هيومان رايتس ووتش : أكثر من 400 ألف طفل لاجئ سوري يعيشون في تركيا لا يذهبون إلى المدرسة

قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته اليوم إن أكثر من 400 ألف طفل لاجئ سوري يعيشون في تركيا لا يذهبون إلى المدرسة. رغم أن تصرفات الحكومة التركية تجاه أزمة اللاجئين السوريين كانت كريمة، إلا أنها تواجه مشاكل في ضمان حصول طلاب المدارس السوريين على فرص تعليم، كما ينص على ذلك القانون الدولي.

يوثق تقرير “عندما أتخيل مستقبلي، لا أرى شيئا: موانع تعليم أطفال اللاجئين السوريين في تركيا”، الممتد على 48 صفحة، العقبات الرئيسية التي تحول دون حصول أطفال اللاجئين السوريين على تعليم رسمي في تركيا. تستضيف تركيا أكثر من مليوني لاجئ جرّاء النزاع السوري الذي بدأ في 2011. في سبتمبر/أيلول 2014، تبنت الحكومة التركية سياسة هامة منحت الأطفال السوريين رسميا إمكانية الدراسة في المدارس العامة التركية. إلا أن هيومن رايتس ووتش، رغم مرور سنة على هذه السياسة، خلصت إلى أن عددا من العقبات الرئيسية مازالت تحول دون تطبيقها، ومنها حاجز اللغة، وقضايا الاندماج الاجتماعي، والصعوبات الاقتصادية، ونقص المعلومات حولها.

قال ستيفاني جي، الحاصلة على زمالة برنشتاين في برنامج حقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش: “يعرّض الفشل في تزويد الأطفال السوريين بالتعليم جيلا كاملا للخطر. ومع عدم وجود أمل حقيقي في مستقبل أفضل، قد ينتهي المطاف باللاجئين السوريين اليائسين إلى المغامرة بحياتهم عبر العودة إلى سوريا أو القيام برحلات خطيرة إلى أوروبا”.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة التركية والشركاء الدوليين العمل بسرعة لضمان التحاق الأطفال السوريين في تركيا بالمدارس. سيقلل التعليم من مخاطر الزواج المبكر والتجنيد العسكري للأطفال من قبل الجماعات المسلحة، وسيحقق استقرار مستقبلهم الاقتصادي عبر زيادة مكاسبهم المحتملة، وسيضمن تجهيز الشباب السوريين اليوم بشكل أفضل لمواجهة الأمور غير المؤكدة في الغد.

من بين اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، هناك 708 ألاف طفل في سن المدرسة. واستنادا لبيانات وزارة التربية الوطنية، التحق في 2014ـ2015 ما يزيد قليلا عن 212 ألف طفل بالتعليم الرسمي في المرحلتين الابتدائية والإعدادية. بلغ معدل الالتحاق داخل مخيمات اللاجئين ما يقرب من 90 بالمائة، لكن بالنسبة للغالبية التي تعيش خارج المخيمات، لم تتجاوز نسبة التحاق للأطفال بالمدرسة 25 بالمائة. وبشكل عام، لا يتلقى أكثر من ثلثي الأطفال السوريين أي تعليم رسمي في تركيا.

في يونيو/حزيران 2015، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 136 طفلا لاجئا وأقاربهم ممن يعيشون خارج المخيمات. واجه العديد من هؤلاء الأطفال في البداية انقطاعات في تعليمهم في سوريا بسبب تضرُّر مدارسهم أثناء الصراع أو السيطرة عليها من قبل الجماعات المسلحة. خسر بعضهم ما يقارب 4 سنوات من الدراسة، وغدا غير قادر على الذهاب إلى المدرسة في تركيا.

قال رضوان (11 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش، وكان في الصف الرابع في سوريا عندما توقف عن الذهاب إلى المدرسة، إنه يعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، في مصنع ملابس من أجل إعالة والدته الأرملة وأشقائه الأصغر سنا في مدينة غازي عنتاب في جنوب شرق تركيا. وأضاف: “أحببت المدرسة، ودراسة الرياضيات، وأفتقد الذهاب إلى المدرسة كثيرا”.

في سبتمبر/أيلول 2014، أصدرت وزارة التربية الوطنية تشريعا منح جميع اللاجئين السوريين المسجلين إمكانية التسجيل في المدارس العامة. كما بدأت الوزارة أيضا في اعتماد “مراكز تعليم مؤقتة” سورية، وهي مدارس تُشرف عليها جمعيات خيرية ومجتمعات محلية، وتُقدم مناهج دراسية باللغة العربية.

لكن بالنسبة للعديد من الأسر السورية، لا تزال هناك عقبات عملية، منها عدم قدرة أطفال سوريين كُثر على الالتحاق بالمدارس العامة التركية بسبب حاجز اللغة، وعدم تقديم دعم كاف في اللغة التركية  لغير الناطقين بها. كما يواجه بعض الأطفال مضايقات وصعوبات في الاندماج الاجتماعي، ما يجعلهم يتركون المدرسة أو يثنيهم عن التسجيل بها. كما تفتقر بعض العائلات السورية إلى معلومات دقيقة حول إجراءات التسجيل. وثقت هيومن رايتس ووتش بعض حالات رفض مديري المدارس مطالب عائلات سورية لتسجيل أطفالها في المدارس العامة المحلية.

مراكز التعليم المؤقتة محدودة العدد وغير متوفرة على نطاق واسع في جميع المناطق الجغرافية التي تستضيف لاجئين سوريين في تركيا. أما تلك القائمة حاليا فغير قادرة على استيعاب عدد كبير من طلاب المدارس السوريين ممن يحتاجون لتعليم. تطلب العديد من تلك المراكز رسوم تدريس أو تطالب الأسر بدفع رسوم مواصلات إضافية، ما يجعلها ليست في متناول بعض الأسر السورية التي تعاني من أزمات مالية.

تشكل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الأسر السورية في تركيا أيضا عائقا رئيسيا أمام تعليم الأطفال، فاللاجؤون السوريون ممنوعون من العمل بشكل قانوني في البلاد، وأحيانا، لا يتمكن الأولياء من إعالة أسرهم بسبب الدخل المتدني الذي يحصلون عليه في سوق العمالة غير الرسمية، ما أدى لتفشي عمالة الأطفال بين اللاجئين السوريين.

قبل النزاع، كانت نسبة التحاق الأطفال بالمدارس الابتدائية في سوريا 99 بالمائة، وفي المدارس الإعدادية، من الصف السابع إلى التاسع، 82 بالمائة. أما اليوم، ووفقا لتقديرات اليونيسيف، فإن ما يقارب 3 ملايين طفل سوري داخل البلاد وخارجها منقطعون عن الدراسة، ما يعني انهيار ما أنجزته سوريا ما قبل الحرب لما كانت نسبة الالتحاق بالمدرسة قريبة من المعدلات العالمية.

تقول تركيا إنها أنفقت أكثر من 7 مليارات دولار ضمن استجابتها لأزمة اللاجئين السوريين منذ عام 2011، و252 مليون دولار على تعليم اللاجئين السوريين في فترة 2014–2015 فقط. على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والتقني لمبادرات تزود اللاجئين السوريين بفرص أكثر للحصول على تعليم. وعلى تركيا منح اللاجئين السوريين حق العمل بشكل قانوني تماشيا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. سيقلل هذا من المساعدة التي يحتاجون إليها في حياتهم، وسيضمن التحاق أطفالهم بالمدارس.

أعلنت وزارة التربية الوطنية في 2 أكتوبر/تشرين الأول أنها تهدف لإلحاق 270 ألف طفل سوري بالمدارس بحلول يناير/كانون الثاني 2016، و370 ألف طفل بحلول نهاية العام الدراسي 2015–2016. قالت هيومن رايتس ووتش إن معالجة العوائق التي ذكرها التقرير ستكون أساسية لتحقيق الهدف المعلن.

على الحكومة التركية ضمان امتثال جميع المحافظات والمدارس العامة إلى التشريعات الوطنية الضامنة لإمكانية تسجيل الأطفال السوريين في المدارس العامة، وتوفير الدعم اللغوي وتدريب المعلمين لمواجهة تحديات تعلم اللاجئين. عليها أيضا نشر معلومات دقيقة للاجئين السوريين حول الالتحاق بالمدارس، وتوفير إمكانية الحصول على تصاريح عمل واسعة النطاق، وتقديم حد أدنى ثابت للأجور للحد من ارتفاع معدل عمالة الأطفال بين أطفال اللاجئين.

قالت جي: “يجب أن تُحترم حقوق اللاجئين ليس فقط عند بداية عبورهم الحدود بحثا عن الأمان، بل وأيضا طوال فترة نزوحهم، بما في ذلك حقهم في التعليم. على المانحين والحكومة التركية ضمان تواجد الأطفال السوريين في المدارس لتحقيق الاستقرار لهم الآن، ولحماية مستقبلهم على المدى البعيد.”

تقرير “عندما أتخيل مستقبلي، لا أرى شيئا” هو الأول من 3 أجزاء تعالج القضية الملحة لحصول أطفال اللاجئين السوريين على تعليم في تركيا والأردن ولبنان .[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها