مكافأة و غرامات .. ألمانيا : سياسة العصا و الجزرة لدفع العاطلين إلى سوق العمل

أظهر تقرير إدارة أبحاث ستاتيستا السنوي أنه في عام 2024، قد حصل 4 ملايين شخص قادر جسديًا على العمل وحوالي 1.53 مليون شخص غير قادر على العمل في ألمانيا على ما يعرف بـ”معونة المواطنين” بحلول شهر سبتمبر/ أيلول، بإجمالي حوالي 5.53 مليون شخص.

وبيّنت الإدارة أن عدد المستفيدين من هذه الإعانات (Bürgergeld ) سيرتفع للعام الثاني على التوالي وسيصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 2018.

قررت الحكومة الاتحادية المكوَّن من ائتلاف كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD ، والحزب الديمقراطي الحر FDP ، وحزب الخضر، في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول فرض عقوبات قاسية على العاطلين عن العمل والمستفيدين من إعانات المواطنين والذين تقدم لهم عروض عمل ويرفضونها دون سبب وجيه، وتتمثل هذه العقوبات باقتطاع نسبة 30 بالمئة من المعونة الشهرية التي يتلقونها ولمدة ثلاثة أشهر.

وتشمل العقوبات أيضاً الأشخاص الذين يفوّتون المواعيد المتفق عليها من قبل مكتب العمل “الجوب سنتر”، وكذا الذين يعملون بصورة غير قانونية. ومن المفترض أن يدخل القرار حيّز التنفيذ في 1 يناير/ كانون الثاني عام 2025.

وفي الوقت نفسه قررت الحكومة الاتحادية التشجيع على العمل من خلال مكافأة مالية، إذ تخطط الحكومة لتقديم مكافأة بقيمة 1000 يورو لمرة واحدة للعاطلين عن العمل لفترة طويلة، شريطة التزامهم بعمل بدوام كامل لمدة عام على الأقل، ولكن هذا الاقتراح لم يمر مرور الكرام في البرلمان الألماني، ولاقى انتقادات واسعة من بعض الأحزاب السياسية الألمانية.

هكذا عبر مارتن هوبر، الأمين العام للاتحاد الاجتماعي المسيحي عن رفضه لمكافأة بدء العمل، فقال: ” إن المكافأة البالغة 1000 يورو هي مجرد استهزاء لأولئك الذين ظلوا يعملون لسنوات. إن الائتلاف الحاكم يعرّض السلام الاجتماعي للخطر ويصبّ بالتالي المزيد من الزيت على النار”.

لاقى قرار المكافأة انتقاداً واسعاً في ألمانيا وحتى ضمن الائتلاف الحاكم نفسه، وفي صفوف بعض الأحزاب الأخرى أيضاً. فقد أعرب المستشار أولاف شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن شكوكه بآثار اقتراح “مكافأة بدء العمل”، وقال لمحطة آر تي إل، ضمن برنامج “على الطاولة مع أولاف شولتز”: ” أنا شخصياً لا أتفق مع النظرية القائلة بأنه يتعين عليك جذب شخص ما للعمل، لأنني أؤمن بأننا ولدنا جميعاً للعمل”. وشكك أيضاً في مدى فعاليتها، ولكنها على حد تعبيره قد لا تسبب أي ضرر.

وكذلك انتقدت أندريا ناليس، الرئيسة التنفيذية لوكالة العمل الفيدرالية خطة الحكومة لدفع “مكافأة بدء العمل”، قائلةَ: “نحن لسنا بحاجة إلى مكافأة للقيام بعملنا”، ومن جانبها تعتقد أن زيادة المساهمات والمعونات الاجتماعية سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الألماني، الأمر الذي يجب تجنبه على حدّ تعبيرها.

يدافع روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الاتحادي وأحد أعضاء حزب الخضر عن هذا الاقتراح واصفاً إياه بأنه خطوة واقعية جداً، متوقعاً أنها ستساهم في خفض مستوى البطالة في البلاد إلى حوالي 100.000 شخص.

وفي مقابلة مع DW أشادت سلام .ج، متطوعة في مركز للتكامل الاجتماعي في إحدى المناطق بولاية شمال الراين ـ وستفاليا بالاقتراح، وتعتقد أنه سوف يساعد المقبلين على العمل في تأمين متطلبات حياتهم الأساسية إلى حين حصولهم على الدخل الأول من عملهم الجديد، وتضيف: “من خلال عملي مع اللاجئين والعائلات المهاجرة أرى أن هذه المكافأة قد تشكل حافزاً لدى الساعين للحصول على عمل يساعدهم على الاستقرار في البلد الجديد، ويمكّنهم من الحصول على الإقامة والجنسية لاحقاً”.

ولكن من ناحية أخرى ترى أنها لن تكون حلاً جذرياً لدفع الناس إلى العمل، فقالت: “بالرغم من أن الفكرة جيدة، لكنها لن تكون كافية لجعل الكثيرين يغادرون منطقة الراحة الخاصة بهم، ومواجهة تحديات عمل جديدة في مجتمع جديد”.

ورصدت DW آراء مجموعة من الشباب اللاجئين حول اقتراح المكافأة، وبهذا الصدد يعتقد محمد أ. أن قطع المساعدات أو اتخاذ إجراءات صارمة ضد القادرين على العمل ويتلقون معونة المواطنين سيكون له آثار أكثر إيجابية على الاقتصاد الألماني وسيخفف من نسبة البطالة، ويقول: ” أتعجب من الأشخاص القادرين على العمل ولا يعملون، فالأمر يتجاوز تأمين الحاجات الأساسية المادية ويؤثر على حياة الإنسان وثقته بنفسه واحترام الآخرين له”.

في حين قالت د.ف. : ” أعرف أشخاص يعيشون على معونة المواطنين منذ سنوات طويلة، وبالتالي قادرة من خلال المعونة على تأمين متطلبات الحياة، وليس لديها حافز للعمل”، وبحسب رأيها فإن الفرق بين من يعمل 30 ساعة في الأسبوع ومن لا يعمل هو 100 يورو أو أكثر قليلاً، فما فائدة العمل؟.

قال ماتياس ميرش، الأمين العام الجديد للحزب الاشتراكي الديمقراطي: “إن دفع مكافأة بقيمة 1000 يورو للشخص الذي يمكنه العمل وينبغي عليه العمل، يتعارض مع الشعور بالعدالة”. وأضاف: “حتى لو دعم العديد من خبراء اقتصاديات العمل هذا المشروع، علينا أن نفكر بحوافز أخرى تحقق المطلوب بشكل عادل”، فمثلا بالإمكان تشجيع العاطلين عن العمل من خلال توفير عقود عمل مناسبة لهم.

أنيكا كلوزه، عضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي تؤيد اقتراح ميرش، وتبيّن أنه من الضروري تعزيز مراكز العمل لتحقيق اندماج العاطلين عنه بصورة أفضل. وتضيف: ” أعتقد أنه من المنطقي استثمار الأموال في مشاريع الاندماج وتمويل تدابير أخرى، مثل المشاركة في مكان العمل”، وترفض كلوزه العقوبات شديدة الصرامة، وتؤكد أن النصائح الجيدة التي يتلقاها العاطلون عن العمل في المراكز المتخصصة من شأنها أن تساهم بتشجيع الناس على العمل بصورة أكبر.

وفق الإحصاءات التي نشرتها وكالة العمل الاتحادية على صفحتها الرسمية تبيّن أن عدد الاقتطاعات من المزايا للمستفيدين القابلين للتوظيف والتي قامت بها الوكالة في عام 2023 بلغ 77.520 حالة، وهو أكثر مما كان عليه في عام 2022. ومن الجدير بالذكر أن 84.5 بالمئة من حالات الاقتطاع ترجع إلى عدم حضور المواعيد التي يتلقاها العاطلون عن العمل من وكالة العمل الاتحادية.

وحصل 15.774 شخصاً على اقتطاعات في الفترة من فبراير/ شباط إلى ديسمبر/ كانون الأول بسبب رفض تولي وظيفة أو الاستمرار فيها، أو رفض التدريب المهني.

ويذكر أن الوكالة لا تفرض اقتطاعات في حال كان سبب رفض العمل أو القدوم إلى الموعد مبرراً ومقبولاً، أو في حال كان العمل سيسبب مشقة استثنائية لا يمكن تحمّلها من قبل الشخص المستفيد من المعونة، كما لا يمكنها فرض اقتطاعات من تكاليف الإيجار والتدفئة. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها