مركز ” مارينفيلد ” في برلين .. تاريخ طويل في استقبال اللاجئين

في المطبخ المشترك داخل مأوى مؤقت للاجئين في منطقة مارينفيلد في العاصمة برلين، يقوم خالد عبد الحميد بإعداد وجبة الغذاء. عادة، وكما هو الحال في الدول العربية، لا يقوم الرجال بمهمات الطبخ، بل إنهم يجدون الطعام جاهزا وما عليهم إلا التوجه إلى مائدة الطعام. الأمر هنا يختلف، كما يقول الشاب في الثلاثين من العمر فهو ” يطبخ وينظف ويغسل الأواني ويقوم بجميع الأعمال المنزلية”، ويضيف قائلا وهو يقلي البصل: “الآن، أدركت مدى الجهد الذي تعانيه النساء في عمل البيت”.

قبل سنة جاء خالد السوري الجنسية إلى ألمانيا قادما من مخيم للاجئين في الأردن، مستفيدا في ذلك من قرار الحكومة الألمانية باستقبال عدد محدد من اللاجئين السوريين في المخيمات الموزعة بدول الجوار. ويعني ذلك أنه جاء إلى ألمانيا بطريقة شرعية. وهو يسكن اليوم في منزل بمساحة ستين متر مربع، يتقاسمه مع العديد من شباب سوريين، حيث ينام شخصان في كل غرفة.

“أتمنى أن أحصل قريبا على دخل حتى أتمكن من إرسال المال لأهلي في سوريا”، يقول خالد. السكن ضيق لكنه نظيف. وهم يقومون بواجباتهم المنزلية، بهدف تأمين مسار عيش مشترك دون مشاكل.

أكثر من مليون لاجئ ألماني مروا بالمركز

حوالي 700 لاجئ من عشرين دولة، يسكون حاليا بالمبنى ذي الطوابق الثلاثة. وفيه يسكن خالد. ولهذا المبنى تاريخ طويل في عملية استقبال اللاجئين، فقد تم إنشاؤه جنوب برلين عام 1950، لاستقبال الألمان الهاربين من ألمانيا الشرقية سابقا، وقد تجاوز عددهم مليون شخص. في عام 1953 وحده، قام حوالي 57 ألف شخص من ألمانيا الشرقية بتقديم طلب السماح لهم بالعيش في ألمانيا الاتحادية انطلاقا من هذا المركز. واليوم وكما في الماضي فالمدينة تواجه تحديات كبيرة، إذ “كانت برلين الغربية تتوفر سابقا على ثمانين مركز لاستقبال الاجئين”، ما دفع بالمسؤولين إلى تشييد مركز إيواء كبير في منطقة مارينفيلد حتى يخفف الأعباء عن المدينة، كما توضح مارية نوكه، مديرة المتحف الملتصق بالبناية، والذي تم إنشاؤه للتذكير بتلك المرحلة الحزينة من التاريخ الألماني حينما كان مواطنون ألمان في أوضاع النزوح.

وتضيف مديرة المتحف أنه بعد الانتهاء من أعمال البناء في مارينفيلد امتلأ المركز عن آخره، ما يعني أن العرض “لم يساير الطلب المتزايد”. وليس هناك من مركز آخر لإيواء اللاجئين بألمانيا بتاريخ طويل مثل مارينفيلد الذي لم يقفل يوما أبوابه أمام النازحين وطالبي اللجوء، منذ إنشائه.

في غرف كثيرة يعرض متحف المركز مراحل هجرة الألمان داخل بلدهم المنقسم آنذاك بين منطقة شرقية وإخرى غربية والتي بدأت بداية الخمسينات، بالموازاة مع التحولات السياسية التي شهدتها ألمانيا الشرقية سابقا بسبب تأميم الأملاك من قبل الدولة ومصادرتها للأراضي، حيث شجع ذلك على نزوح الناس والفرار، كما تتابع مديرة المتحف. يضاف إلى ذلك أعمال القمع والمتابعات التي مارستها الدولة الشيوعية السابقة ضد الكثيرين من المواطنين حيث “كان الوضع لا يطاق، وكان المواطنون يتوقون للحرية، ولهذا قرروا الهرب منها”

الجدل هو القدرة على احتواء أزمة اللاجئين

ما يعرضه هذا المتحف هو عبارة عن رحلة عبر التاريخ، لكنه يعكس أيضا ما تعيشه ألمانيا في الوقت الحالي. فهناك أسئلة حول أحقية هذا اللاجئ أو ذاك في البقاء في ألمانيا وعدم ذلك، وحول سبل توفير المساكن اللازمة للاجئين، وهو الموضوع الذي يتم طرحه اليوم بحدة كما حدث قبل ستين عاما، عندما صرح رئيس ألمانيا الأسبق تيودور هويس قائلا “نحن نعمل على إنقاذ البشر، فردا فردا”.

حتى إعادة توحيد ألمانيا تمكن قرابة أربعة ملايين شخص من الفرار من ألمانيا الشرقية. وإلى غاية سقوط جدار برلين عام 1989 كان عدد المسجلين بمركز مارينفيلد حوالي 1,3 مليون شخص، وهو المركز الذي كان دائما ممتلئا عن آخره، وكان على الوافدين الجدد الانتظار لساعات أو لأيام في العراء حتى يأتي دورهم للاستفادة من خدماته.

أما الآن فقد أصبح المركز ملاذا للفارين من الحروب والإرهاب، كما هو الشأن بالنسبة للسوريين والعراقيين والأفغان.

تعرف خالد عبد الحميد على تاريخ منطقة مارينفيلد، وزار المتحف الملتصق ببيته لعدة مرات. ويلاحظ خالد أنه “ليس من العيب أن تكون لاجئا، لأن الشخص يصبح لاجئا بفعل الحروب كما هو الأمر بالنسبة للوضع الدائر عندنا بسوريا حاليا”. وبالنسبة له فإن تلك الصور المعروضة في المتحف والتي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي وتظهر المركز غاصا بآلاف الألمان الذين كانوا في يوم ما لاجئين، تشد من عزيمته وتعمل على مواساته، خاصة في اللحظات الصعبة من حياته في ألمانيا. (إذاعة صوت ألمانيا)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها