأينا أن هناك المزيد والمزيد من المشاكل التي لم يتم حلها ..”. (DW)
[ads3]