ماذا بعد التدخل الروسي في سوريا ؟

في الوقت الذي يروق فيه للرؤساء الأميركيين الظهور في صورة حازمة، أثبت الرئيس الروسي أن الظهور في صورة الفارس الذي يجول بفرس ويسوق أمامه عددا من النمور يمكن أن ترفع مستوى التأييد الشعبي له بالداخل.

بيد أن السياسة الخارجية نادرًا ما تميل لصالح الجريء، حتى وإن رأى كاتبو العناوين الصحافية خلاف ذلك. في الحقيقة، يعتبر التحرك الروسي نحو الداخل السوري خطوة جريئة بالفعل، لكنه لن ينهي الحرب الأهلية السورية أو يدرأ خطر الإرهاب والتطرف.

بصورة عامة، ستسفر الجهود الروسية عن تفاقم أعمال العنف، وربما تأجيج الإرهاب، والمخاطرة بجذب الروس إلى داخل مستنقع. ومن المحتمل أن يخلف ذلك التدخل تداعيات سلبية على روسيا والولايات المتحدة، بل والأسوأ من ذلك على سوريا وجيرانها.

وستكون قمة الحمق أن تستجيب الولايات المتحدة للتحرك الروسي داخل سوريا بخطوة مضادة على القدر نفسه من الجرأة، لكنها تفتقر إلى الحكمة. والملاحظ أن جميع المقترحات الصادرة عن مرشحين رئاسيين، من فرض منطقة حظر جوي إلى إرسال قوات أميركية لمحاربة نظام الرئيس بشار الأسد مباشرة، تبدو قوية وعلى مستوى التحدي الروسي، لكنها جميعًا تفتقر إلى أي نظرية منطقية وراءها توضح كيف سيحسن الإجراء المقترح من الوضع على الأرض داخل سوريا. الواضح أن الفكرة الأساسية تدور حول القيام بأمر جريء وحاسم، ثم سيتبعه السلام والديمقراطية تلقائيًا. بيد أنه للأسف، فإن إدارة جورج دبليو بوش قد اختبرت هذه الفكرة بالفعل في العراق.

بدلا من ذلك، ينبغي على صانعي السياسة الغربيين التوقف هنيهة، وتوخي الحذر ـ رغم افتقار هذا الأمر للشعبية ـ والتفكير فيما يؤجج العنف داخل سوريا، ولماذا شعر الروس بالحاجة إلى الدخول هناك على هذا النحو الذي يعد تصعيدًا قد يكون مكلفًا للغاية. الملاحظ أن نظام الأسد وجماعات المعارضة المتنوعة نجحا حتى الآن في البقاء في خضم الحرب الأهلية بسبب المساعدات الخارجية الكبيرة. عندما يعاني طرف ما من انتكاسة، يسارع داعموه من الخارج إلى تقديم الدعم له. ويعتبر هذا نمطا متكررا منذ حقبة «الحرب الباردة»، عندما كانت الحروب الأهلية التي تشتعل بالوكالة داخل دول متنوعة مثل أنغولا وغواتيمالا وفيتنام تستمر لعقود بسبب التصعيد والتصعيد المضاد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

حتى من دون «حرب باردة»، لا يزال نمط الحروب بالوكالة مستمرًا. في الواقع، مني نظام الأسد بعدة انتكاسات في الشهور الأخيرة، منها تقدم تنظيم داعش عبر وسط سوريا، وانتصارات المعارضة في محافظة إدلب. ونجمت هذه الانتكاسات في جزء منها عن تنامي وتحسن مستوى المساعدات الأجنبية القادمة من دول كثيرة.

من جهتها، لاحظت روسيا ذلك وقررت التصعيد داخل سوريا، وذلك كي تتمكن، تبعًا للصيغة الكلاسيكية، من التفاوض مع الولايات المتحدة وحلفائها من «موقف قوة»، مما يعني تعزيز نظام الأسد المترنح.

وتبدو هذه الاستراتيجية وكأنها صورة منعكسة على مرآة للاستراتيجية الأميركية المعيبة في سوريا، فبالمثل تقوم السياسة الأميركية على فكرة أن إنهاء الحرب الأهلية السورية يستلزم تغيير توازن القوى على نحو يكفي لإقناع الداعمين الخارجيين للأسد بأن نظامه بلا مستقبل، وأن عليه الدخول في مفاوضات بناءً على الشروط التي تحددها المعارضة.

في الواقع، إن التسوية المطلوبة لإنهاء الأزمة ليست بعيدة عن تلك المنصوص عليها في إعلان جنيف الذي وقعته واشنطن وموسكو عام 2012. ستتضمن مثل تلك التسوية تنازلات جادة، خاصة من قبل الولايات المتحدة وشركائها أمام النظام، بحيث يدعمون مرحلة انتقالية سياسية لا تشمل ضمانات برحيل الأسد عن السلطة، بينما يوافق النظام وداعموه على التشارك في السلطة داخل دمشق. بيد أن التصعيد الروسي الأخير والموقف الأميركي زادا من صعوبة تحقيق هذه التسوية.

ينبغي أن تركز الجهود الأميركية على المعاناة الكبيرة الممتدة إلى داخل الدول المجاورة وأوروبا. وكما أشار الكثيرون فإن أزمة اللاجئين لا تعدو كونها عرضا لمرض هو الحرب الأهلية السورية.

بإمكاننا تقديم مساعدات أكبر للاجئين، وبذل مزيد من الجهود لدمجهم بالدول المجاورة، لكن هذا ليس الحل للحرب الأهلية، وإنما أحيانًا يكون أجرأ ما يمكنك عمله هو الاعتراف بحدود قدراتك.

جيرمي شابيرو – نيويورك تايمز – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. روسيا دولة غبية لانها تورطت بلمستنقع السوري الذي استترجتها امريكا اليه. الغباء الروسي لا حدود له