دويتشه فيله : قلق في اليونان من فرض ألمانيا الرقابة على حدودها

 

قوبل قرار ألمانيا بفرض الرقابة على الحدود من أجل السيطرة على الهجرة بانتقاد من قبل وسائل الاعلام والسياسيين في اليونان. وكتب العديد من المعلقين في الصحف أن هذا القرار معادٍ لأوروبا ودليل على استسلام الحكومة الألمانية لحزب ”البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي. وعلاوة على ذلك، هناك خوف متزايد في أثينا من تأثير الدومينو إذا حذت دول الاتحاد الأوروبي الأخرى حذو ألمانيا.

وانعكست الانتقادات في صدر صحف بارزة في البلاد: “حدود مغلقة، جروح مفتوحة” كان العنوان الرئيسي لصحيفة “تو فيما” الليبرالية الصادرة يوم الأحد 15 أيلول/سبتمبر 2024. وكتبت صحيفة “أبوجيفماتيني” الموالية للحكومة في اليوم التالي “إنذار أحمر” وحذرت من “تدفق المهاجرين بعد إغلاق ألمانيا للحدود”.

تخشى الحكومة اليونانية من أن تقوم ألمانيا برفض اللاجئين الذين تقدموا بطلبات لجوء في اليونان قبل سفرهم إلى ألمانيا وإعادتهم إلى اليونان. لذلك جاء العنوان الرئيسي لصحيفة كونترا الإخبارية اليومية: “شولتس يسعى لإعادة 30.000 أفغاني إلى اليونان ويعرض علينا 15.000 يورو لكل مهاجر”.

ولم تؤكد وزارة الهجرة في أثينا هذه المعلومات، ولكن النفي هادئ وفاتر. الفرصة استغلتها الحكومة المحافظة برئاسة كيرياكوس ميتسوتاكيس؛ إذ عادت قضية الهجرة لتحتل الصحف مرة أخرى في الوقت الحالي – ولكن هذه المرة ليس بسبب السياسة اليونانية، ولكن بسبب قرار ألماني. وبهذه الطريقة يجري تهميش والتغطية على المشاكل الرئيسية الحقيقية لليونانيين.

وحسب استطلاع أجراه معهد “بالس” لأبحاث الرأي لصالح قناة “سكاي تي في” SKAI TV التلفزيونية، فإن الناخبين لا يهتمون كثيرًا باللاجئين والمهاجرين. فبالنسبة لهم تحتل قضايا أخرى الأولوية القصوى. فعلى سبيل المثال، أشار 34.5% من المشاركين في الاستطلاع إلى أن ارتفاع تكاليف المعيشة هي القضية الأهم، بينما أعرب 18% من المشاركين عن قلقهم إزاء انخفاض الأجور والمعاشات التقاعدية وارتفاع الإيجارات، ويرى 15% من السكان أن الوضع الاقتصادي هو القضية الرئيسية. وتتحمل الحكومة المسؤولية عن كل هذه المشكلات وتحظى بعلامات ضعيفة من المشاركين في الاستطلاع.

ويرى خمسة في المائة فقط من السكان أن الهجرة هي المشكلة الرئيسية. وحسب وسائل الإعلام والحكومة، فإن اللوم يقع على الآخرين: الحروب في العالم والفقر، ومهربي البشر المجرمين، واليسار الليبرالي، وتركيا عندما “تفتح أبوابها على مصراعيها”، وألمانيا التي “لديها دولة رفاهية سخية ذات قوة مغناطيسية”.

ولا توجد اليوم أزمة لاجئين في الواقع في اليونان: فمنذ بداية العام وحتى منتصف أيلول/سبتمبر2024، تم تسجيل حوالي 36.000 وافد فقط إلى اليونان، معظمهم من بلدان الشرق الأوسط مثل أفغانستان وسوريا ومصر والمناطق الفلسطينية. وعلى سبيل المقارنة، حسب أرقام الأمم المتحدة، فقد لجأ إلى اليونان حوالي 857,000 شخص في عام 2015 وحوالي 200,000 شخص في العام التالي، معظمهم فروا من الحرب في سوريا عبر البحر الأبيض المتوسط.

وترى الدوائر الحكومية في أثينا أن قرار المستشار أولاف شولتس بفرض الرقابة على الحدود هو رد فعل غير مدروس على صعود اليمين المتطرف في ألمانيا. وهو بذلك يضر بالاتفاقات والتفاهمات الأوروبية مثل اتفاقية شنغن. كما أن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس مقتنع أيضًا من أن اليونان تقوم ببأكثر مما هو مطلوب منها عندما يتعلق الأمر بالهجرة: فالبلاد تحمي الحدود الخارجية لأوروبا من خلال فرض إجراءات مراقبة صارمة في بحر إيجه ،كما أن البلاد بمثابة حائط صد على الحدود اليونانية التركية. بالإضافة إلى ذلك، أقامت اليونان مراكز استقبال كبيرة في العديد من الجزر لإيواء اللاجئين.

وقد أوضح رئيس الحكومة اليونانية، الذي يسعى إلى التحالف مع النمسا وبولندا وإيطاليا بشأن قضية الهجرة، أن اليونان لا يمكن أن تتحمل عبئًا غير متناسب. وخلال زيارته إلى النمسا في الـ 11 من أيلول/سبتمبر 2024، قال إنه لا يمكن للمرء أن يتوقع “أن يكون لدى اليونان دولة رعاية اجتماعية تقدم إعانات للاجئين أكثر مما تقدمه للمواطنين اليونانيين أنفسهم”.

وترى ماريا جافونيلي أن المراقبة الحدودية التي أمرت بها الحكومة الألمانية “قصيرة النظر”. فمديرة مركز الأبحاث اليوناني ELIAMEP مقتنعة بأن هذا لا يحل المشكلة، بل يهدد الوحدة الأوروبية. وهي تأمل بأن لا تكون ألمانيا تفكر في إلغاء اتفاقية شنغن، لأن “هذا من شأنه أن ينسف بيتنا الأوروبي”.

وتفترض غالبية الخبراء أن ألمانيا لن تكون قادرة على وقف ما يسمى بالتدفقات الثانوية للهجرة من اليونان من خلال مراقبة الحدود.

وقد وصل أكثر من مليوني لاجئ في المجموع إلى الاتحاد الأوروبي في عامي 2015 و2016. وكانت الدول الأكثر تضرراً هي الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط والبلدان الواقعة على طريق البلقان. ولكن ألمانيا استقبلت أيضاً مئات الآلاف في صيف وخريف عام 2015، معظمهم من السوريين.

وخلال السنوات الثلاث الأخيرة سافر حوالي 75,000 شخص تقدموا بطلبات لجوء في اليونان إلى ألمانيا. ومنذ عام 2021، حكمت عدة محاكم ألمانية بعدم جواز إعادة الأشخاص المعترف بهم في اليونان على أنهم يستحقون الحماية في اليونان لأن هناك خطرًا كبيرًا من عدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية هناك.

ويتعين على طالبي اللجوء العيش في مخيمات مغلقة في اليونان ولا يُسمح لهم بالعمل. يُسمح للاجئين الذين حصلوا على حق اللجوء بالعمل، ولكن لا يحصلون على أي دعم من الدولة مثل الرعاية الاجتماعية وإعانة السكن وإعانة الأطفال وما إلى ذلك. ومع ذلك، ينطبق هذا أيضًا على معظم اليونانيين.

ومن ناحية أخرى، يُسمح لطالبي اللجوء المعترف بهم بمغادرة اليونان والسفر بحرية إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لمدة ثلاثة أشهر في السنة.

وغالبية اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون إلى اليونان يرغبون في الذهاب إلى شمال أوروبا على أي حال، إلى إنجلترا وألمانيا والدول الإسكندنافية وهولندا، حيث لديهم أصدقاء وأقارب – وآفاق للمستقبل.

في صيف عام 2015، بعد فتح ألمانيا حدودها أمام أكثر من مليون طالب لجوء احتفل الناس في اليونان بقرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بقبول اللاجئين من سوريا في ألمانيا. فقد كان يُنظر إليها على أنها متزنة وإنسانية، على النقيض من قسوتها أثناء أزمة الديون اليونانية.

ويُنظر من ناحية أخرى إلى سياسات حكومة شولتس بانتقاد. ويقول الباحث السياسي بانايوتيس إيواكيميديس: “تبنت حكومة شولتس التقدمية سياسات الهجرة اليمينية المتطرفة على أمل مواجهة صعود حزب البديل من أجل ألمانيا. وفي فرنسا وهولندا، جربوا شيئاً مماثلاً، ولكن بدلاً من وقف صعود اليمين المتطرف، قاموا بتسريعه”.

والبروفيسور المتقاعد بانايوتيس إيواكيميديس هو أحد أشهر خبراء الشؤون الأوروبية في اليونان. وقد قدم المشورة للعديد من الحكومات اليونانية منذ التسعينيات. وهو مقتنع بأن قرار برلين بفرض الرقابة على الحدود التي يبلغ طولها 3700 كيلومتر مع الدول المجاورة لألمانيا لفترة أولية مدتها ستة أشهر هو قرار قانوني بموجب لوائح الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإنه يقوض التكامل الأوروبي. (DW)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها