الشجرة السورية و السلم الروسي

لم تنتظر روسيا طويلاً إثر تدخلها العسكري في سوريا، فقد أتبعته بحراك سياسي محموم ونشط، أفرز ما يمكن أن نقول عنه إنه ثمرة رؤيتها لحل الأزمة السورية (بحسب ما نشرته «الشرق الأوسط» أول من أمس). اعتمدت موسكو في ذلك على تناقض غربي، وهو ما مكّن الرئيس فلاديمير بوتين من تصدر الساحة وتقديم خطة تتضمّن تنصيب الكرملين لاعبًا دوليًا لا يمكن مواجهته، ولا يمكن الاستغناء عنه في نفس الوقت.

وبعد أن كان رحيل بشار الأسد مطلبًا دوليًا ملحًا لا تراجع عنه، بدأت الإشارات تتوالى، من واشنطن إلى لندن، مرورًا بباريس وبرلين، وبقية العواصم الغربية، التي ضغطت عليها أزمة وصول المهاجرين السوريين لدولها أكثر، من معاناتهم لنحو أربع سنوات ونصف السنة، وذلك بعدم ممانعة تلك الدول على بقاء الأسد لفترة مؤقتة، وهو ما لم يدع مجالاً لأصدقاء سوريا المقربين، السعودية وتركيا، للبقاء في موقفهما معزولتين رافضتين بقاءه تحت أي صيغة، مما أجبرهما على السير في حقل ألغام محفوف بالمخاطر، والموافقة على مضض على هذا التحول الدولي الذي صبّ في صالح الموقف الروسي، يمكن القول إن السعودية وتركيا لا تريان أي فائدة من بقاء الأسد حتى لو كان مؤقتًا، إلا أنهما لن يعارضا الرغبة الدولية العارمة، طمعًا في إيجاد تسوية سياسية قد تفضي إلى إيجاد حل لهذه الأزمة التي تزداد تعقيدًا كلما طال أمدها.

هل يمكن القول إن الرؤية الروسية الأخيرة هي أفضل الحلول؟ بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يقول بذلك، لكنه أيضًا أفضل الحلول السيئة المطروحة التي يمكن القبول بها، في ظل تخاذل دول الغرب عن الوقوف مع الشعب السوري وتسليمها مفتاح الأزمة للدب الروسي، تخلى العالم شيئًا فشيئا عن السوريين، ولم يبقَ إلا الرياض وأنقرة تكافحان وتسبحان ضد تيار اللامبالاة الدولية في سوريا، حتى مع الحديث عن بعض التغيرات في الموقف من بقاء الأسد مؤقتًا، وهو ما يمكن الاعتراف بأنه كان خطًا أحمر للمجتمع الدولي بأكمله. في الحقيقة، قد يبقى الأسد ليس فقط 18 شهرًا، كما تتضمن الخطة المقترحة قبل رحيله غير مأسوف عليه، بل يمكن أن تستمر الأزمة على ما هي عليه، لنفاجأ بعد ثلاث أو أربع، أو ربما حتى عشر سنوات، بأنها لا تزال مشتعلة، وأن الأسد مستمر وباقٍ رئيسًا للنظام، حتى لو كان ذلك على جزء يسير من أراضي الدولة السورية، ما دامت روسيا مستمرة في دعمه سياسيًا وعسكريًا.

تبقى المعضلة الكبرى في كيفية ضمان إبعاد الأسد عن العملية السياسية في مرحلتها المقبلة، وهل موسكو قادرة فعلاً على تقديم الضمانات الحقيقية، التي لا تسمح بعدم إعادة إنتاج النظام الحالي بقالب جديد؟ للأسف، غياب الدور الأميركي، الذي أضحى تابعًا بعد أن كان قائدًا، يضعف الثقة بمصداقية الرؤية الروسية بإيجاد سكة حل حقيقية وليست ملفوفة بتكتيكات ملغومة، خاصة في ظل عدم قناعة المعارضة السورية بجدية الروس في التوصل لتسوية سياسية فعلية. لذا ومع التقدم السياسي الذي خلفه اجتماع فيينا الرباعي بشأن سوريا الجمعة الماضي، والذي بانَ معه عدم ممانعة واشنطن في المضي في فلك موسكو، أو على الأقل عدم وجود موقف قوي ينبئ برغبتها في مسك زمام حلّ الأزمة، لن يبقى إلا أن تمارس واشنطن دورها، أو على الأقل شيئًا منه، إلى أن يمكن إيجاد توازن دولي يخفف من الانطلاقة الروسية المخيفة فعلاً.

الحقيقة المرة أن موسكو تنصب سلم النزول من الشجرة السورية لكل دول العالم، لكنها لم تستطع حتى الآن أن تضمن لهم بقاء الشجرة أصلاً، بعد نزول الجميع!

سلمان الدوسري – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

2 Comments

  1. كل من يحاول إيقاف الحرب في سوريا يجب عليه إيجاد حلول للأمور والمشاكل التالية : 1- جيش النظام وأجهزته الأمنية 2- داعش 3- الفصائل الإسلامية 4- الجيش الحر 5- الديمقراطي الكردي 6- الشبيحة 7- الميليشيات الشيعية 8- إيران ومقاتليها 9- المستفيدين من النظام الحالي من كل الطوائف 10- النعرات الطائفية 11- النعرات المناطقية 12- نعرات الريف والمدينة 13- النعرات العشائرية 14- الموتورين الدينيين من كل الطوائف 15- مصالح الدول الإقليمية 16- مصالح الدول الكبرى 17- العقاب والحساب للمجرمين 18- التعويض المنصف للمتضررين بدأ من عهد حافييييييييييظ وإلى الآن 19- تسوية ملف الاستيطان العشوائي الطائفي حول المدن 20- دستور وعقد اجتماعي جديد يقبل به الجميع 21- سيصبح مصير الأهبلوف بعد تحقيق النقاط السابقة تحصيل حاصل وسيرمي به الجميع بلا اكتراث في مزبلة التاريخ كأي زبالة باتت تثير اشمئزاز الجميع بشكلها ومنظرها المقرف .

  2. بامكان السعودية وتركيا تمرير مضادات الطيران للثوار ولنرى كم سيصمد الدب الروسي أم صبر وتصميم الثوار, أرض المعركة هو مكان حسم الأدوار السياسية وحجمها