الاتفاق بين تركيا و أوروبا .. هل يقتنع السوريون بالبديل عن الحلم ؟

في محل لبيع الأثاث القديم في “شيرين إيفلر” أحد أحياء اسطنبول التجارية المكتظة، يبدو الشاب السوري حسام ذو الـ 25 سنة منهمكا وهويشرح لزبونه العربي مزايا أرائك و ثلاجات وغسالات مستعملة، يعرضها صاحب المحل التركي بأسعار تقل في الغالب عن نصف مثيلاتها الجديدة.

ويلقي الفتى السوري في أذن زبونه لإقناعه كلمة تلخص الجزء الثاني من المهمة الموكلة إليه في المحل “نحن نتكفل بحمل المتاع ونقله إلى شقتك في أقل من ساعتين”.. لا يمنع ذلك حسام من التعليق على ما وصل إلى سمعه عن الاتفاق الأخير بين تركيا وأوروبا بشأن اللاجئين أمثاله “بالمختصر يريدون أن يقولوا لنا لا داعي للمجيئ، ما وعدناكم به سنوصله إليكم حيث انتم، لكن أن تعيشوا معنا وتتجولوا في شوارعنا، لا نريد”.

بملامح الحسرة والغضب يفيض وجه الشاب الذي غادر حمص منذ عامين وجاء إلى هنا بحثا عن سماء لا تسقط منها البراميل المتفجرة ولا تخترقها قاذفات الصواريخ.. “منذ 14 شهرا وأنا هنا أعمل 12 ساعة في اليوم، أنام حيث اشتغل لأوفر ما أدفعه لمن يحملني إلى أوروبا، الآن اسمع أن الأوروبيين يسيجون الحدود ويرمون اللاجئين بالرصاص إذا اقتربوا منها”.

مثل حسام يعبر اليوم كثير من اللاجئين السوريين في تركيا عما يسمونه “خيبة أملهم” في أوروبا بعد وعود العسل التي ملأ ساستها الإعلام بها الصيف الماضي، ويعتقد اللاجئون أن الاتفاق الأخير الذي خرجت به قمة بروكسل التركية الأوروبية يرسم تراجع الحكومات الأوربية عن وعودها السابقة بأن تتعاطى ايجابيا مع طلبات اللجوء إليها التي أودعها مئات الآلاف ممن عبروا البحر بحثا عن حياة كريمة وآمنة، وعندما تسألهم ما الذي تفتقدونه في تركيا وتأملون أن تجدوه في اوروبا، تكاد تكون الإجابات نفسها: “لا نعرف ما هو وضعنا القانوني بالضبط، و لا نستطيع التقدم للعمل والدراسة والعلاج بشكل طبيعي، ومن يعمل منا بالكاد يجني بضع مئات من الليرات لا تؤمن حتى الطعام لعائلة”.

تلخص تلك الإجابة الوضع الملتبس الذي تركه عدم تحديد وصف قانوني ثابت وواضح للاجئين السوريين، فتركيا لم تمنح لهؤلاء أيا من الصفات التي تضمنتها المعاهدات الدولية التي تخولهم جزئيا أو كليا الاستفادة من خدمات التعليم والعلاج والعمل، واستعمل الخطاب الرسمي التركي بدلا عن ذلك كلمة “ضيوف” في وصف اللاجئين السوريين وضمن لهم حدا من وسائل الإعاشة والإيواء في مخيمات على الحدود، وأعطيت لهم وثيقة بديلة على شكل رخصة خاصة استحدثت لأجلهم وعوضت لاحقا بما يعرف بإقامة “الكيمليك” للجوء الإنساني عام 2014، بعد أن وقعت تركيا اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي يلزمها باستقبال اللاجئين الذين مروا منها إلى أوروبا وتقرر إعادتهم، ولكن اللاجئين السوريين لم يجدوا ضالتهم لا في الأولى ولا في الأخيرة حيث إن المخيمات لم تعد تستقبل سوى واحدا من كل 9 سوريين دخلوا تركيا، وظل الطريق إلى العمل والدراسة والعلاج في تركيا صعبا ومعقدا أمام الغالبية خاصة في المدن الكبرى مثل اسطنبول وازمير و أنقرة.

غير بعيد عن المحل حيث يعمل الشاب حسام، وقف احمد وهو في العقد الرابع من عمره يحمل بين يديه زوجين من الأحذية الشتوية، نزل بهما في مساء اسطنبول البارد هذا يبحث عن من يأخذهم بخمسين ليرة للزوج الواحد، يبدي الكهل الذي يعول خمسة أطفال مع أمهم تفاؤلا بالأيام القادمة ” ثلاث مليار يورو مبلغ كبير، يعني لو يساعدونا في سداد فواتير غاز التدفئة والكهرباء في هذا الشتاء ووظفوا الشباب المتخرج من الجامعات في مدارس حكومية للتدريس للأطفال لربما كان كافيا لحل جزء كبير من المشكلة.”

احمد الذي دفعه جحيم الحرب في حلب إلى تركيا، لا يرى في غلق باب أوروبا مشكلة كبيرة ويتساءل: “ماذا جنى أبناؤنا سوى شراء الموت بالليرات التي يجمعونها بعد تعب ووقت طويل، الاتفاق الجديد مع تركيا جيد لنا” ويضيف: “نسمع عن قوانين جديدة تسمح لنا بالعمل والعلاج والتنقل الحر في كل تركيا خلال العام القادم، مثل كل الناس، هذا يفرحنا مع انسداد حل الأزمة في سوريا” .

بقدر ما يلتمس الرجل الأعذار للحكومة التركية ويقول إن الحمل عليها كبير فإنه لا يتردد في انتقاد ما يسميه “إجراءات تمييزية” يشير بها إلى منع السوريين دون سواهم من الأجانب من امتلاك عقارات في تركيا وإلى تشديد إجراءات فتح حسابات بنكية التي أصبحت منذ أسبوعين تلزمهم بايداع مبلغ مالي كبير يفوق ما هو مطلوب من غيرهم.

في اسطنبول وغيرها من المدن تباينت ردود الفعل في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا اتجاه التاثيرات المتوقعة على وضعهم القانوني والاجتماعي للاتفاق الأخير الذي وقعته أنقرة مع الاتحاد الأوروبي ويبقى الحلم واحد هو البحث عن حياة أفضل يذهب فيها أولادهم صباح للمدارس ويذهبون هم لأشغالهم دون أن ينتظروا سماع الفاجعة عبر الأخبار العاجلة على القنوات التليفزيونية كنا اعتادوا.
السوريون، تركيا، الاتحاد الأوروبي، اتفاق ، حلم

ثمّ جاء توقيع تركيا لاتّفاقها الأخير مع الاتّحاد الأوروبّيّ أواخر العام 2013 ليضع السوريّين أمام استحقاقات لم تكن واردة في حساباتهم، خصوصاً أولئك الذين يبحثون عن وسيلة للوصول إلى الضفّة الأوروبّيّة وطلب اللجوء في دولها، ذلك أنّ الاتّفاق نصّ على السماح لدول الاتّحاد الأوروبّيّ بإعادة اللاجئين غير الشرعيّين الذين وصلوا إليها من تركيا، في مقابل إعفاء الأتراك من تأشيرة دخول دول الاتّحاد بحلول العام 2017.

وتبعاً لذلك، استحدثت السلطات التركيّة دائرة الهجرة ونقلت اختصاص منح الإقامة غير السياحيّة للسوريّين إليها، بعد أن كانت تصدر من دائرة “الأمنيّات” وارتبطت ملفّات طالبي الإقامة من دائرة الهجرة التركيّة (بما فيها البصمات الإلكترونيّة) ببنك المعلومات الأوروبّيّ، بحيث يسهل عليها التثبّت من أنّ طالب اللجوء فيها والواصل إليها بالسبل غير الشرعيّة، كان مقيماً في تركيا، وبالتالي يحظى بالأمان الشخصيّ أم لا، ما يُتيح لها إعادته لتركيا وفق مندرجات تلك الاتّفاقيّة.

أمام هذا الوضع القانونيّ الشاذّ للسوريّين في تركيا، حيث لا يُمنح صفّة اللاجئ وفق أحكام اتّفاقية جنيف ولا يصنّف من (اللاجئين بشروط) ولا تُسبغ عليه (الحماية الثانويّة) وبذات الوقت لا يستطيع اللجوء إلى أوروبّا والوصول إليها بطريقة غير شرعيّة من تركيا، إن كان ممّن حصل على الإقامة الحديثة فيها، لأنّه سيعاد إليها. ونعود إلى التساؤل ما هو المركز القانونيّ للسوريّين في تركيا ؟!.

وبالرغم من أن اوروبا بادرت بالخطوة خصيصا للتعامل مع تدفق اللاجئين إليها، ظل غياب تفاصيل دقيقة عن الاتفاق الذي يبقى مرهونا أيضا بمفاوضات تكميلية يجريها الطرفان مستقبلا. (Zaman)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها