منع الحرب العالمية الثالثة في سوريا بين روسيا و تركيا .. و الناتو دخل على خط المواجهة
دخل حلف شمال الأطلسي منطقة مجهولة يوم الثلاثاء عندما أسقطت دولة من أعضائه هي تركيا طائرة حربية روسية. وثمة حاجة ماسة أن تعمل واشنطن على جمع الطرفين معا لتفادي نشوب الحرب العالمية الثالثة.
مازالت التفاصيل تتوارد لإثبات إصرار أنقرة على أن الطائرة تلقت تحذيرات متكررة وانتهكت المجال الجوي التركي بالقرب من الحدود مع سورية. والواضح أن هذا الحادث كان متوقعا منذ فترة طويلة في ضوء الحشد الطائش بين أنقرة وموسكو بسبب السياسات المتضاربة في سورية. وقد انتهكت روسيا المجال الجوي التركي مرارا منذ بدأت تسيير طائرات حربية فوق سورية دعما للاسد.
ورغم الآمال في تشكيل “تحالف كبير” في أعقاب تفجيرات أنقرة وسيناء وباريس التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها فقد أصبح هناك حاجة ماسة الآن لتفادي التصعيد لانقاذ القليل الذي تبقى من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
فاتهامات موسكو لأنقرة “بالطعن في الظهر” ودعم داعش وما تلاها من تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من “عواقب وخيمة” تسلط الضوء على مدى المخاطر في سورية لكل الأطراف المعنية. وتحطمت الآن آمال احتواء انتشار آثار ما حدث في سورية.
كذلك فإن دعم تركيا لأشقائها من حيث الأصول العرقية التركمان في منطقة شمال سورية حيث يرجح أن يكون الطياران الروسيان قد قفزا بمظلتيهما لن يفعل شيئا سوى تعقيد الوضع على الأرض. وما من أمل في تحقيق النصر على الأرض في ضوء الخلافات بين الأكراد وجماعات المعارضة التي تقاتل الرئيس السوري وقواته المدعومة من روسيا وايران. ولتجنب المزيد من المواجهة في الجو ولمنع روسيا من القيام بعمل انتقامي يجب على حلف شمال الأطلسي إعادة تأكيد دعمه لتركيا والدعوة لفرض حظر على الطيران فوق سورية على الفور.
وليس من توقيت أفضل من هذا لدور أميركا الفريد كوسيط بين حلفائها عبر الأطلسي في أنقرة وخصومها في موسكو. فقد كان كثيرون في واشنطن يأملون أن يتم تطوير نهج مشترك لإلحاق الهزيمة بداعش في أعقاب الهجمات الأخيرة على باريس وما تحقق من تقدم في قمة مجموعة العشرين في تركيا في الأسبوع الماضي. وحتى بعد التفجيرات التي حصلت في العاصمة أنقرة فإن الاتراك يتوجسون من تدخل في المنطقة من الخارج لا يؤدي إلى عزل الأسد ويخشون ألا يتبقى لهم في المنطقة سوى جمع الفتات.
وتستضيف تركيا بالفعل أكبر عدد من اللاجئين وقد أصبحت الحرب الأهلية السورية متداخلة مع الصراع الذي تخوضه أنقرة منذ عشرات السنين ضد المتشددين الأكراد الذين تدعم الولايات المتحدة بعضهم. والآن فإن أفضل ما يمكن الأمل فيه هو أن تركز أنقرة وموسكو عمليا على اعتماد كل منهما على الآخر وارتفاع كلفة أي تصعيد آخر لتجنب السماح لسورية بجرهما إلى حرب مفتوحة.
ولابد الان أن يكون جمع روسيا وتركيا على مائدة واحدة جزءا من تسوية سياسية اقليمية أوسع تركز على مصير الأسد. وسيكون من الصعب – وإن لم يكن مستحيلا – وضع استراتيجية حل يكون الأسد طرفا فيها في الأجل القصير وفي الوقت نفسه السماح بالانتقال من نظامه إلى غيره في المدى الطويل. وأي حل من هذا النوع يجب أن يسمح لموسكو وطهران بانقاذ ماء الوجه وتقارب الائتلافات المختلفة. وفي ضوء دعوة تركيا إلى “حلول اقليمية للمشاكل الاقليمية” يجب أن تحصل أنقرة على دعم حلفائها عبر الاطلسي لكي تصبح قائدا اقليميا غير طائفي. وبالتزامن لابد من طمأنة موسكو أنه سيتم الحفاظ على موطيء قدمها في اللاذقية على البحر المتوسط فيما سيؤول إليه الحال في سورية بعد الأسد.
ونتيجة للمماحكات السياسية في الانتخابات في وقت سابق من العام الجاري شهدت تركيا حالة من الشلل. غير أنه من المحتمل أن يكون بوتين أساء الحكم على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي أصبح تفويض حزبه الحاكم الآن واضحا من خلال مفهوم الاستقرار عن طريق القوة.
وسيكون إنقاذ ماء وجه الزعيمين الذين اعتبر كل منهما الآخر صديقا في وقت من الأوقات أمرا حاسما وأفضل وسيلة لتسهيل دعوات ضبط النفس من الرئيس باراك أوباما والرئيس الفرنسي فرانسوا هولوند. ولابد الآن من أجل الأمل في النجاح من مشاركة تركيا في أي اتصالات مكوكية بين واشنطن وموسكو لبحث تحالف كبير ضد داعش.
إن مواجهة بين روسيا وأكبر اقتصاد في المنطقة وأكبر قوة عسكرية ومخابراتية والعضو الوحيد فيها بحلف شمال الأطلسي وصفة لمزيد من التفكك في الشرق الأوسط. ولتفادي المزيد من الحرب يجب على كل الأطراف التركيز على الصالح العام المرجو من تفادي تصعيد الموقف. وعليهم التركيز على عدوهم المشترك – داعش – الذي يجب هزيمته عسكريا لتسهيل استراتيجية إعادة تكوين سورية والعراق سياسيا كدولتين تتمتعان بالسيادة. وقد تروى أوباما في تجنب تكرار أفعال الرئيس جورج دبليو بوش في العراق وتجهد أميركا نفسها الآن لمنع المزيد من الحرب.
إن فراغ السلطة في قلب الشرق الأوسط أدى على الدوام تقريبا إلى عواقب أوخم. وأصبح الاعداد الآن لسلام تتولى المنطقة مسؤوليته أمرا حيويا لكل الأطراف ويجب أن يكون مجالا للاتفاق المتبادل. وستسمح قمة اقليمية دعا إليها حلف شمال الأطلسي لتضم أنقرة وموسكو للطرفين بتجاوز الحادث الذي وقع هذا الأسبوع ومساعدة كل الأطراف المعنية على التركيز على العدو المشترك. (Reuters)[ads3]